Translate

الأربعاء، 31 أغسطس 2022

قصة قصيرة بعنوان عوز بقلم عصام الدين محمد أحمد

 قصة قصيرة بعنوان عوز

بقلم عصام الدين محمد أحمد
عوز
أستيقظ في الغبشة، أرش وجهي بالمياه، لا فطور ولا (يحزنون)، أركب قدمي،أبتلع ثلاث كيلو مترات من الرمال، يجف ريقي، يتصبب عرقي، أخيراً أدخل أرض أبو الفتوح، يتشابك النخيل مُتباين الأطوال، لا وقت للتأمل يا مصروع، أرص الأقفاص فوق الأرض، أورقّها :
هي لم تأت بعد ، تتدلل هذه الأيام، تتغندر .
الجنائون يهلون، البنات تثرثرن برفقتهم، يتسلقون أحقاف النخيل الوبرية بالأحزمة، أبو فرخة يرمي زوجته بالبلح، تأكل الرطب وتقذفه بالنوى .
ها هي تأتي بالمشنة، تكُب في كل قفص حفنات.
كيف أجُرها للحديث ؟
لا تدع فـُرصة لالتقاط الأنفاس، تشرف الأقفاص على الامتلاء .
أتلخبط، تتلكأ، تكتشف حيرتي، تدنو من الفرش، تنقي البلح المُخضب ، توشش به أوجه الأقفاص، أورق المزيد من الأقفاص، أخيش المملوء بالغطاء الجريدي والدوبار، أخيراً تقول :
أطلبت من إسماعيل أن يريحك من التخليل ؟
أرد في هدوء :
أحتاج العمل ؛فالوقت شتاء ، ولا عمل الآن لى فى سوق روض الفرج ، ولن أدفعه ليستغني عني !
تعقب في غضب :
جبان .
أنشغل بالتعبئة، تصل الكارو ، أحمل الأقفاص، أزُق العربة مناوئاً الكثبان والحفر والكلأ، أجهدني الزمن، أقدام مُتشققة ورمال رخوة وبلح وحمار هزيل وعرق طافح لن تـُجدي معه سيارة الشفط، وفي الحلقة أعتق الحمولة، أزنها، أتشعلق فوق صندوق السيارة، أرص الأقفاص، الوجه يُلامس الوجه، أعشق الظهر في الظهر، ظهري تفسخت ضلوعه، مائتان وخمسون قفصاً تُبتر عزمي، أعود إلى الدار، تستقبلني ببشاشة وجلة، وعلى عجل أنتهى من طعام العشاء، تجوسني بعينيها، تقطر أتهاماً، الجو يُنذر بالأمطار، عرجت إلى الغرفة، طنين الكلمة يزجرني :
جبان .
أفترش قش الأزر، زخات الأمطار تخلع قلبي، أتكور متوهماَ الدفء، أخشى اختراق الأمطار السقف، فتعريشة الخشب والقش غير مُحكمة التكوين، والمشمع المفرود فوقهما مليء بالخروم، تنثرني المخاوف، أقوم مخمولاً، أضع لفة أقفاص فوق أخرى، أعممها بالطشت، ينتفش جرن السُباطات ، أضع سُباطة في الطشت ، أنثر عليها الخل ، أمرمطها، أنكش عناقيدها، أدعكها، ترن الكلمة فى الأرجاء :
جبان
ما زالت السماء تسح، أكوم تلال القيس / السُباطات، أفرد عليها شكاير الأسمنت الفارغة والقش، ألهث وتلهث السماء لتمطر ،وتفرغ قربتها،ويقطر بدني سقيعا،غابت،لم تساعدني،لم ألمح طيفها،دهكت رأسي بمطرقتها الفولاذية،أرنو إلى حروف ذهني المُرتجف :
أ للجُبناء عزم ؟ !
أأذهب إلى الميضة لأغتسل ؟ !
ولكنها استخسرت جردل المياه الفائرة، الصباح رباح، نم الآن !
كيف أنام وجسدي منقوع بالخل ؟ ؟
أتباطأ إلى المسجد، لا أسمع سوى شهيقي وزفيري.
أعلق هدومي على حائط الحمام المليء بالمسامير، برد .... برد، تلمس يدي الصنبور، دفعة واحدة أديره، ينبعث ثلج مجروش، أتحسس المياه دهراً، أزفر بُخاراً، تنكمش أعضائي.
أبلل شعري، أنفخ، أدعك رأسي بالصابون، الرائحة تنعشني، أدلق الكوز الصدئ على رأسي بحذر، حتى لا تتسرب المياه إلى عمودي الفقري / سلسلة ظهري، أطيل غسيل الشعر، أنحت الصابونة على جسدي، أغمض عيني، فجأة أغرق الجسد بالمياه، ألاكم الهواء، تصطك أسناني، أنشف جسدي، تتداعى أبخرة الجوف، ألبس الكلسون والجلباب النظيف، ألف هدوم الخل في كيس بلاستيك، أفتح الباب، فحيح الرطوبة يرعشني، ستائر الأمطار تغبش النيون، أدلف من باب الصلاة، أركن حاجياتي، أمضغ الحروف:
جبان .
ما بال الشيطان يستوطنك ! !
يا بوي إمرأة تشقلب الحال ! !
لماذا تنصت إليها دوما؟
ربما في المستقبل القريب تتخذها زوجة!
هدوء، خوف وطمأنينة، والبدن لا يستقيم بعد، أيليق في هذه الحضرة حضور طيفهاأبتهل :
يارب .
ما زالت نفسي هلعة، وقلبي موتور، أصلي ركعتين، تأخذني سنة من النوم، أنهض من رقادي على صوت رخيم يتلو آيات من سورة ق ،يبعثرني الخجل بين زوايا المصلى
يشاهدونني على الجسر وبيدي لفة هدومي .
تمت بحمد الله
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

مشهد - ققج - بقلم / موسى الابرش - سوريا

 ققج

موسى الابرش
سوريا
مشهد
أمسك بخيط الماضي؛ تقلد طربوش الاجداد؛ هزّ منسأة الرجولة. امتد شاربه كذيل افعوان. عبرَ ناشط الليل. سقط مكباً على بحر هلعه؛ ومضت عيناه : تمخض الجبل....

قصيدة بقلمي سيدة بن جازية تونس حنين الجار

 قصيدة

بقلمي سيدة بن جازية تونس
حنين الجار
حين كنا صغارا
كنا نٱخي الجار
ونعتبره من أهل الدار
نحن لطعم القهوة
في المساء
وحكاوى النساء
وحتى العجوز العمياء
وما كانت تحبكه في دهاء
مع بعض الملح و الذكاء
نسرد أتعاب النهار
وبعض الأذكار
والزجل و الأشعار
ونسأل عن بعض الأسعار
تقليدا لحديث الكبار
يغمرنا صدق و انبهار
بمحبة الأهل و جار
وجار الجار
واللعب من دار إلى دار
تحت الظلال
بين الحيطان و الأشجار
بين بهو وسقيفة و مدار
و زقاق و بطاح و غبار
لا يمنعنا برد و لا قيظ نهار
ترعانا في خفاء عيون الكبار
فيكسونا الحياء
و الاستحياء
و الإكبار
نقيم لهم كل اعتبار
وكلمة أحدهم لا يشق لها غبار
إذا مانصح أو ثار
لا نغضب و لا يعنينا ما قد صار
في حب ووقار
وعجائز الحي في ضمار
من فوضى و انتفاض
وضجيج و صياح
و سعال و عطاس
ومواء و نباح
لا يسلم من عبثنا
باب أو شباك
أو جرس أو مدقاق
أو مزلاج
حتى يغدقوننا سبا و عارا
نقهقه للدمار
في براءة الصغار
و تحدي الغمار
يا لعمار الديار
تشبعنا كسرة وزيت
تجود بها كل صاحبة بيت
أو بعض إدام أو حساء
أو حبات لوز وكستناء
ودوار الشمس
لا ينقطع بعد الغداء
لاتمييز بين الأبناء
والكل يدأب على العطاء
وفي انتظار ٱخر المساء
تنراكم الأعباء على البلهاء
وكل أم ببابها تصيح
هيا ٱدخل لم يعد وقت
الليل يطيح
بين ضحكات ونطيح
يفكون جمع الريح
الكل سيستريح
للقاء جديد مريح
ويتواصل المديح
لذكرى الحنين
بين الخاطئ و الصحيح
بين ما رسخ في البال
وما كان صريح
ومن غادر الدنيا
وهجر الديار
أو رحل يستبدل شقة
للعمار و الفخار
في حي عصري نظيف
وبعض الكادحين
لازالوا للذكرى فائحين
يصارعون الزمن المليح
تنعشهم صولات الاسترجاع
وإشباع الروح زمن الضياع
بلا جيرة
لأحلى جيرة
بلا علاقات مثيرة
بلا حنين
على نفس الوتيرة
أبواب موصوده
وتحايا موؤودة
وذاكرة مفقودة
دون صبيان مجموعه
أو كراس مرصوصة
في مقهى حيي المنقوشة
بأنغام
منظومة
إنها الأجواء المسلوبة
من سياقات الزمن المرفوضة
هل هو الحنين ام الأنين ؟
إنها الأحداث المحفوظة
في الذاكرة المكتوبة
و ا لملفوظة
في حيي العنيق و الحومه
حي جدنا رحومه
و الجامع الكبير
والفطائري و وسط سوقنا المدعومة
بشتى الخيرات زاهية موزونه
نسترجع صورة موثوقة
و مشاهد مرموقة
تحيي. الجار
و الديار
بعد الدمار

قصة قصيرة : رجل ينقصه الطمع الكاتبة : سلوى الإدريسي المغرب

قصة قصيرة

رجل ينقصه الطمع
الكاتبة : سلوى الإدريسي
المغرب
كانت ليلة باردة جدا، دخان كثيف يملأ الشارع ، لا أحد يرى وجه الآخر ..معاطف طويلة وأحذية سوداء بعضها رجالية وأخرى نسائية .. يمرون على طول الشارع إلى أن يختفوا داخل كومة سوداء لا أدري إلى أين توصل ..
يقترب مني أحدهم يلقي داخل الصحن القزديري قطعة معدنية ، أراقبها وهي تتأرجح ،يتناغم صوتها مع صوت الأحذية التي تطرق الأرض كالأحصنة ، لا أرى وجه ذاك الرجل أيضا ،إنه لا ينحني ،يرمي النقود من علوه الشامخ ، ويمضي إلى الكومة السوداء، لقد جمعت ما يكفي لليوم فأنا لست رجلا طماعا على أية حال ، دخلت داخل الكيس البلاستيكي ، لأحتمي من هطول مطر مفاجئ ، ووضعت رأسي فوق عتبة منزل لا يهدأ من الصخب ،تسليني قهقهاتهم ، شجاراتهم بعد منتصف الليل ، أصوات الصحون وهم يضعون طعام العشاء فوق الطاولة، أضع رأسي فوق حياتهم وأغمض عيني ، أدخل منزلهم في أحلامي ، أركل الباب بقدمي ، أبحث عن زوجة السيد أقبلها بعنف ، ألقيها على الأريكة التي لا أعلم مكانها بالضبط ، أدخل المطبخ ألتهم ما تبقى من طعام العشاء ، أطل على غرفة الصغار ، أضع الغطاء على الولد المشاغب ،أقبله كأني والده ، ثم أعود لزوجة السيد التي لازالت ملقاة فوق الأريكة ، أطلب منها أن تسمعني تلك التنهيدة ،ثم أغادر المنزل ،فأنا لست رجلا طماعا...
تبدأ زخات المطر بالتراقص فوق الكيس البلاستيكي ، أشعر ببعض القشعريرة ،يطفؤ السيد أضواء المنزل ويتركني أتحسس العتبة ، خوفا من فقدها في هذا الليل المتناثر في كل مكان ..يغرق الحي بالمياه ويبدء حلم جديد أنا وزوجة السيد داخل قارب صغير وسط البحر ، تتلاطمنا الأمواج.. أحاول الإقتراب منها ،فيظهر زوجها فجأة يركلني في وسط بطني بحذائه الأسود اللامع ، وهو يقول "إنهض أيها الحقير من عتبة بابي ،سأبلغ عنك الشرطة"
سلوى الإدريسي /المغرب

فراشة المصباح - قصيدة - بقلم سيدة بن جازية - تونس

 قصيدة

بقلم سيدة بن جازية
تونس
فراشة المصباح
فراشة المصباح يكفيك
يكفيك عويلا وصياح
فما كل كلامي مباح
وبعضه قد يفتح الجراح
مذ أشرقت شمس الصباح
وأنت في نواح
هلا بحت لي من الصاح ؟
إن ينبت لك عقل
إن تعملي الفكر
يكسر المصباح
وتتلف القداح
لا تحزني
لا تأسفي على نجم أفل
وراح
فنور ٱخر في الأفق قد لاح
تدورين ،ترقصين،تغنين
لأجل عيون مصباحك الحزين
ولا تعبئين بالألم المكين
وما يتربص الجناح
هيا ثوري ولا تدوري
حول الموت
حول المصباح أو التنور
ما فائدة الاحتراق
والاختراق
وما من مديح صريح
فمصباحك ضريح
يعصف بشبابك كالريح
يذر رمادك هباء
ضاحكا كل مساء
لذكرى فراشة بلهاء
دوري أو لا تدوري
فالأرض ثابتة تحت أقدام
مصباحك القبيح
والفتيل الملتهب من جديد
لغيرك سيبيح
في الظلام والنور الوضاح
لا تهدري عمرك للقداح
لخادم المصباح و الصلاح
انهضي لأجل عيونك الملاح
كم من فراش دار واحتار
خلفه ليل نهار
لكن اكتشف الخداع
وطار
طار
إلا أنت لم يزعجك الانهيار
ولا ذل الموت على حافة
العار والدمار
لملمي شتاتك المنهار
لازالت فرصة قبل الانتحار
اكسري مصباح مهيار
وانقذي العالم من زيف الانبهار
وابعثي الحياة من جديد
في الجلنار
عودي حلقي فوق الازهار
واعتلي الجبال والأشجار
على ضفاف الأنهار
لا تنسي شكر فدوى ونوال
بعد الفرار
بعد الضرار
كوني الجازية لا يغرك
إلا عشق الحرب وصنع القرار
عند المكوث أو الترحال
بين نجد أو بين الجبال
لا يبعث النور إلا المصباح
تبصر تجده بين الأخيار والأبرار
بين النجوم والكواكب و أصحاب الأفكار
لا فرق بين ذي عمامة أو ذات خمار
فالنور جذوة النار
الهمت الفراش الخيار
بين موت الذل
أو عيش كريم وضح النهار
بعيدا عن جور مصباحكم
والعار
ليغدو الفراش حر الأحرار
لا يخدعه نور أو نار
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏حجاب‏‏

إطلالة في سطور (03) على الققج بعنوان "دفء" للقاصة السورية روزيت حداد بقلم الناقد الفني الدكتور عبد الحميد سحبان "دفء"

 إطلالة في سطور (03)

على الققج بعنوان "دفء"
للقاصة السورية روزيت حداد
بقلم الناقد الفني الدكتور عبد الحميد سحبان
"دفء"
"كانت الطّفلة الوحيدة بينهم، تشاركهم جميع ألعابهم، أثبتت جدارتها كأفضل حارس مرمى لصدّ كل الهجمات، لكنّها، دائماً وبإصرار، ترفض رجل الثّلج، كلّما صنعوا واحداً تحوّله إلى امرأة؛ تجلس في حضنها وترتوي من ثديها".
قص يضرب في عمق الصراع الاجتماعي الجوهري بين الرجل والمرأة على اعتبار أنه القضية الأساسية التي تتجاذب المجتمعات منذ القدم في النظام الأبوي أو الأمومي الذي عرفته الحضارة الإنسانية. وكما هو معروف، اتخذ الصراع في العصر الحالي شكلا مؤسسيا يطلق عليه باللغة الفرنسية (LE FEMINISME) "النسوية" بمعنى التيار المدافع عن المساواة بين الجنسين في شطره الكلاسيكي الاحتجاجي ضد الحيف الذي تعرفه النساء عموما وفي شطره الحداثي الخاص بالتنطير الشامل للنسوية بمختلف تشعباتها.
يستعمل النص العنصرين الأساسين في القضية "الرجل" و"المرأة"، هذه الأخيرة التي أثبتت جدارتها في القيام بأعتى الأدوار الذكورية وبنجاح كبير. لكن عندما يتعلق الأمر بترسيخ تفوق الرجولية التي يرمز إليها النص "برجل الثلج" فإنها تنتفض على الدوام بقوة وإصرار وتستبدله بتمثال نسوي مثقل بتفاصيله الأنثوية "حضنها"/"ثديها". قص يلامس مسألة الثنائية الأزلية بين الرجل والمرأة في إطار "النسوية" بشطريها المذكورين آنفا.
1- إبراز لا تكافؤ الجنسين أو "النسوية الاحتجاجية" في النص
نستشف من لغة القص نبرة تحد واضحة. فما هو المقصود بـ "الطفلة الوحيدة" إن لم يكن المجال المقتحم حكرا على الرجال وأن دخوله كان بندية تستحق التنويه. "تشاركهم جميع ألعابهم" تذكير بأن المجال المقتحم متحكم فيه بكل تفاصيله وجزئياته وأن لا صعوبة فيه على الإطلاق. وتتصاعد اللهجة عند الإفصاح بأن الأنثى "أثبتت جدارتها" وأنها الأفضل في "كل" الحالات والظروف. إن لغة التحدي البارز من ثنايا هذا القص تحمل نبرة انتقادية مفادها أنه لا يجب الاستهانة بالمرأة فهي قادرة على اقتحام مجالات الرجال الصعبة والتفوق فيها. إنه باختصار التجلي الواضح "للنسوية الاحتجاجية" التي تسعى إلى تغيير الصورة النمطية للمرأة في أذهان الرجال.
2هوية المرأة ككل غير قابل للتجزيء (النسوية الحداثية)
إن قصة "فتيان وفتيات" (BOYS AND GIRLS) للكاتبة أليس مونرو (ALICE MUNRO) تدخل ضمن "النسوية الأدبية" من بابها الواسع، لأن بطلة القصة بالرغم من رفضها لأنوثتها ولعبها لدور ذكوري لم تستطع أن تتنكر لجوهرها وانحازت للفرس الأنثى بمساعدتها على الهرب من بطش ثلاثة ذكور (الأب والأخ الصغير والخادم) كانوا يستعدون لقتلها بالرصاص وتقديم لحمها للثعالب الذهبية التي كان أبوها يقوم بتربيتها في مزرعته لبيع فرائها الثمين. لم تحس البطلة بأي ذنب بفعلها، بل كان تصرفها تلقائيا وطبيعيا والوحيد الذي في إمكانها القيام به تجاه الفرس الأنثى الهلعة من سطوة وفتك الرجال. لم تحتج البطلة على نعت أبيها لها بأنها ليست سوى أنثى، بل على العكس من ذلك اقتنعت بوجاهته وصوابه وحقيقته لأن المرأة كل لا يمكن أن يتجزأ أو يتجرأ على كيونته المندمجة.
وعودة إلى النص، فإنه بالرغم من كل الاختراق الذي قامت به الأنثى في عالم الرجال، فإن القاصة تذكرنا بأن المرأة تبقى دائما هي هي وفية لهويتها ورمز أمومتها "الحضن" (للدفء النفسي) و"الثدي" (لدفء الامتلاء)، وتبقى المرأة في كلا النصين كينونة واحدة لا يمكن لها الانشطار حين يأتي وقت الحقيقة، وهو ما تهدف إليه "النسوية الحديثة" من خلال وضع لبنات تنظيرية عامة حول جوهر الطبيعة النسوية.
3- وضع المرأة في بعدها الإنساني العام (النسوية الحداثية)
تذهب الكاتبة فرجينيا وُّلف (Woolf, Virginia) المصنفة ضمن الأدباء المهتمين بالقضية النسوية في قصتها القصيرة بعنوان (A Room of One's Own) "الغرفة الخاصة"، إلى أن القضية يجب أن توضع في الفضاء الرحب للطبيعة بكل تجلياتها وليس ضمن الثنائية الضيقة رجل-امرأة. ولن يتأتى ذلك في نظر الكاتبة وبلغة قصتها المذكورة إلا بالانسحاب من المجالات المشتركة إلى الغرف الخاصة بكل صنف لتسهيل رؤية العالم والواقع في شموليته بعيدا عن التشويش الذي يمارسه النوع الآخر في الفضاءات المختلطة. رؤية حقيقية من خلال خصوصية كل جنس ووضعه الإنساني العام، الإنسان الرجل والإنسان المرأة.
وفي اعتقادي أن عنوان القص "دفء" يرمز إلى وضع القاصة للقضية في مسارها الصحيح بعيدا عن الثنائية المشحونة ذكر-أنثى، لأن الدفء يعني السكينة والاقتناع بأن لكل دوره الذي يطمئن إليه سواء كان رجلا أو امرأة، وأن الاختلاف الوحيد بينهما يطال فقط الجانب المادي البيولوجي وليس الجوهري الوجودي. وبنظري يبقى هذا البعد من أهم الخلاصات التي انتهت إليها "النسوية" في أحدث تنظيراتها.

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة