Translate

الأحد، 24 سبتمبر 2023

حوار الإعلامية / هناء سالم مع الشاعر والأديب السوري / مصطفى الحاج حسين


قد تكون صورة ‏شخصين‏

** من العاصمة (بيروت) العربية.. إلى ولاية (إسطنبول) التركية
كان هذا الحوار مع الشاعر والأديب السوري (مصطفى الحاج حسين) .
أجرت هذا الحوار : الأديبة والإعلاميّة
الأستاذة (هناء أبو سالم).
# دعوني أرحب بضيفنا الأستاذ القاص والشاعر القدير مصطفى الحاج حسين أهلا وسهلا منور بحضورك أستاذ تحياتي لك.
# : يسعدني ويشرفني وجودك معنا شاعرنا القدير.. هل تسمح لي أن أشكرك باسمي وباسم مجموعات الهناء للثقافة والآداب ولا ننسى إذاعة الهناء للثقافة والمجتمع أهديك تكريم التميز بإسم إدارة المجموعة ألف مبروووك.
# س١-
دكتور مصطفى من خلال مسيرتك الثقافية والأدبية. كيف كانت بداية كتاباتك وهل واجهت صعوبه..؟
** ج١-
كنت في بداية مراهقتي مشغوفاً بقراءة الأدب الشعبي وبطولات عنترة وأبو زيد والزبر سالم وجساس ذلك الأدب الغني بالخيال والثري بأسلوب الحكاية والسرد القصصي والمفعم بالشعر الوجداني المتجسد بفخر القبيلة والتغزل العذري ثم تتابعت قراءاتي لقصص إحسان عبد القدوس وأشعار نزار وغيرهما،ورحت أكتب على نمطهم،ثم تواصلت مع من سبقني في هذه التجربة من الكتاب والنقاد في المدينة التي أقطنها مدينة حلب،وقد نلت التشجيع وانتزعت الاعتراف منهم بموهبتي التي لا أنكر دورهم في صقلها بملاحظاتهم واقتراحاتهم النقدية التي نورتني .
ومما عزز ثقتي وإيماني بأهمية إبداعي استحواذي على الجوائز التشجيعية العديدة من خلال مشاركاتي التنافسية في مسابقات الأدباء الشباب التي كان يقيمها فرع اتحاد الكتاب في حلب،علاوة على ما كان ينشر لي في الصحف الرسمية من قصص وأشعار.
عموماً لم تكن المعاناة عندي فيما أكتب لكن معاناتي كانت بسبب صعوبة وأعباء الحياة المادية التي لم تكن تسمح لي بالتفرغ والشعور بالأمان وتلبية الاحتياجات.
# س2-
انا كنت رأيت لك ما يقارب التسعة عشر ديوان ماشاء الله تبارك الرحمن وغير القصص والروايات من كان الداعم لك دكتور من خلال مسيرتك الثقافية.
** ج2-
الداعمون لي كثر وهم من شجعني منذ البدايات ومازالوا،واليوم تدعمني معنويا العشرات من القنوات الأدبية المختلفة في عالمنا العربي..
لكن الأهم في استمراريتي وغزارة عطائي هو ليس الدعم الخارجي بقدر مالدي من دوافع شخصية واجتهاد وغنى المعاناة لي ولشعبي ووطني،تلك المعاناة التي استشعرها بقوة وتؤثر بي وتستنطقني.
# س٣:
أي أقرب لك دكتور كتابة القصيد أو كتابة القصة.
** ج٣:
أتمنى أن تسنح لي ظروفي لكتابة القصة والرواية، لكن عصرنا الراهن وأوضاعي الصحية والنفسية، يسلماني لمشيئة القصيدة.. ليتني أمتلك الوقت الكافي لناصية الكتابة في مختلف أصناف أجناسنا الأدبية، حيث أجدني سعيدا في التعبير الإبداعي الشعري والنثري،رغم اختلاف أدواتهما، وتباين معجميهما اللغويين .
# س٤:
من من الشعراء. يشعر الدكتور مصطفى الحاج حسين الأقرب له من خلال كتاباته.
** ج٤:
الإبداع مسألة فردية ولاأظنني أشابه
أحداً سوى نفسي..لكن ماهم أقرب إلى ذائقتي وإحساسي كثرون، منهم على سبيل المثال : نزار قباني.. محمود درويش.. محمد الماغوط.. أنسي الحاج.. يوسف الخال.. أدونيس.. ممدوح عدوان.. عصام ترشحاني.. نوري الجراح.. رياض صالح الحسين.. سلام حلوم.. لقمان ديركي.. وغيرهم كثر.. ومن كافة البلدان العربية.. كالسياب، والجواهري، وعمر أبو ريشة.
# س٥:
هل تعتقد أن كتابه القصة القصيرة أو القصيدة مسؤولية الشاعر وإلى أي حد.
** ج ٥:
طبعاً هو مسؤول بالتأكيد عن محتوى كتاباته وأسلوبه الفني المبتكر فالمبدع يكتب للمتلقين في النهاية وهو المسؤول المسؤولية الكبرى، عن نصه وعن لغته، وعن رؤيته، التي تخصه وآلامه وجدانات، وتعبر بشكل مؤثر عن القضايا العامة لمجتمعه .
# س٦:
ماذا يعني الحرف للكاتب أو الشاعر ومتى يصبح الحرف صديقاً للكاتب.
** ج٦:
الحرف هو سلاح قوي وفعّال فهو المنقذ والحامي والمدافع عن كاتبه أو مبدعه حتى وإن حدث أن اغتيل مبدعه هذا، فإن حرفه كفيل بالانتقام له وخلوده، إنه كالابن والحفيد والنسل بالنسبة له.. فالحرف ثمرة الروح والقلب والتجربة والصبر والمعاناة والتحدي.
# س٧:
دكتور أريد أن أسألك هل هناك فرق بين الشعر الحديث والشعر التقليدي وماذا تعني لك الحداثة؟.
** ج٧:
الإحساس هو واحد لا يتغير ولا يتراجع.. لكنّ التجربة أو الرؤية يمكن أن تتبلور وتتطور وتتعمق وتغتني وتتفتح..
والفرق بين شعر تقليدي وشعر حديث كالفرق بين ركوب حصان وركوب طائرة..
ففي الشعر التقليدي زوائد وحشو ونظم وتقليد وتشتت أوعدم تركيز.. بل هناك ضعف في الثقافة وبساطة في الرؤية إلى درجة السذاجة أحياناً.. بينما في الحداثة فهناك التركيز والتكثيف والاختصار والقوة والجزالة والصورة المدهشة والجديدة والابتكار والرؤية العميقة والنافذة في التبصر.
# س٨:
دكتور هل شاركت في مهرجانات وتلقيت جوائز.
** ج٨:
شاركت في مطلع شبابي كثيراً.. وحزت على جوائز عديدة من منابر محلية كثيرة ومن مدن ودول عربية مختلفة.. حتى أخذ بعض الأدباء يحتجون على مشاركتي وحصد الجوائز.. وأخذ بعضهم ينسحب من المشاركات لأنني كنت أستحوذ على الجائزة الكبرى في معظم الأحيان
وأقطع عليهم الطريق بالفوز.. إذ قالوا لو تقدمت أم كلثوم لمسابقة في الغناء فستكون الأولى في كل مرة وهكذا مصطفى الحاج حسين، سيحرمنا من الجائزة إذ اشترك في المسابقة.
من الجوائز التي نلتها عربياً جائزة الأميرة الشاعرة د.سعاد الصباح، من الكويت، ومن الأردن نلت الجائزة الأولى من التجمع العربي للأدب والإبداع.. ومن تونس أيضا.. وعلى الصعيد المحلي الجوائز الكثيرة والعديدة.
# س٩:
ما نظرتك للتكنولوجيا بعصرنا الحالي وكم كانت مفيدة للدكتور مصطفى؟.
** ج٩:
لاشك أننا نعيش اليوم في عصر التقدم التقني الذي أدى إلى التواصل الاجتماعي والمعرفي المباشرين وهذا أمر في غاية الأهمية التثاقف الفكري بين الناس شريطة أن نحسن استخدام البرامج باستثمار الوقت في ما هو مفيد..فالآلة حيادية دائماً والإنسان هو الذي يختار ما ينشر أو ما يقرأ ولو على حساب الوقت ..
أما على صعيد النشر والإبداع فلا مجال هنا للشللية والوساطات إذ يمكن لأي كاتب أن ينشر بحريته عم أن لهذه السهولة في النشر محاذيرها إذ أخذ يختلط الحابل بالنابل وبدأنا نرى كثيراً من الدخلاء على مايسمى فن الشعر أو القص أو المقال.
# س١٠:
دكتور مصطفى هل تشعر بأنك حققت حلمك أم بعد؟.
** ج١٠:
يموت الإنسان ولا يستطيع أن يحقق بعض أحلامه، فطوح الإنسان يبقى بلاحدود، سيما طموح الشاعر الذي يحلق بخياله إلى أماكن لا تخطر في بال أحد.
أعتقد أنني لازلت في بداية الطريق وأن والدرب أمامي طويل ووعر وشاق ومخيف وغامض وموحش.
# س١١:
هل تعرضت لنقد من خلال مسيرتك الثقافية دكتور.
** ج١١:
نقد تجريحي أو يحط من قيمة ما أكتب لا.. كنت دائماً ألقى التشجيع والتصفيق الحار والابتسامات المشجعة والاحترام والتقدير من السادة الجمهور وهو بالطبع على درجة عظيمة من الثقافة والوعي والرقي والتحضر.. و أيضاً وجدت التشجيع الكبير والهائل من الأساتذة الأدباء والنقاد والإعلاميين.. ولقد كتب عني الكثير، لو أردت أن أجمعه لأمكنني توزيعه على كتب عديدة.
# س١٢:
دكتور مصطفى أكيد لك حلم. بماذا تحلم ولم تنجزه بعد.
** ج١٢:
لي أحلام.. بل حدائق جمة من الأحلام والرغبات والأماني، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة..
أهم حلم عندي اليوم أن تعود بلدي سوريّة للأمان والسلام، وأن نعود جميعاً إلى وطننا الذي نعشقه، وأن نموت وندفن في ترابه.. أحن إلى بلدي.. إلى أهلي.. إلى أصدقائي.. إلى أقاربي. إلى جيراني.. إلى كل سوري يقول لي مرحبا.. أو السلام عليكم.
# س١٣:
بماذا تنصح الجيل الجديد من من يهوى كتابه الشعر؟.
** ج١٣:
أنصح بعدم الانقطاع عن القراءة والتذوق والتأمل النقدي،وبخوض التجربة الإبداعية دون خوف، والإفادة ممن لهم باع طويل في مضمار الكتابة الإبداعية شعرا أم نثرا أم نقدا..فليس من اديب كبير لأمع إلا وله تاريخ طويل من التثقيف والمحاولات والتجارب التي أدت به في النهاية ألى نضجه وتطوره .
# س١٤:
رأيك بالبرنامج ضيف خلف الكواليس وبهناء كمعدة ومقدمة لعدة برامج لشعراء وصاحبه مجموعات الهناء بحكمك كاتب وشاعر دكتور.
** ج١٤:
إنه برنامج جميل ورائع وهام وضروري وخاصة حين يقوم على إدارته أساتذة في غاية من الرقي والثقافة والتحضر، ومجهز أستاذة متمكنة وبشدة من الإعداد والتقديم.. فمن أهم معرفتنا بأسرار وتفاصيل النص الأدبي، أن نعرف من هو صاحب النص، وما هي حياته وتجاربه معاناته.
**: بعد شكري وتقديري ومودتي وإحترامي لأكاديمية جامعة بيروت الثقافية، وللأعضاء الإداريين / الدكتور أحمد سالم، والأستاذة شاعرة حرة، والأعضاء الكرام، والأصدقاء وجميع الشعراء والأدباء، والفنانين والملحنين والمطربين والممثلين والصحافة والإعلام والأطباء والمهندسين / ولكل من يشارك ويتابع ويقرأ فيما بعد..وأخص بالذكر الأستاذة الراقية (هناء أبو سالم،مقدمة ومعدة هذا البرنامج الرائع والنجاح والهام و الضروري)، ولكني أحتج وأخجل من أن تنادوني بالدكتور، فأنا إنسان بسيط لا أحمل حتى الإبتدائية، شرف عظيم لي أن أنال الإعدادية، فكيف بلقب دكتور.. أنا أتشرف ولكن لا يحق لي، فهذا سيكون انتحال صفة، وأنا صفتي شاعر وقاص فقط.
**: من الضروري أولاً أن أرد على أسئلة الأستاذ الكريم (ياسر موسى) حيث وجه لي مشكوراً ثلاثة أسئلة، وهي :
* ياسر موسى :
سأترك أسئلتي هنا للضيف الكريم الشاعر الأستاذ مصطفى الحاج حسين.
السؤال الأول:
كيف تؤثر البيئة على حروف الشاعر وأسلوبه خاصة انك ولدت في مدينة الباب التي تعتبر من اكثر المناطق تعصبا وتشددا.
السؤال الثاني:
متى تتفجر قريحة الشاعر ليعطي أجمل كتاباته ومتى يفقد حرفه.
السؤال الثالث:
هل نستطيع ان نقول ان الشعر العربي في تحسن في هذه المرحلة أم انه يعاني من انحدار شديد يدل عليه مانراه من كثرة دواوين المستشعرين الذين لايمتلكون أبسط أدوات الشاعر.
** ج1:
تحياتي صديقي ..صحيح أن مسقط رأسي كان في مدينة الباب،ولعلي اوافقك نسبياُ بأن نعدها من المدن المحافظة لكن التعصب ليس حكرا عليها وحدها ولا يجوز هنا التعميم على سكانها بالمطلق..
وأنا شخصياً انتقلت مع أهلي حيث استوطنت أسرتنا في حلب منذ طفولتي الثانية وتأثرت بتناقضاتها.
مع ذلك أعتقد بأن الشاعر لا ينغمس كلية ببيئته الاجتماعية ليكون نسخة متجانسة عن الآخرين بل إنه ينهل من معين قراءاته المتواصلة لكتاب عرب وأجانب ويتأثر بفكرهم وفنهم.
** ج2 :
الإبداع الشعري هو تعبير عن حالات وجدانية لاوقت محدد لها..فقد يعبر عن حالاته الاخيلة المتلونة بحسب مايحسه ومايتأثر به من عاطفة فرح أو حزن أو خوف أو غضب أو تمرد أو حب أو كره.
** ج3 :
في كل زمان نجد فحولا للشعر ونجد دخلاء عليه ..
فلا تخلو الساحة على امتداد الوطن من مبدعين كبار رغم كثرة المتطفلين على الكتابة والمدعين وهذا أمر طبيعي،فالعرب لهم تاريخ سحيق في قرض الشعر،إلا أننا نلحظ اليوم تطوراً ملفتاً في اختلاف الشكل الشعري الذي أخذ يتجسد في قصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية وعلى اعتبار أن قصيدة النثر قد تحررت من الوزن الشعري ولم يتبلور مفهوم الشعر الحر بعد عند كثير من الناس بتنا نقرأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي كتابات عادية جدا باسم الشعر للأسف ،حيث نجدها خالية من الرؤية والتصوير والعاطفة والخيال والتكثيف والرمز وتماسك الموضوع وهذه الكتابات لا تمت للشعر بأية حال@.
أجرت الحوار : هناء أبو سالم.
قد تكون صورة ‏شخصين‏



السبت، 23 سبتمبر 2023

صفحات من رواية ( الجانوس ) للأديبة المصرية /عبير عبد الجليل

 


الجانوس

رواية

الأديبة المصرية / عبير عبد الجليل

صادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع

في عمق الصحراء التي يطويها السكون، وبين تلك الصخور التي تزين

جبالها الوعرة؛ تسقط صخرةٌ صغيرةٌ وترتطم بالأرض فجأة محدثة صوتًا

مدويًا؛ لينتبه ذلك الكائن المخيف؛ ولتترامى على مسامعه بعدها أصوات

مصطنعة تتراقص أصداؤها في أذنيه، تشتته وتصيبه بالتيه والذعر، يتلفت

حوله مذعورًا؛ ليلمح أشباحًا تقفز فجأة من هنا لهناك بسرعة مذهلة تخطف

الأنفاس، لا يستطيع من سرعتها تبين ماهيتها، ليتفاجأ من خلفه بفتاة بشرية

تصوب بسهمها البدائي عن قرب ما بين عينيه فترديه أرضًا صريعًا، يتآكل

وجهه وجسده، ليفارق الحياة؛ فتفر وتختفي سريعًا لا يُرى لها أي أثر وكأنها

شبح.

ينطلق من مركبته الفضائية لحظة وفاته إنذارٌ بصوت مرعب يرج أرجاء

المكان، وتتواصل مركبته بأسطولهم الأم آليا؛ لتغزو السماء بعدها بوقت

قصير وتقذف بلا رحمة، قنابلهم الفتاكة تمحو مناطق شاسعة وما حولها ولا

يُرى منها إلا نيران وغبار أتربتها التي تصاعدت إلى السماء.

***

في أعماق الأرض نغوص، نختبئ كما الزواحف في الرمال، فارين

مذعورين مشتتين، جوعى ومطاردين في الصحاري والجبال وبين الصخور،

على مد البصر نطوي الأرض طيًا حيث اللانهاية في السعي حيث لا حدود

بين الأوطان؛ لتصبح الأرض كقطعة واحدة

10

ولولا أننا وجدنا ذلك النهر الداخلي داخل كهوف عظيمة مستورًا عن

أعيننا وأعين أعدائنا في أعماق أراضي العرب تحديدًا في الصحراء الغربية ما

بين مصر وليبيا ونحن الآن لا ندري ما الذي حدث لباقي البشر، ولم يعد

يسعنا الخروج على سطح الأرض إلا في الظلام بحثًا عن الطعام، أو استعدادًا

للرحيل؛ لإيجاد مأوى جديدٍ بعد سنوات من الشتات والبحث عن مأوى

"وجدناه قدرًا طيبًا"

والآن في وجود ذلك النهر نحن مؤمَنين بالماء، وسنجرب الصيد؛ لتأمين

الطعام لجموعنا، نحن لم نكتشف كنه ذلك المكان بعد؛ رغم الرعب الذي

أصابنا منه في بداية الإيواء، إلا أننا نشعر هنا بالأمان، فقط علينا اختيار

أماكن الإقامة على أحد ضفتيه إن كان ذلك ممكننا، أو سنضطر لبناء جسور؛

لتيسير الحركة وبناء قوارب بدلاً من تلك الجذوع التي تحملنا على ظهرها

لاجتياز واكتشاف ذلك النهر إن وجدنا بعض جذوع الشجر الذابلة في تلك

الصحراء الشاسعة ممتنين لله أولاً، شاكرين أنعمه علينا ولتلك اللحظات

القدرية التي اكتشفنا فيها ذلك النهر العظيم.

أعلم أن الفضول يزاملكم، وهناك سؤال يغزو أذهانكم الآن: كيف

اكتشفناه؟

"دعوني أروي لكم ذلك"

***

11

البداية

في إحدى الليالي شديدة الحلكة، قبيل الفجر، تتحرك مجموعة من شباب

الكشافة بسرعة خاطفة دون إصدار أي صوت، يرتدون زيًا يشبه لون الرمال

التي يتحركون عليها، يعدو كل منهم سريعًا ثم يتخفون داخلها بطريقة تشبه

حركة الأفاعي في التخفي داخل الرمال، مستعينين بأنبوب صغير يترك طرفه

على سطح الأرض والطرف الآخر ملتصق بأُنوفهم؛ ليسهل عليهم التنفس

داخل الرمال، يكتسبون مع العرق صبغة ورائحة مضللة قليلاً من الوقت،

ثم يكملون العدو مخلفين وراءهم مجموعات مهولة من الرجال والنساء

والأطفال الرُحل، ينادي فيهم رجل كبير في السن والمقام: هيا تحركوا سريعًا

قبل الإشراق؛ حتى لا يرانا أحدٌ

اقترب منه شاب صغير فيما دون السابعة عشر من العمر؛ ليحاوره

قائلاً:

ماذا إن لم نجد كهف الجد عائد؟

قال له:

سنجده قريبًا، سنجده إن شاء الله.

12

يمسح الشاب علي رأسه بعنف، كاظ ما غيظه ثم يتحرك مبتعدًا سريعًا لتلحق به فتاة من نفس عمره تقول له:

اهدأ أيها الغاضب، لم أرك غاضبًا هكذا من قبل.

فالتفت إليها قائلاً: ولم أرك بهذا الهدوء من قبل.

قالت: وماذا عساي أن أفعل في كل تلك الصحراء الشاسعة؟ هل عليَ أن

أقفز على الرمال، وأقول لهم ها أنذا، تعالوا واقتلوني يا ذوي العيون المتدلية

قال: هلا تركتني وحدي قليلاً من فضلك؟

قالت: لا

قال: ولمَ

قالت: لأنني أشد غضبًا منك؛ فأنا مقيدة لا أستطيع الحركة عشوائيًا

هكذا دون تخطيط للخطوات القادمة ودون فهم ووعي بما حدث مؤخرًا،

وما علي فعله حاليًا؟ وما هو دوري في تلك الحياة؟ لقد سئمت من ذلك

العفن وتلك الرائحة من العرق الممزوج بالرمال، نحن ندفن أنفسنا أحياءً

نهارًا، وننفض عن أنفسنا الرمال ليلاً، وكأننا أموات استيقظوا من القبور!

قال: نحن هنا عالقون وأنت سبب ذلك.

قالت: تلقون باللوم دائ ما عليَّ؟ حتى أنت يا أخي، لم أكن أقصد ذلك قط. لًً

قال: وما الفائدة من عدم قصدك ذلك؟ لقد حذرك عمنا بعدم الاقتراب

من العدو ولم تستجيبي لذلك.

قالت: ولقد حذرك عمنا أيضًا ألا تعبث بأدمغتهم خشية استشعار

بعضهم بجثث ذويهم.

13

قال: لكنهم لم يكتشفوا المأوى إلا عن طريق تتبع رائحتك، لقد اقتفوا

آثار قفزاتك المعطرة أيتها الذكية على الصخور.

فوكزته في صدره وقالت: أتقصد كهذه، وظلت تقفز لأعلى يمينًا ويسارًا

وتستند على رمحها لتتشقلب في الهواء وهي غاضبة، وبدا على وجهه تعبيرات

تدل على السخرية منها قائلاً:

نسيتُ أنك تحبين إبراز فتوتك-أيتها القطة المدللة- أمام الجميع.

صاح العم: كُفا عن الضجيج والشجار أرجو أن تدركا أنكما أصبحتما

راشدين ولم تعودا طفلين، سينفذ هواء الفجر "غاز الأوزون" قريبًا، وسيفيق

هؤلاء فلا تكونا سببًا لمعرفتهم بموقعنا هذه المرة أيضًا فنهلك.

وأثناء شقلبتها في الهواء، ونزولها لتلامس الأرض بعد قفزة عالية محبطة

من تأثير كلماته؛ انهارت الأرض تحت أقدامها وسقطت في حفرة أُحدثت من أثر سقوطها على الأرض.

لقد وقفتُ في ذهول تمامًا حينها، إنه أنا رجاء، والتي سقطت في الحفرة

توًا أختي سيلا، دائ ما ما نتشاجر معا لكننا متعلقين ببعضنا البعض منذ وفاة أبوينا ونحن صغار

وقف الجميع مذهولين، وهرع عمنا نحو الحفرة، وافترش الأرض

ليتفحص الحفرة ونادى على ابنة أخيه سيلا هل أنت بخير؟ لم تنطق بحرف،

أمرني أن أمسك به جيدًا كي يتدلى وينظر بالأسفل، لم يستطع رؤية أعماق الحفرة

جيدًا، لكنه وجد أسفل الهوه انعكاسًا ما وكأنه ماء يتحرك، ظهر انعكاسه على

بعض الصخور، فقال: أريد حبلاً، هلا بحثتم لي عن حبل؟ قالها منفعلاً فنادى

بعضهم البعض باحثين عن أية حبال معهم، فأعطوه أحدها.

14

فقال رجاء: اربطني أنا، وسأتفحص المكان، فربطه بالحبل وأنزله ونادى

عليه فلم يستجب هو الآخر، فارتعد العم ونادى مرة أخرى، ثم نادى عدة

مرات، فرد عليه هذه المرة قائلاً: لابد أن ترى ذلك بنفسك، أمسك بعض

الرجال أطراف الحبل ونزل العم ليرى مشهدًا في غاية الجمال، نهر عظيم، مياهه

نقية شفافة، لكن تياراته قوية، يمر داخل كهف ضخم تحت الأرض لطوله

وكبر حجمه تتدفق المياه من الجنوب من أعالي جدران سقفه وتنحدر وتجري

نحو الشمال الشاسع، أتت سيلا عدوًا من بعيد من جهة الشمال، فقال عمها:

أين كنت لقد ناديت عليك كثيرًا ألا تطمئنينا عنك ولو برد بسيط أولا؟ِ

قالت: لقد أسرني جمال المكان كنت أتفحص طول النهر، إنه كبير جدًا

ولم أستطع بلوغه من هذه الضفة فأطرافها ضيقة ولابد من العبور للضفة

الأخرى، ففيها متسع لنا جميعًا، أعتقد أنه أفضل مأوى لجأنا إليه إلى الآن،

فلينزل الجميع سريعًا قبل الإشراق.

العم: وهل يتسع المكان للجميع؟

سيلا: أرجو من الله ذلك؛ فهناك متسع وإن لم يكفنا نحاول العبور للضفة

الشرقية.

بدأ الجميع بإنزال الأمهات حاملات الأطفال، وبعض الرجال يتعاونون

لصنع سلم قوي من صخور الكهف؛ حتى يسهل على الجميع النزول،

وبالفعل تم صنع السلم سريعًا لينزل الجميع.

سيلا: لم نفكر إلى الآن كيف نخفي تلك الفتحة التي في الأعلى؟

رجاء: إن الفتحة صغيرة جدًا وإخفاؤها أمر سهل، نحتاج لألواح من

الخشب.

15

قالت سيلا: وكيف نأتي بها من تلك الصحراء أيها الذكي؟ لم يستطع

البعض حمل شيء إلا متاعه وفقط، حتى يسهل علينا التخفي بالنهار داخل

الرمال.

قال: فروع الشجر الذابلة تفي بالغرض، مؤكد سنجد بعضها بالقرب

منا.

عمهم: علينا عبور الضفة الأخرى كما قالت سيلا، إن ذلك الجزء ضيق

ولن يكفينا جميعًا، نحن لن نستطيع أن نظل في هذا المكان واقفين، علينا

الانتقال إلى تلك المساحات الشاسعة.

خاطب رجاء الجموع قائلاً: من منكم يستطيع أن يتفحص عمق النهر؟

رفع شاب مصاب -كان يعمل في الكشافة- يده من خلف الجموع،

فقال له رجاء: لكنك مصاب!

قال: الإصابة تعيق حركتي في العدو، أما في الماء، فالأمر مختلف تمامًا

قفز الشاب في النهر؛ لينزل العمق العظيم، ثم ارتفع بعدها بقليل وأشار

بأن العمق كبير هنا وتيارات الماء قوية نوعًا ما؛ نظرًا لانحدارها من الجنوب

المليء بالصخور والذي يصعب عليهم الاقتراب منه.

رجاء: أريد منك أن تمسك بطرف ذلك الحبل، وهذا الحبل أيضا، وتثبتهم

في الضفة الأخرى قرب بعضهما، وقذف له بطرفي الحبلين فأمسك بهما واتجه

نحو الضفة الشرقية للنهر، بينما أعطى رجاء الأطراف التي بيده لأحد القادة

وقال له: أرجو أن تثبتهما جيدًا حتى يسهل التنقل للضفة الشرقية عند صناعة

قوارب بدائية إن شاء الله

16

فقال له: حسنًا سأفعل.

وقف العم متحيرًا بينما تذكر أنه لابد من الصعود لأعلى لانتظار الكشافة

فصعد وتبعه رجاء قائلاً لقد بدأ الإشراق بالفعل، وأمامنا أقل من نصف

ساعة ليفيق هؤلاء ووضع يده على قلبه، وتعالت أنفاسه قلقًا ليشاهد

قدومهم ببطء شديد، فأسرع رجاء وعمه وبعض الشباب الذين كانوا

يبحثون عن أفرع الشجر الذابلة لسد الفتحة لينجدوهم، لقد كانوا مجهدين

يحملون بعضًا من جذوع الشجر للتدفئة إذا داهمهم الليل ووجدوا كهوفًا

أثناء المسير، وقليل من الأغراض الأخرى وبعض الأرانب البرية المذبوحة،

ولفت نظر رجاء قطعة من ألياف الكربون- المعالجة بخاصية التخفي وتتغير

لتكتسب شكل ولون كل شيء تلمسه- في يد أحدهم، فقال: من أين عثرتم

علي تلك التحفة الفنية النادرة؟

قال: من مركبة مهشمة على بعد بعض الكيلو مترات.

العم: ماذا لو استطاعوا أن يقتفوا أثرنا بسببها؟

قال رجاء: لا لن يستطيعوا، فليس بها أي مصدر للإشعاع كما ترى، ثم

إنهم لا يستطيعون الاقتراب من مركباتهم المهشمة خوفًا من الجراثيم، هم

يعلمون جيدًا أنها سبب موت قائد المركبة لسبب ما أو خطأ أدي إلى تسربها،

هذه تكفي لإخفاء الحفرة فلنصنع سريعًا غطاءً للفتحة من أفرع الشجر

الذابلة ونغطيها بقليل من الرمال، ونضع ألياف الكربون فوقها؛ لتكتسب

شكل الرمال، هيا بنا ننجز أعمالنا سريعًا

تعاون الجميع في إنزال الأخشاب وأتم رجاء إغلاق الحفرة ونزل فورًا

ليأخذ نفسًا عميقًا وقال الحمد لله، ثم نظر لأفراد الكشافة وقال: سوف

17

نجمع جذوع الشجر الكبيرة تلك لصنع قوارب بدائية؛ لننقل الجميع للضفة

الشرقية، وتلك الصغيرة لإشعال النار للتدفئة والطهي، وبدأوا بالفعل بصنع

قاربين بالجذوع، يحمل الواحد فردين بالغين وطفلين، وبدأوا بالنساء أولاً،

ينقلونهن بمساعدة السباحين المهرة في توجيه القوارب خشية أن تجرفهن

تيارات الماء الشديدة، أو أن تنقلب تلك القوارب البدائية رغم تمسكهن

بالحبال، وأيضًا نقلوا معظم الأطفال على ظهورهم أثناء السباحة.

كان بعض الغواصين يصطادون الأسماك وهم فرحين لهذا الخير الوفير

والطعام الطازج الذي افتقدوه منذ زمن طويل.

أشعلت النساء اللاتي عبرن الضفة الشرقية للنهر النار سريعًا لشي

الأسماك وطهو الأرانب إلى أن انتقلوا جميعًا، وبعد الاستراحة وتناول الطعام

بدأت العائلات بالتحرك للبحث عن أماكن وفجوات في الصخور للمبيت

فيها واكتشاف أماكن أكثر سعة ورحابة في الحجم، والشقوق في الصخور

تعد مساكن إيواء للعائلات على حال أفضل من المبيت في الرمال من أي

وقت مضى، ويتم اختيار الفجوات والشقوق بالأولوية فالعائلة الأكبر،

يبحث الجميع معها عن شق أكبر، من باب التعاون فيما بينهم، أما الرجال

الذين لم يسعفهم القدر في تكوين أسر فيسكنون الضفاف مؤقتًا إلى حين

اكتشاف مزيد من المساحات، بينما جُعلت جذوع الشجر العائمة وسائل للتنقل، واحدة على كل ضفة، مستخدمين الحبال المصنوعة بطرق بدائية التي

تم تثبيتها للربط بين الضفتين لإسراع حركة التنقل، لقد أُجهدوا كثيرًا، ولم يناموا حتى أنجزوا العمل معًا.

18

وفي كل يوم كانت فرق الكشافة تخرج قبيل الفجر تبحث عن الأخشاب

وبقايا سفن العدو المهشمة-بعد نصيحة رجاء- ليستفيدوا منها قدر المستطاع

وخصوصًا عندما اكتشفوا جهازًا سلي ما لكشف الإشعاعات وأية طاقة منبعثة من الأجهزة في تلك السفن وبعض المناظير الحساسة لتسهل عليهم عمليات

البحث ثم يتركوها في أقرب المركبات المهشمة من فتحة النهر الداخلي ولا

يجلبوها معهم خشية أن يُكتشف أمرهم، وكانوا يصطادون بعض الحيوانات

البرية لتناولها مقسمة لحصص بالتساوي على العائلات على مدار الأيام،

وقد وافق عمهم القائد نور بعد إلحاح شديد منهم ومن الجميع لمد الوقت

المسموح به لفرق الكشافة للبحث عن الأخشاب والطعام والأشياء النافعة

ساعة وساعتين بل وأصبحت ثلاث ساعات قبل الفجر ثم التوقف والعودة

إلى كهف النهر الداخلي قبل لحظات الإشراق

***

19

بعد مرور عام

ها أنا جالسة هنا بين الصغار أرعاهم وأعلمهم القراءة والكتابة وأحكي

لهم بعض القصص الأسطورية القديمة وذكريات رحلة البشر علي أرض

كيبلر، لقد أرهقني تكرار الحديث عن تلك الأحداث المثيرة الغضة النابضة

بالحياة، بينما حالنا هنا يدعو للشفقة

الآن، ليس بيدي فعل شيء إلا اللعب والرسم على رمال الكهف معهم

بعد أداء واجباتهم.

يا الله من بعد قوة ضعفًا، مجبرة قهرًا وأشعر بالملل الشديد، أتذكر ذكرياتي

الجميلة وحركاتي البارعة ولحظات المتعة باقتناص العدو لكنني أتحسر الآن

على حالي، ها هو قوسي وسيفي ورمحي ملقاة على الأرض جانبًا، ليس لها

قيمة حتي أنني لم أعد أتدرب وكذلك كل واحد منا هنا، بعد قرار عمي

بالاكتفاء بعمل الكشافة للصيد وجلب كل ما ينفع من سفن العدو،

هيييييييه، تنهدت وأخذت نفسًا عميقًا، وذهبت لتروي لنفسها ما يؤلمها

قائلة: حتى أخي لم يعد يشفي شغفه بفحص أدمغة العدو ودراستها لكنه

حقا يقرأ كثيرًا الآن ويستكشف الكهف وبدأ يخرج مع الكشافة لا أدرى عن

ماذا يبحث في سفنهم المهشمة ولم أحاول التحدث معه لكي أفهم ماذا يفعل

لقد استسلمت تمامًا إلى أن أتت تلك اللحظة التي غيرتنا تمامًا، كلٌ بدأ يظهر

ما في قلبه، وظهرت النفوس على حقيقتها، إنها تلك اللحظة التي أقبلت

فيها تلك المرأة عليّ لتأخذ ابنها مبكرًا من ساحة المطالعة، قالت إنها ستأخذه

20

لتتابع رحلتها سيرًا على الأقدام لمسافة كبيرة بمحاذاة النهر حتى تصل لشقها

الذي اختارته هي وزوجها بعيدًا عن الجموع لتبيت وعائلتها فيه.

سألتها: لما اخترت مكانًا بعيدًا وحدك وأنت تعلمين أن هناك زواحف مثل الثعابين وأيضا عقارب قاتلة لابد من الاحتراس منها "لا أخفي عليكم

سرًا، ليس ذلك هو السبب الوحيد، لقد شعرت بالقلق الشديد من تلك

الخطوة، لا أدري لماذا حينها"ربما كان شعوراً قوياً بالخطر"

قالت: لقد اكتشف زوجي مكانًا بعيدًا قليلاً، لكنه مليء بالأسماك والنهر

هناك ضيق لقد صنع من بعض الأخشاب قاربًا صغيرًا يحمل فردين وعبر

للضفة الأخرى، وقال لي إن هناك مساحات شاسعة وكهوف صغيرة

تصلح للمبيت بدلاً من تجمعنا قرب فتحة الدخول؛ فالجميع يحتاج لبعض

الخصوصية، ابتسمت لها قائلة: لما لم تخبري عمي؟

قالت: حاولت معه أنا وزوجي مرارًا، لكنه لا يصغي إلينا من شدة

انشغاله، فأتيت إليك أُخبرك.

سيلا: سوف آتي معك الآن، التفتٌ إلى الصغار وقلت لهم هيا إلى أمهاتكم

يا صغاري فاندفع الصغار وكأنهم تم إنقاذهم من مأساة محققه، لقد صدمني

ذلك المشهد، يا إلهي هل أصبحت مملة إلى هذه الدرجة، أم أنني أصبحت

مخيفة لا أدرى حقًا ما هو شعور الأطفال تجاهي؟

لكنني علي أي حال تابعت المشي معها مسافة ساعة سيرًا على الأقدام،

لقد اكتشفت أماكن أرحب على ضفتي النهر، ورغم ذلك تابعت المسير

إلى أن وصلنا لقارب صغير، ووجدت رجلاً يكبر تلك المرأة بعشرة أعوام

ينتظرنا، جرى الطفل يناديه بأبي؛ فضمه وابتسم لي ابتسامة جميلة، اقتربت من

21

القارب وركبت فيه بعد أن أشار إليّ بالركوب، قال لي تشبثي بالقارب جيدًا، فالنهر هنا عميق جدًا وليس هناك حبل نمسك به، وتزداد تياراته ضراوة كلما

ابتعدنا عن فتحة المدخل الذي دخلنا للنهر منه، ركبت معه وتحركنا سريعًا،

كان يجدف بمهارة، وسرعة القارب كبيرة جدًا لتصميمه الانسيابي والنحيف،

سألته هل أنت من صنع ذلك القارب؟ قال أجل، حدثت نفسي حينها قائلة

نحن نحتاج إلي الحرفيين لما لم نكلف أنفسنا بفهم ومعرفة مهارات بعضنا

البعض والاستفادة منها بدلاً من ذلك الخواء الذي أصبحنا عليه "ومن

يستمع إلى مقترحاتنا أنا وأخي؟

كل تلك المساحات الشاسعة مازالت مهجورة رغم احتياجنا إليها،

فالبعض الآن لا يريد ترك المناطق القريبة من المدخل، ليروا ما يجلبه

الكشافة

وصلنا إلي الضفة الأخرى، لأجد مساحة شاسعة غير مرئية خلف

الصخور تصلح لإنشاء ملعب كبير، أو قرية صغيرة، تركني الرجل وذهب

لإحضار زوجته وطفله بينما أنا تحركت لأستكشف المساحة الكبيرة التي

تملؤها الكهوف الصغيرة والفجوات الكبيرة الكثيرة جدًا والمتباعدة عن

بعضها وكأنها غرف جاهزة لا تحتاج إلا لستار لتغلق كل عائلة عليها كهفها

الصغير، إن هذا المكان أرحب وأفضل حتى لا يتذمر ويتمرد البعض، لقد

أوشكوا علي ذلك بالفعل، نحن لا نحتاج قرب المخرج إلا لفرق الكشافة

والمعسكر الدفاعي الأول ليتفرغ هناك للتدريب، لابد من الحديث مع

عمي في ذلك، أخشى أن يوهنوا ويضعفوا من الرقاد بسبب قرارات عمي

والزحام.

22

اقترب مكوثنا هنا من عام كامل، رغم كل النعم التي حظينا بها عن

أي مكان آخر، مازال الجميع في حالة من الحزن والوهن بعد آخر ضربة

كهرومغناطيسية مصغرة للعدو، لكن ما يقلقني حقًا ماذا لو شجع ذلك

التوسع في الإيواء لمزيد من التشتت والبعد عن بعضنا البعض؟ وتنشأ فرق

وأحزاب تتنازع فيما بينهم؟ يا الله لما كل ذلك التفكير التشاؤمي!

أخذت نفسًا عميقًا لأهدأ حتى لا يبدو على وجهي ما تخفيه نفسي، وبعد

صعودي لأعلى شق في الجانب الأيسر وأنا غارقة في التفكير، كدت أسقط

بسبب ضعف الصخور في هذه المنطقة؛ فقفزت قفزات بهلوانية واستندت

على رمحي لأنزل للأسفل، أصابني هم شديد، لقد ضعف مستواي، وثقلت

حركتي بينما اخترق أذناي تصفيق ذلك الطفل قائلاً لي: أنت رائعة هل

تعلمينني القتال بطريقتك؟ لقد حكت لي أمي عنك كثيرًا وتمنيت لو تحكي

لي عن مغامراتك بنفسك.

يا الله، لم أشعر بذلك الزهو منذ زمن بعيد، ولم أسمع إطراءً لأمر أفعله

منذ سنة كاملة، لكنني والحق أقول لم يعد الأمر كما في السابق، شيء ما تغير

داخلي بعد كل تلك الأحداث وكل ذلك الفقد والتشتت والتيه.

اقتربت من ذلك الطفل وسألته ما اسمك؟

قال: اسمي فارس

قلت: يا إلهي كيف لي ألا أتذكر أحد تلاميذي الصغار؟

سألته وماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟

قال: أريد أن أكون مثلك ماهرًا في القتال وأيضًا باحثًا وعالمًا مثل أخيك

رجاء

23

دققت النظر فيه وابتسمت.

فكرت في كلماته مليًا، أول مرة يتمنى طفل أن يجمع بين شخصيتي وأخي،

مسحت على رأسه وضممته إلىَّ، فقال: أتذكر منذ سنتين عندما رجعت من

مغامراتك ولقيت عمك غاضبًا وهو يلومك حينها، استحييت وانتابني

الخجل الشديد كثيرًا وذهبت بذاكرتي لاسترجع ذلك الوقت العصيب الذي

تتابعت علينا بعده الشدائد والشتات والتيه في الأرض لنجد بعدها ذلك

المأوى المناسب نعم أتذكر الآن ذلك اليوم وكأنني أعيش تلك اللحظات

وأتخيلها وأستشعر مشاعره المختلطة تخترق أوصالي.

حتى تلك الأصوات المصطنعة مني لإلهاء العدو وبث الرعب فيه أسمعها

في أذناي الآن كما كانت وما كانت إلا إشارات صوتية مدروسة يكاد من

يسمعها يُصاب بالتشتت والتخبط وكأنها تصدر من تلك الجبال الوعرة التي

تتراءى أمامي الآن، لقد احترفت ذلك عندما أخبرني أخي بنقاط ضعفهم

التي اكتشفها وهو يُ شر شَرشَرحَ أدمغتهم لدراستها، وتلك أنا التي تعدو برشاقة وسرعة خاطفة تقفز بين الجبال تحمل قوسًا وسهامًا على ظهرها وتصوب

وهي تقفز محلقة لتصيب بدقة ما بين العينين لتخترق خوذة ذلك الكائن

المخيف في أضعف جزء منها فتصيبه في عينه الثالثة، كنت أنطلق كالصاروخ

متخفية بين الصخور ليبدأ ذلك الكائن بالاختناق والنزيف من فمه وأذنه

وأنفه وأعينه الثلاث ثم يسقط صريعًا على الأرض ماسكًا بسلاحه الفتاك

الذي يشع ضوءًا أرجوانيًا، لقد باغته سريعًا فلم يستطع بكل تلك القوى

والجبروت أن يحمي نفسه من سهم بدائي رغم وجود سلاحه المدمر.

24

أمسك الطفل بيدي فكأنما سحبني من ذاكرة ذلك اليوم المفجع لانتبه إليه

وقال أتذكر يومها جيدًا عندما سألك عمك أين كنت بغضب أمام الجميع؟ ابتسمت على استحياء مجددًا وانتقلت بمخيلتي لتلك اللحظات الهادئة التي

سبقت الإعصار.

العم: أين كنت؟

سيلا: جولة استكشافية.

رجاء: ماذا هل جننت! أنت ماهرة في مخالفة قواعد الأمان

سيلا: رجاء أرجوك لا تتدخل أنت بالذات: ثم نظرت لعمي الذي

يبادلني النظر بغضب وقلت: ماذا هناك لقد أرديت أحد "الجانوس" إنه

يصارع الموت بعد ما تسللت إليه الفيروسات والبكتريا تقطعه إربًا بكل

شراسه بعد ما اخترقت بسهمي خوذته

رجاء: لما لم تخبرينني بجولتك؟

العم نور: ماذا تقول أنت الأخر؟

رجاء: آسف عمي، سأنسحب من ذلك الحوار فورا"وانصرف مسرعا"

العم: وأنت، ألم أقل لك ألا تتحركي دون معرفتنا بوجهتك؟ ماذا لو فقدناك؟ أمسك بكتفيها قائلاً من سيرفع الراية قبل نضوج أخيك؟ أرجو

منك أن تتحملي المسؤولية قليلاً وتقدري ما نحن فيه، لا داعي لإبراز فتوتك

وقدراتك وبطولاتك، فنحن نعرفها جيدًا ونقدرها، لكننا لم نستعد بعد إلى

هجرة جديدة لأرض جديدة ولا نعرف أين ستكون وجهتنا المرة القادمة،

الزمي نصيحتنا إليك حتى لا ننهار جميعًا إذا ما تم كشفك من قبل "الجانوس"

25


مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة