Translate

الأحد، 23 أبريل 2023

زوجة أبي تأليف / متولي بصل

زوجة أبي

تأليف / متولي بصل

دائما ما أسمع تلك المقولة المجحفة التي يرددها البعض كثيرا، والتي تقول ( زوجة الأب خذها يا رب ) ولأنني لم أكن أتجاوز السابعة من عمري؛ كنت أراها مقولة ظالمة، لا سيما وأنا أعيش في كنف زوجة أب غاية في الرحمة والعطف والحنان؛ لدرجة أنني تعلَّقت بها أكثر من أمي التي ولدتني!

لم أكن أعرف تفاصيل الطلاق في هذه الفترة البعيدة من عمري، لكنني كنت أعرف أن أمي تنازلت عن حقها في حضانتي لأبي! واكتفت بساعة واحدة من كل أسبوع، ستين دقيقة فقط تراني فيها، وتطمئن على أحوالي! والعجيب أن زوجة أبي الطيبة كانت تسمح لها بالمجيء إلى بيتنا، وزيارتي والجلوس معي طيلة هذه الساعة، ورأيتها بعيني في كل مرَّة ترحب بها، وتستقبلها وكأنها أختها وليست طليقة زوجها، بل وكانت تطمئن على أحوالها، وتقول لها دائما :

-         إذا واجهتك أي مشكلة في العمل أو في غير العمل اتصلي بي، وسوف أحلها لكِ على الفور، أنا أعتبرك أختي؛ وأريدك أن تعتبريني كذلك!

وفعلا بحكم كونها موظفة في مركز مرموق في المجلس المحلي، كانت تساعد أمي، وكانت سببا في نقلها من المدرسة النائية التي كانت تعمل فيها إلى مدرسة قريبة من سكنها.

كل أسبوع كانت أمي تأتي لرؤيتي، وتجلس معي ساعة كاملة، وكانت بعض الأمور الغريبة تحدث خلال هذه الساعة، ولم أكن أنتبه لها، ولكن تكرار هذه الأحداث المأساوية أثار في نفسي الخوف والتساؤلات، ففي إحدى المرات سقطت مروحة السقف وتحطمت، والحمد لله لم يكن أسفل منها أي واحد منا، وإلا لوقع ما لا تُحمد عقباه؛ وفي مرة ثانية انفجر جهاز التلفاز واحترق، وكاد أن يتسبب في إشعال حريق في البيت؛ وفي مرة ثالثة زوجة أبي المسكينة سقط على كتفها أحد المصابيح المثبتة في سقف المطبخ، وتهشَّم؛ وأصابها بجرح قطعي بالغ، وسالت دماؤها على البلاط  حتى أصبح لونه أحمر من كثرة الدماء!

وتكرَّرت هذه الأمور الغريبة المخيفة، في كل مرة تحضر أمي؛ تقع المصائب، ويتحوَّل البيت إلى مكان منكوب، لدرجة أنني بدأت أكره الساعة التي تحضر فيها ! وسمعت أبي ذات ليلة يخبر زوجته، وهو في شدة الانفعال، ويقول لها:

-         لن أنتظر حتى تقع مصيبة أخرى، لن أسمح لتلك المرأة المشؤومة بالدخول عندنا مرة أخرى، ليتني لم أستمع لكلامك عندما طلبتِ مني أن أسمح لها برؤية الولد ..

-         حرام عليك تحرم أم من رؤية ابنها، مهما حصل، أرجوك راجع نفسك في هذا القرار أكيد ما يحدث لا علاقة لها به .

في المرة الأخيرة التي رأيت فيها أمي، كنت أبكي، ورغم كل محاولاتها ومحاولات زوجة أبي لتهدئتي لم أكف عن البكاء، لدرجة أنني شعرت أن قلبي سينشق إلى نصفين! لم أستطع أن أكرهها رغم كل ما كان يحدث، وكنت قلقا جدا، وخائفا مما سيقع في هذه المرة، وفي هذه المرة  تم نقل أبي إلى المستشفى، إنهم يقولون أنه أصيب بهبوط حاد في الدورة الدموية، كان من الممكن أن يؤدي إلى وفاته! رغم أنه طيلة الأيام الماضية كان سليما معافى!

خرج أبي من المستشفى، وعاد إلى البيت، ولكن أمي لم تعد مرة أخرى، ولم أرها بعد ذلك، وسمعت من فترة أنها ماتت، ولم أحضر جنازتها لا أنا ولا أبي!

وبعد سنوات بينما كانت زوجة أبي الطيبة راقدة في فراشها، من أثر وعكة صحية تمر بها، عثرت صدفة على دفتر مذكراتها، لقد نسيته على المنضدة، رغم أنها كانت دائما تخبئه في صندوق مجوهراتها، وتحكم إغلاق الصندوق عليه!

صدمتني الخطط الشيطانية التي كانت تدبرها لتجعل من اليوم الذي تأتي فيه أمي يوما أسودا مشؤوما! وصدمني أكثر أنها لم تتورَّع عن إصابة نفسها أكثر من مرة، مرة بجرح قطعي في كتفها، ومرة أخرى في كف يدها، كل ذلك لتبدو أمي شيطانة في عيني وفي عيني أبي وفي أعين الجميع! ولم أصدِّق عيني وأنا أقرأ كيف دسَّت حبة الدواء لأبي في طعامه، تلك الحبة التي جعلته يُصاب بذلك الهبوط المفاجئ في الدورة الدموية!

ووجدتني أبكي بحرقة، وأجثو على ركبتي، وأنا أقرأ كيف أنها بواسطة وظيفتها المرموقة أفقدت أمي عملها كمعلمة في وزارة التربية والتعليم، واضطرتها للعمل بعد ذلك كعاملة نظافة في إحدى المستشفيات .


الخميس، 20 أبريل 2023

( يا عيد قول للربيع ) يوميات رمضانيه للشاعر / متولي بصل

 

( يا عيد قول للربيع )

يوميات رمضانيه

للشاعر / متولي بصل

ورد القلوب صابح عطشان

هيموت ويدبل م الحرمان

ونفسه بكره في ليلة العيد

يتهنَّى ويبات فيها فرحان

هِل يا عيد هَات فرح جديد

يداوينا من كل الأحزان

ومن الهنا اسقينا وزيد

ولِف بينا في كل مكان

افتح لنا للفرح بيبان

خلِّينا نفرح زي زمان

فين الربيع روح له وصحِّيه

من يوم ما جه نايم نعسان

قول له الوجود مين هيحلِّيه

ويلوِّنه بأحلى الألوان

والشمع علشان مين هيقيد

والفرح والغنا والزغاريد

مش كل مرَّه فرحتنا

يسرقها منَّا غراب البين

 

 

الجمعة، 14 أبريل 2023

( رمضان كريم يا رب ما يخلصشي ) يوميات رمضانية للشاعر / متولي بصل

 


( رمضان كريم يا رب ما يخلصشي )

يوميات رمضانية

للشاعر / متولي بصل

رمضان كريم يا رب ما يخلصشي

يفضل معانا حبل الوصال ممدود

ما هو كل شيء في الدنيا ما بيدومشي

حتى الجَمال مسيره ياكله الدود

عوِّدت نفسي مهما انام ما احلمشي

هيفيد بإيه الحلم يا مسعود

والشمس مهما ضوءها يحرق وشي

مش معنى كده إن النهار موجود

السكة قدامي وانا ما اعرفشي

شوك اللي فيها والا فيها ورود

مجبر من اللفة لكفني ونعشي

أمشي ولو كان الطريق مسدود

يا سكة اللي يروح ما يرجعشي

كام شاب من زينة الشباب مفقود

قلب الطريق بيضيق وانا بامشي

ما بقيتش عارف حتى الف واعود

حضن الحبايب ليه ما بيساعشي

حتى اللي في اللفة صابح مولود

الدنيا زي الغول ما ترحمشي

ما لناش بقى غير ربنا المعبود

الخميس، 13 أبريل 2023

( رمضان كريم اصحى يا غفلان ) يوميات رمضانية للشاعر/ متولي بصل

 

( رمضان كريم اصحى يا غفلان )

يوميات رمضانية

للشاعر/ متولي بصل

رمضان كريم اصحى يا غفلان

رمضان هدية من الرحمن

يبدر بذور الحب في الأكوان

ويقيد شموع الخير في كل مكان

ويمسح بإيده دمعة الغلبان

ويزيح هموم القلب فيها غرقان

القلب مخنوق مَل م العصيان

والناس في شوق للعفو والغفران

**************************

بين الخلايق من طابور لطابور

ولا مرَّه واحده جه عليك الدور

عايش ونِفسك يوم تبات مسرور

بس الحياه مليانة أذى وشرور

ع الأرض تعبك في التراب مبدور

وانت بتشقى فيها زي التور

لا حد قال لك سعيكم مشكور

ولا حد قدَّر تعبك المهدور

الفرصة جت لك لحد باب الدار

كل اللي مطلوب توب إلى الرحمن

**************************

قدَّام عينيك فانوسك المسحور

وبين إيديك خاتم هنا وسرور

رمضان كريم متَّع عينيك بالنور

واشرب من الهنا والسعادة بحور

قبل ما يغيب عن عينيك لشهور

وتلاقي نفسك في الهموم مقبور

قوم شد حيلك واجبر المكسور

وابني لنفسك فوق فيلل وقصور

ربك جعل لك جنة فيها الحور

عالِم بإنَّك في دنيتك مقهور

إصحى وقوم ربك كريم وغفور

دي ليلة واحدة بالعمر يا غفلان

الأربعاء، 12 أبريل 2023

( تربله ) يوميات رمضانية للشاعر / متولي بصل

 

( تربله )

يوميات رمضانية

للشاعر / متولي بصل

يا عم رمضان

طوف على أهلي وناسي

وقول لهم

كل شيء حوالينا

أصبح بالريموت

وانتوا لسه بتلعبوا

دومينوا وكوتشينة وطاولة

ده احنا ف زمان الكمبيوتر

والموبايل والكروت

يعني عصر التكنولوجيا في كل دوله

كل شيء بقى في المحلات والبيوت

اللي بيحاول ينول

واللي ما يحاولش

يبقى غيره أولى

ليه تسيبوا الوقت يهرب

أو يفوت

كل ثانية تستحق مليون محاوله

إمَّا نتقدِّم وإمَّا راح نموت

الحياة عايزة عمل

مش عايزة عِولا

ليه نشتري من الصين بضاعه

واحنا أرباب الصناعه

كل حاجة بنشتريها

حتى سجادة الصلاه

واحنا قاعدين للمزاج

والنعنشة والصهلله

الظروف في بلادنا واحده

همه جالهم فوقه ليه

واحنا جالنا تربله

دول خلاص وصلوا القمر

واحنا لسه مدروخين

قاعدين نشد معسِّله

 

 

الثلاثاء، 11 أبريل 2023

مجلة القصة الذهبية ص 16 ، 17

 


قصة قصيرة
للكاتب محجوب حامد آدم


كذبة أبريل

من مجموعتي القصصية  شنكيباي الصادرة حديثا عن دار النسيم للنشر والتوزيع.

وقفت أمام المرآة تتحسًس وجهها ، تُبحلق وكأنها تقف لأول مرة أمام مرآة .

تبسمت ساخرة وهي تنظر للندبة المحفورة على خدها الأيمن كالأخدود .

يرن الهاتف ، تبحث عنه دون أن تدري وجهته ، يدُلُها صوته المخنوق داخل حقيبة يدها الملقية على طرف السرير ، تجري نحوه بلهفة .

يأتي الصوت بهيا ضاجا بالأغنيات ، فقد تعودت أن تسمع ذلك اللحن قبل الولوج إلى تفاصيل المكالمة كلما رن هاتفه من سنين مضت عندما كان يهاتفها بانتظام قبل أن تتقطع بهما السبل ويرسم الزمن ملامحه المتعبة في الإيام والسنين المعجونة بالغربة والهجران .

_ الوووووو

تصمت برهة قبل أن ترد وهي تسترجع ذكريات الجامعة ، يباغتها ثانية

_ الوو

يرجع الصدي مرة أخري إلى الجامعة حيث تعثرت به أول مرة في ممرات المكتبة وهي تبحث بين الأرفف عن بعض المراجع ، من يومها .. خرجت من المكتبة وهي تحمل حبا عميقا .

شيئا فشئيا تغلغل وسري بين أوصالها حتي صارلها رئة ثالثة .. لا تستطيع أن تتنفس دونها .

ترد بصوت حزين :

_ نعم ، مين معاي ؟

تعمدت أن ترد بهذه الطريقة وكأنها لم تتعرف على صوته ، وهي تقاوم ذلك البركان المتربص بها والذي ثار لتوه.

يأتيها صوته معاتبا :

كنت أظن أن رقم هاتفي محفوظ عندك.

لا يهم .. يمكن أن أحفظه الآن ، لكن المهم .. ما الرياح العاتية التي عصفت بك حتي تتذكرنا هكذا دون ميقات ؟

قال وكأنما يبحث عن أجابة مناسبة :

_ أقدار والله ..

ردت بنزق :

هكذا هي أقدراك التي لامبرر لها .

الحمد لله تعافيت من أوهامك وجنونك وأنانيتك المفرطة .

يسيل الدمع غزيرا من مقلتيها وهي تصارع رفيقاتها في الغرفة ، يتعالى صراخها ليتحول الى نشيج .. ثم الى حالة هستيرية .

تمسكها إحداهن بقوة من زندها وهي تقول :

- دعينا نتأكد من الخبر أولا ، من قال لك أنه قد مات ؟

- صديقه جاء الى هنا وهو يبكي وقد أكد لي أنه مات من ساعات في حادث سير , وجسمانه لا يزال مسجى في مشرحة المستشفي الكبير .

ثم تعود من جديد للنشيج .. ثم لزمت السرير وهي فاقدة للوعي لا تسمع ولا تعي ما يجري حولها ، غائبة وهائمة في عالمها المعزول تعيش صراعات داخلية لا علاقة لها بالخارج ، لم تستطيع العودة إلى رشدها حتي بعد أن تبين أن الخبر لم يكن سوي "كذبة أبريل" ، خطط لها هو ليختبر مدى حبها له ، مفسرا ذلك بأن الأول من أبريل يوم المفاجئات .

شاع خبر مرضها وعم كل أركان الجامعة ، أصبح الكل يحاول أن يقدم شئيا مفيدا قد يخرجها من عزلتها وتعود إلى حالتها الطبيعية ، بائت كل المحاولات بالفشل ، ولم تفلح محاولات رفيقاتها مع المشافي و الاطباء وأصبح مرضها الخبر الأكثر شيوعا في الجامعة .

لم يصدق ما جري ، لم يكن في باله سوى إختبارها ، لم يذهب بعيدا الى ما ذهبت إليه بهذه الطريقة التي لم يتصورها أبدا ، أصبحت الجامعة لا تحتمله بل أصبح العالم بأسره لا يحتمله ، تجده فاغرا فاه في كل مكان لا يصدق ما جري .

يرد بصوت فيه شيء من الأنين :

الحمد لله تعافيتي مني ، أنت لا تستحقين كل ما جري لك .

كنت أحمق ، ولا أستحق إهتمامك . لكن صدقيني .. إذا تجاوزت أنت كل ما تقولين ، فأنا لا أزال أعيش ذلك الواقع المريرتطاردني اللعنات في هذه الأصقاع البعيدة .

تنبتسم أمام المرآة ثانية وهي تقول :

لم تلحق بك اللعنات بعد .

تبحلق ثانية على خدها الأيمن ، تتحسس الندبة وهي تمسك والدها متوسلة ،أن لا يفعلوا بها هكذا ، تصرخ بأعلى صوتها ، تستنجد بالناس حولها ، لا شيء هناك سوى الصدى .

أرجوكم .. أرجوكم .. أرجوكم .

يسقط الهاتف من بين يديها ، وتسقط هي بالقرب منه وتغوص في غياب بعيد .

تنقلب على جانبها الأيسر يضغط يدها الثانية عمها الجالس قبالة والدها على متن سيارة البوكسي وهي تسارع الريح بين الجبال صعودا وهبوطا وفوح الأشجار يمتزج برائحة الأرض المبللة بالمطر .

يصلها صوت عمها عميقا وهو يقول :

أهل المدينة لا يعرفون مثل هذه الأمراض ، الحمد لله وصلنا الخبر في الوقت المناسب ، كلها ساعتين ونصل الى القرية بإذن الله .

يرد والدها :

- نعم ، أهل المدينة لا يعترفون بالمس والسحر والجنون والشواطين .

يرد العًم وهو متوجس :

اللهم عافنا عن ذكرهم .

البوكسي يصارع الجبل بأنينه المتقطع ، ثم يصعد أعلى مرة واحدة ويستوي على السطح ، القرية تبدو واضحة أمامهم ، الشمس تجري نحو الغروب والشفق يرسم لوحة بهية على جنبات القرية .

لم يصدق أهل القرية ما جرى لها ، كل ما يعلمونه عن أهل المدينة أنهم أهل علم وحضارة .. أحدهم يقول :

- بالله في المدينة سحرة ودجالين ؟ ..البنت أهلها أرسلوها للتعليم ، تعود هكذا سبحان الله .

في القرية لم يسمع أحدهم ب "كذبة أبريل" ولا بالحب الذي يسلب الألباب ويفقدك صوابك .

ويقول الثاني:

الشيخ جبريل منتظرهم من الصباح ، ساعات وسوف تفيق من هذا الجنون .

أضاف آخر ..وهو يقهقه ضاحكا :

شيخ جبريل يطرد الأرواح الشريرة الهائلة التي تعيش في الجبال والوديان ، سحرة المدينة لايأخذون من وقته سوى دقائق .

مددوها على سريرخشبي بعد أن قرأ عليها الشيخ جبريل بعض من تعويذاته .. وختم قوله :

- دعوها تستريح ، سوف أعود صباحا بإذن الله ، جهزوا لي تيسا أسود على جبينه علامة بيضاء ، وبخور عدني ، وماء ورد .

تنقلب على جانبها الأيمن ، تفيق على صوت والدتها وهي تجادل والدها :

مستحيل أن تفعلوا بها هكذا ، كيف يمكن أن تفعل ذلك وأنت رجل مؤمن تصلي وتصوم ، البنت متعلمة لا تعكر حياتها ، دعنا نجرب علاجا آخر.

يرد عليها بحزم :

من قال لك أن ذلك حرام ؟ حتي النبي صلي الله عليه وسلم - لم ينجوا من السحرة .

هذه البنت مسحورة .

لم تصدق الأم أن فلذة كبدها أفاقت بهذه السرعة ،

تضمها الى صدرها وهي تقول :

حمدا لله على السلامة .

ترد بصوت واهن متقطع :

- أين أنا ؟ وكيف جئت الى هنا ؟

- سمعنا بمرضك وذهب أبوك وعمك وأتيا بك الى هنا . الحمدلله أنك بخير، يبدو أنك اشتقت لهواء القرية ، الأشواق تفعل أكثر من ذلك يا عُمري .

***

الليل يغطي القرية بظلامه الدامس ، بعض النجوم الصغيرة تتحايل على العتمة وتظهر بين الفنية والأخري وألسنة اللهب المتطاير من نيران خلوة القرآن الكريم تحاكي النجوم في تبديد العتمة ، الصبية مُتحلقون حول كوم اللهب ، تتعالى أصواتهم وهم يرددون التلاوة خلف شيخهم ، أنسام الخريف تهب على الأكواخ وهي تشكل صوتا يشبه الصفير، الأغنيات العذبة تتسلل من بعض شقوق الأكواخ البعيدة :

" قمج أبا لعنتاتي أتحاليكو إقل إردى

وغاششكوها نفسيي إلا شاما قل أبدى

تبوم بيلا للبيي كمسل شداد وردى

حكم ربي رداتو خالق وجبو لحمدي"*1

تردد مع الأغنية المقطع الأخير وهي تمسح الدموع عن خديها ، ثم تنقلب على بطنها وهي تعاود النوم من جديد .

تفيق في الصباح على أصوات الرجال المتعالية أمام الكوخ .

- السلام عليكم .

يستقبلهم والدها وهو يرد:

- عليكم السلام ، تفضلوا

يفتح لهم كوخا آخر مقابل لكوخها ثم يقول وهو يخاطب الشيخ جبريل :

كل شيء جاهز يا شيخ .

سوف نعمل الطقوس في الكوخ الكبير، هو واسع يتيح لنا ذلك .

يرافق الشيخ جبريل والدها نحو الكوخ الكبير، يضع أمام بابه مبخرا كبيرا تتصاعد منه أبخرة اللبان العدني ، ثم يسحب التيس الأسود داخل الكوخ وهويقول :

تعالوا بها إلى هنا .

يسحبها والدها عنوة من سريرها برفقة رجلين آخرين ، لا تعلم إلى أن يقودونها ، بينما والدتها تتقطع أوصالها من الحسرة وغيمة من الحزن تحاصرها بالخوف والرجاء .

أدخلوها الكوخ الكبير ، أقعدوها القرفصاء على طست*2 نحاسي واسع ثم شكلوا بثوب أبيض دائرة حول الطست وهي ترتجف تحتهم ، بينما الشيخ جبريل يهرول حول الكوخ تارة ، ثم يخرج تارة أخري ، وهو يردد تعويذات غير مفهومة ، يضيف اللبنان العدني على المبخرة الكبيرة ، ثم يدخل ثانية داخل الكوخ الكبير وهو يستل خنجرا طويلا ، ينادي بعض الرجال بالخارج لمساعدته ، ثم يكبر بصوت متحشرج وهو يضع عنق التيس نحو القبلة .

يأمرهم وهو يذبح التيس :

- كونوا يقظين ، سوف نرفع معا مجرد أن يسيل الدم .

ثم صاح بصوت عال :

- هيا بسرعة .

بخبرة المتمرسين .. رفع الرجال التيس المذبوح أعلى الثوب الأبيض يإيقاع منتظم ، بينما عنقه يتدلى وسط الطست والدم يسيل منه بسرعة جنونية نحو رأسها .

لحظات عصيبة عاشتها، وهي تقاوم الدم الفائر الذي يغطيها من كل جانب ، لم يكن في وسعها فعل شيء سوى وضع يديها الضعيفتين على عينيها لتحميهما من الدم الحار الذي بدأ يملأ الطست أسفل قدميها .

الشيخ جبريل يطوف حول الثوب الأبيض ، يردد تعويذاته بلغة غير مفهومة ورائحة الدم تخالط اللبنان العدني ، فتتسرب عن ذلك الفعل رائحة كريهة تجعل من الكوخ الكبير مكان قميئا .

يحمل الرجال التيس خارج الكوخ ، يتولى أحدهم عملية سلخ الجلد ، بعد ان علقوا التيس على شجرة كبيرة وسط فناء الدار .

وحدها في الكوخ مع الشيخ يربت على ظهرها وهو يقول :

- ستقومين بالسلامة بإذن الله .

تحاول أن تقف على رجليها بصعوبة ، تحاول وهي ترتجف ، تتكىء على والدها في محاولة يائسة لفك أصابع رجليها من الدم المتيبس ، وقفت بصعوبه وهي تنظربأسى إلى هيئتها الدامية بينما أنوثتها صارت تتساقط تحت قدميها ، نظرت إلى أعلى .. لم تستطيع أن تتبين شيئا ، أصابها ما شبه الدوار.. ثم سقطت مغشيا عليها .

طار الطست إلى أعلى من شدة الإرتطام ، فقد سقطت على حافته بخدها الأيمن .

تجمهر الرجال حولها داخل الكوخ ، الدم يسيل كجدول من خدها الأيمن، يتجاوز الدماء اليابسة في مجاسدها ويرسم لوحة حزينة قرب نهديها .

تنقلب على ظهرها ، تستجمع قواها وهي تقوم على رجليها من جديد .

الهاتف منكفئٌ على شاشته تحت الطاولة ، بينما رنينه يملأ فضاء الغرفة ، تسير نحوه بتكاسل .

ترد على صديقتها بصوت باك وهي تقف أمام المرآة ، تمسح الدموع المتساقطة في الندبة على خدها الأيمن .

القاهرة

مايو 2022

هوامش:

1/ مقطع من أغنية شعبية بلغة ”تجريت" للفنان سعيد عبدالله

2/ إناء كبير مستدير للغسل .








صدر عن دار وعد للنشر والتوزيع

كتاب (الاستقامة وعلاماتها وعاقبتها في الدنيا والآخرة ) للكاتب الدكتور محمود خليفة الازهري، تكلم فيه المؤلف عن ما جاء في القرآن والسنة عن الاستقامة، حيث دعت آيات القرآن العظيم، وأحاديث السنة النبوية المطهرة إلى الاستقامة، وبينا سبل تحقيقها. وتناول فيه المؤلف أيضا الحديث عن العلامات التي إذا ما وجدها الإنسان في نفسه عرف أنه من أهل الاستقامة.

كما قام المؤلف بذكر عاقبة الاستقامة في الدنيا والآخرة.

وقد اعتمد في ذلك كله على ما ورد في القرآن الكريم، وصحيح السنة النبوية، وأقوال أهل العلم الموثوق بدينهم وعلمهم.

وسلك المؤلف منهجا سلسا في عرض مادة الكتاب، حيث الأسلوب السهل، والكلام الواضح، والبعد عن التطويل والتعقيد، بحيث يكون فهمه في مقدور الجميع ممن يطالعونه .








طيف حلم

للشاعرة السورية  أميرة قطلبي


طيف حلم

تركت خلفي حزنا

وعبرت الدرب سبيلا

علّي أرى وجوها طيبة

وابدد المستحيلا

حقيبة سفر

وبضع أوراق

رغم الضباب

اعرف التأويلا

شددت على يدي

واتخذت قراري

ونويت الرحيلا

تسبقني خطاي

حين استريح قليلا

فوجهتي اعرفها

لاضير إن تعثرت قدماي

فأنا نويت الوصولا

إلى حيث المحبه

إلى مدن رسمتها في

مخيلتي الجميلة

لتلفني شهقة يديك

بكل مالديك من شموع

وبكل مالدي من أمل

ومعي الدليلا

اتمسك بك قبل أن

يفر من حذائي الطريق

ولا أعرف السبيلا

واقول كيف الرجوع

من دوحة الأحلام

وكيف بعد غفوة حلم

يكون البديلا

 أميرة قطلبي

 





 









 







مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة