Translate

الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

القاتل بقلم / رعد الإمارة - العراق - بغداد

قصة (القاتل)
لم أكن قد تجاوزت الحادية عشرة من عمري، حين قتلت عصفور أمي، الكناري المدلل!. . كنت نائما عندما صحوت على ضحكات داعرة وصرخات متقطعة ،مصدرها تلك الغرفة التي ادعوها غرفة أمي، كتمت غضبي في داخلي، ورغم إنها لم تكن المرة الأولى التي كانت..... فيها مع الآخرين! إلا إن شعورا جديداً أخذ يطرأ على تصرفاتي،فقد باتت مشاعري الحقيقية كرجل صغير تطفو على السطح! ببساطة،وجدت نفسي أغار على أمي. رحت أمشي على أطراف اصابعي، الصقت أذني بالباب ورحت أصيخ السمع وقلبي يخفق! كان صوتها يصل خافتا مبتهلا ومتوسلا، تبا لك أمي! لطالما توسلت بك من أجل أشياء تافهة طلبتها، لكن دون جدوى ،وها أنت تتوسلين كطفلة خرقاء، وضعت عيني اليمنى في ثقب الباب، سحقا، اصطدم بصري بظلام الغرفة ،كان ثمة نور أحمر باهت، لكنه لا يُظهر كل التفاصيل التي أريدها ! أخذ صدري يعلو ويهبط وتجمعت الدموع في عيني، إنها تضحك الآن، سأريك ماما، سنعرف من هو رجل البيت!. كنت أعرف مدى تعلقها بصغيرها الكناري، حتى إنها كانت تطعمه من فمها في أحيان كثيرة، رحت أدور حول القفص ذي الأسلاك الفضّية، الملعون كان مستغرقاً في النوم وقد أسند رأسه الفاتن على صدره، نقرت بطرف سبّابتي على باب القفص، إرتبك الطائر وزعق بصوت خافت ثم تعلق بالزاوية وأخذ يحدق في عيني! لم يكن لدي وقت طويل للهو معه، ومادامت رغبة الإنتقام تغلي في صدري فعلي بالإسراع إذن! هكذا فكرت قبل أن أفتح باب القفص، وامسك بالطائر الرشيق. اخفيت الكناري اللعين خلف ظهري، لم اترك له مجالا للتنفس حتى!، أخذت أمشي على أطراف أصابعي، الصقت أذني وأرهفت سمعي جيدا، سكون مابعد العاصفة، حتما الإثنان غافيان الآن. كان قلب الطائر ينبض في يدي ، كنت أستطيع الشعور بذلك ،آه، مازال حيا إذن! فتحت كفي ببطء، حرك رأسه وحاول الأنتفاض لكني كنت أسرع منه، أمسكت بعنقه الهش بين الإبهام والسبابة، رحت اضغط بقوة، شيئا فشيئا همدت حركته، ثم أخذ رأسه يتأرجح مثل بندول الساعة. كان قلبي يخفق بسرعة،شعرت ببعض الخوف قليلا، إلتفت بسرعة للخلف، لاشيء، هدوء تام، انقلبت عائداً لسريري بعد أن مددّت جثة الطائر في القفص، سحبت الغطاء حتى رأسي، ثمة قشعريرة أخذت تعتري بدني، أسناني تصطك، مع ذلك فأنا أشعر براحة غريبة، لقد تخلصت من أحد غرمائي أخيراً . إستيقظت على صرخات أمي! وجدتها قد التفتْ بثوب نومها الأسود شبه العاري، وهي متسّمرة قرب القفص، كانت تضع الطائر بين كفيها ،وهي تحدق في جسده الصغير بشرود، قلت وكأن لا شأن لي بما حدث، حتى إن صوتي بدا صادقاً ومتعاطفاً :
-ماما، سلامتك ألف سلامة، سمعتك تصرخين، أوه، ماهذا؟ مابه طائر الكناري الجميل!؟. لويت عنقي صوب راحتيها، أرتني العصفور الذي بات ضئيل الحجم، قالت وقد تجمعت دموع كبيرة في عينيها :
-العزيز، وجدته هكذا في القفص، لم تسنح لي الفرصة لتقديم الفطور له! ظننته راقداً، لكن آه، إنظر صغيري ميت الآن. كدت أن أضحك، يالي من مغفّل، كيف لم أنتبه لمشاعر هذه المرأة من قبل، وكأني لست طفلها أو حتى عصفورها مثلا! تقدمت صوبها، رحنا نداعب معاً بلطف ريش الطائر الهامدْ، قالت وهي تتنهّد :
-خذه حبيبي، احفر له وكن رقيقا عندما تدفنه، هل سمعتني جيداً؟ . اومأت برأسي وأنا أمدُّ أصابعي بحذر صوب جسد الطائر الهش، تقدمت صوب الحديقة وقد قررت دفنه هناك، سمعتها تتحدث إلى نفسها :
-سأجلب واحداً غيره، نعم لابد أن أفعل وسيكون الأجمل هذه المرّة. تجمدَتْ قدمي للحظة، شعرت بأني سأبكي لامحالة، لكني تحاملت على نفسي، تقدمت للامام وانا اهمس لنفسي :
-سأقتله يا أمي، اعدك بأني سأفعل هذا في كل مرة!. (تمت)
بقلم / رعد الإمارة - العراق - بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة