Translate

‏إظهار الرسائل ذات التسميات عدد أبريل 2023 م. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عدد أبريل 2023 م. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 11 أبريل 2023

مجلة القصة الذهبية ص 16 ، 17

 


قصة قصيرة
للكاتب محجوب حامد آدم


كذبة أبريل

من مجموعتي القصصية  شنكيباي الصادرة حديثا عن دار النسيم للنشر والتوزيع.

وقفت أمام المرآة تتحسًس وجهها ، تُبحلق وكأنها تقف لأول مرة أمام مرآة .

تبسمت ساخرة وهي تنظر للندبة المحفورة على خدها الأيمن كالأخدود .

يرن الهاتف ، تبحث عنه دون أن تدري وجهته ، يدُلُها صوته المخنوق داخل حقيبة يدها الملقية على طرف السرير ، تجري نحوه بلهفة .

يأتي الصوت بهيا ضاجا بالأغنيات ، فقد تعودت أن تسمع ذلك اللحن قبل الولوج إلى تفاصيل المكالمة كلما رن هاتفه من سنين مضت عندما كان يهاتفها بانتظام قبل أن تتقطع بهما السبل ويرسم الزمن ملامحه المتعبة في الإيام والسنين المعجونة بالغربة والهجران .

_ الوووووو

تصمت برهة قبل أن ترد وهي تسترجع ذكريات الجامعة ، يباغتها ثانية

_ الوو

يرجع الصدي مرة أخري إلى الجامعة حيث تعثرت به أول مرة في ممرات المكتبة وهي تبحث بين الأرفف عن بعض المراجع ، من يومها .. خرجت من المكتبة وهي تحمل حبا عميقا .

شيئا فشئيا تغلغل وسري بين أوصالها حتي صارلها رئة ثالثة .. لا تستطيع أن تتنفس دونها .

ترد بصوت حزين :

_ نعم ، مين معاي ؟

تعمدت أن ترد بهذه الطريقة وكأنها لم تتعرف على صوته ، وهي تقاوم ذلك البركان المتربص بها والذي ثار لتوه.

يأتيها صوته معاتبا :

كنت أظن أن رقم هاتفي محفوظ عندك.

لا يهم .. يمكن أن أحفظه الآن ، لكن المهم .. ما الرياح العاتية التي عصفت بك حتي تتذكرنا هكذا دون ميقات ؟

قال وكأنما يبحث عن أجابة مناسبة :

_ أقدار والله ..

ردت بنزق :

هكذا هي أقدراك التي لامبرر لها .

الحمد لله تعافيت من أوهامك وجنونك وأنانيتك المفرطة .

يسيل الدمع غزيرا من مقلتيها وهي تصارع رفيقاتها في الغرفة ، يتعالى صراخها ليتحول الى نشيج .. ثم الى حالة هستيرية .

تمسكها إحداهن بقوة من زندها وهي تقول :

- دعينا نتأكد من الخبر أولا ، من قال لك أنه قد مات ؟

- صديقه جاء الى هنا وهو يبكي وقد أكد لي أنه مات من ساعات في حادث سير , وجسمانه لا يزال مسجى في مشرحة المستشفي الكبير .

ثم تعود من جديد للنشيج .. ثم لزمت السرير وهي فاقدة للوعي لا تسمع ولا تعي ما يجري حولها ، غائبة وهائمة في عالمها المعزول تعيش صراعات داخلية لا علاقة لها بالخارج ، لم تستطيع العودة إلى رشدها حتي بعد أن تبين أن الخبر لم يكن سوي "كذبة أبريل" ، خطط لها هو ليختبر مدى حبها له ، مفسرا ذلك بأن الأول من أبريل يوم المفاجئات .

شاع خبر مرضها وعم كل أركان الجامعة ، أصبح الكل يحاول أن يقدم شئيا مفيدا قد يخرجها من عزلتها وتعود إلى حالتها الطبيعية ، بائت كل المحاولات بالفشل ، ولم تفلح محاولات رفيقاتها مع المشافي و الاطباء وأصبح مرضها الخبر الأكثر شيوعا في الجامعة .

لم يصدق ما جري ، لم يكن في باله سوى إختبارها ، لم يذهب بعيدا الى ما ذهبت إليه بهذه الطريقة التي لم يتصورها أبدا ، أصبحت الجامعة لا تحتمله بل أصبح العالم بأسره لا يحتمله ، تجده فاغرا فاه في كل مكان لا يصدق ما جري .

يرد بصوت فيه شيء من الأنين :

الحمد لله تعافيتي مني ، أنت لا تستحقين كل ما جري لك .

كنت أحمق ، ولا أستحق إهتمامك . لكن صدقيني .. إذا تجاوزت أنت كل ما تقولين ، فأنا لا أزال أعيش ذلك الواقع المريرتطاردني اللعنات في هذه الأصقاع البعيدة .

تنبتسم أمام المرآة ثانية وهي تقول :

لم تلحق بك اللعنات بعد .

تبحلق ثانية على خدها الأيمن ، تتحسس الندبة وهي تمسك والدها متوسلة ،أن لا يفعلوا بها هكذا ، تصرخ بأعلى صوتها ، تستنجد بالناس حولها ، لا شيء هناك سوى الصدى .

أرجوكم .. أرجوكم .. أرجوكم .

يسقط الهاتف من بين يديها ، وتسقط هي بالقرب منه وتغوص في غياب بعيد .

تنقلب على جانبها الأيسر يضغط يدها الثانية عمها الجالس قبالة والدها على متن سيارة البوكسي وهي تسارع الريح بين الجبال صعودا وهبوطا وفوح الأشجار يمتزج برائحة الأرض المبللة بالمطر .

يصلها صوت عمها عميقا وهو يقول :

أهل المدينة لا يعرفون مثل هذه الأمراض ، الحمد لله وصلنا الخبر في الوقت المناسب ، كلها ساعتين ونصل الى القرية بإذن الله .

يرد والدها :

- نعم ، أهل المدينة لا يعترفون بالمس والسحر والجنون والشواطين .

يرد العًم وهو متوجس :

اللهم عافنا عن ذكرهم .

البوكسي يصارع الجبل بأنينه المتقطع ، ثم يصعد أعلى مرة واحدة ويستوي على السطح ، القرية تبدو واضحة أمامهم ، الشمس تجري نحو الغروب والشفق يرسم لوحة بهية على جنبات القرية .

لم يصدق أهل القرية ما جرى لها ، كل ما يعلمونه عن أهل المدينة أنهم أهل علم وحضارة .. أحدهم يقول :

- بالله في المدينة سحرة ودجالين ؟ ..البنت أهلها أرسلوها للتعليم ، تعود هكذا سبحان الله .

في القرية لم يسمع أحدهم ب "كذبة أبريل" ولا بالحب الذي يسلب الألباب ويفقدك صوابك .

ويقول الثاني:

الشيخ جبريل منتظرهم من الصباح ، ساعات وسوف تفيق من هذا الجنون .

أضاف آخر ..وهو يقهقه ضاحكا :

شيخ جبريل يطرد الأرواح الشريرة الهائلة التي تعيش في الجبال والوديان ، سحرة المدينة لايأخذون من وقته سوى دقائق .

مددوها على سريرخشبي بعد أن قرأ عليها الشيخ جبريل بعض من تعويذاته .. وختم قوله :

- دعوها تستريح ، سوف أعود صباحا بإذن الله ، جهزوا لي تيسا أسود على جبينه علامة بيضاء ، وبخور عدني ، وماء ورد .

تنقلب على جانبها الأيمن ، تفيق على صوت والدتها وهي تجادل والدها :

مستحيل أن تفعلوا بها هكذا ، كيف يمكن أن تفعل ذلك وأنت رجل مؤمن تصلي وتصوم ، البنت متعلمة لا تعكر حياتها ، دعنا نجرب علاجا آخر.

يرد عليها بحزم :

من قال لك أن ذلك حرام ؟ حتي النبي صلي الله عليه وسلم - لم ينجوا من السحرة .

هذه البنت مسحورة .

لم تصدق الأم أن فلذة كبدها أفاقت بهذه السرعة ،

تضمها الى صدرها وهي تقول :

حمدا لله على السلامة .

ترد بصوت واهن متقطع :

- أين أنا ؟ وكيف جئت الى هنا ؟

- سمعنا بمرضك وذهب أبوك وعمك وأتيا بك الى هنا . الحمدلله أنك بخير، يبدو أنك اشتقت لهواء القرية ، الأشواق تفعل أكثر من ذلك يا عُمري .

***

الليل يغطي القرية بظلامه الدامس ، بعض النجوم الصغيرة تتحايل على العتمة وتظهر بين الفنية والأخري وألسنة اللهب المتطاير من نيران خلوة القرآن الكريم تحاكي النجوم في تبديد العتمة ، الصبية مُتحلقون حول كوم اللهب ، تتعالى أصواتهم وهم يرددون التلاوة خلف شيخهم ، أنسام الخريف تهب على الأكواخ وهي تشكل صوتا يشبه الصفير، الأغنيات العذبة تتسلل من بعض شقوق الأكواخ البعيدة :

" قمج أبا لعنتاتي أتحاليكو إقل إردى

وغاششكوها نفسيي إلا شاما قل أبدى

تبوم بيلا للبيي كمسل شداد وردى

حكم ربي رداتو خالق وجبو لحمدي"*1

تردد مع الأغنية المقطع الأخير وهي تمسح الدموع عن خديها ، ثم تنقلب على بطنها وهي تعاود النوم من جديد .

تفيق في الصباح على أصوات الرجال المتعالية أمام الكوخ .

- السلام عليكم .

يستقبلهم والدها وهو يرد:

- عليكم السلام ، تفضلوا

يفتح لهم كوخا آخر مقابل لكوخها ثم يقول وهو يخاطب الشيخ جبريل :

كل شيء جاهز يا شيخ .

سوف نعمل الطقوس في الكوخ الكبير، هو واسع يتيح لنا ذلك .

يرافق الشيخ جبريل والدها نحو الكوخ الكبير، يضع أمام بابه مبخرا كبيرا تتصاعد منه أبخرة اللبان العدني ، ثم يسحب التيس الأسود داخل الكوخ وهويقول :

تعالوا بها إلى هنا .

يسحبها والدها عنوة من سريرها برفقة رجلين آخرين ، لا تعلم إلى أن يقودونها ، بينما والدتها تتقطع أوصالها من الحسرة وغيمة من الحزن تحاصرها بالخوف والرجاء .

أدخلوها الكوخ الكبير ، أقعدوها القرفصاء على طست*2 نحاسي واسع ثم شكلوا بثوب أبيض دائرة حول الطست وهي ترتجف تحتهم ، بينما الشيخ جبريل يهرول حول الكوخ تارة ، ثم يخرج تارة أخري ، وهو يردد تعويذات غير مفهومة ، يضيف اللبنان العدني على المبخرة الكبيرة ، ثم يدخل ثانية داخل الكوخ الكبير وهو يستل خنجرا طويلا ، ينادي بعض الرجال بالخارج لمساعدته ، ثم يكبر بصوت متحشرج وهو يضع عنق التيس نحو القبلة .

يأمرهم وهو يذبح التيس :

- كونوا يقظين ، سوف نرفع معا مجرد أن يسيل الدم .

ثم صاح بصوت عال :

- هيا بسرعة .

بخبرة المتمرسين .. رفع الرجال التيس المذبوح أعلى الثوب الأبيض يإيقاع منتظم ، بينما عنقه يتدلى وسط الطست والدم يسيل منه بسرعة جنونية نحو رأسها .

لحظات عصيبة عاشتها، وهي تقاوم الدم الفائر الذي يغطيها من كل جانب ، لم يكن في وسعها فعل شيء سوى وضع يديها الضعيفتين على عينيها لتحميهما من الدم الحار الذي بدأ يملأ الطست أسفل قدميها .

الشيخ جبريل يطوف حول الثوب الأبيض ، يردد تعويذاته بلغة غير مفهومة ورائحة الدم تخالط اللبنان العدني ، فتتسرب عن ذلك الفعل رائحة كريهة تجعل من الكوخ الكبير مكان قميئا .

يحمل الرجال التيس خارج الكوخ ، يتولى أحدهم عملية سلخ الجلد ، بعد ان علقوا التيس على شجرة كبيرة وسط فناء الدار .

وحدها في الكوخ مع الشيخ يربت على ظهرها وهو يقول :

- ستقومين بالسلامة بإذن الله .

تحاول أن تقف على رجليها بصعوبة ، تحاول وهي ترتجف ، تتكىء على والدها في محاولة يائسة لفك أصابع رجليها من الدم المتيبس ، وقفت بصعوبه وهي تنظربأسى إلى هيئتها الدامية بينما أنوثتها صارت تتساقط تحت قدميها ، نظرت إلى أعلى .. لم تستطيع أن تتبين شيئا ، أصابها ما شبه الدوار.. ثم سقطت مغشيا عليها .

طار الطست إلى أعلى من شدة الإرتطام ، فقد سقطت على حافته بخدها الأيمن .

تجمهر الرجال حولها داخل الكوخ ، الدم يسيل كجدول من خدها الأيمن، يتجاوز الدماء اليابسة في مجاسدها ويرسم لوحة حزينة قرب نهديها .

تنقلب على ظهرها ، تستجمع قواها وهي تقوم على رجليها من جديد .

الهاتف منكفئٌ على شاشته تحت الطاولة ، بينما رنينه يملأ فضاء الغرفة ، تسير نحوه بتكاسل .

ترد على صديقتها بصوت باك وهي تقف أمام المرآة ، تمسح الدموع المتساقطة في الندبة على خدها الأيمن .

القاهرة

مايو 2022

هوامش:

1/ مقطع من أغنية شعبية بلغة ”تجريت" للفنان سعيد عبدالله

2/ إناء كبير مستدير للغسل .








صدر عن دار وعد للنشر والتوزيع

كتاب (الاستقامة وعلاماتها وعاقبتها في الدنيا والآخرة ) للكاتب الدكتور محمود خليفة الازهري، تكلم فيه المؤلف عن ما جاء في القرآن والسنة عن الاستقامة، حيث دعت آيات القرآن العظيم، وأحاديث السنة النبوية المطهرة إلى الاستقامة، وبينا سبل تحقيقها. وتناول فيه المؤلف أيضا الحديث عن العلامات التي إذا ما وجدها الإنسان في نفسه عرف أنه من أهل الاستقامة.

كما قام المؤلف بذكر عاقبة الاستقامة في الدنيا والآخرة.

وقد اعتمد في ذلك كله على ما ورد في القرآن الكريم، وصحيح السنة النبوية، وأقوال أهل العلم الموثوق بدينهم وعلمهم.

وسلك المؤلف منهجا سلسا في عرض مادة الكتاب، حيث الأسلوب السهل، والكلام الواضح، والبعد عن التطويل والتعقيد، بحيث يكون فهمه في مقدور الجميع ممن يطالعونه .








طيف حلم

للشاعرة السورية  أميرة قطلبي


طيف حلم

تركت خلفي حزنا

وعبرت الدرب سبيلا

علّي أرى وجوها طيبة

وابدد المستحيلا

حقيبة سفر

وبضع أوراق

رغم الضباب

اعرف التأويلا

شددت على يدي

واتخذت قراري

ونويت الرحيلا

تسبقني خطاي

حين استريح قليلا

فوجهتي اعرفها

لاضير إن تعثرت قدماي

فأنا نويت الوصولا

إلى حيث المحبه

إلى مدن رسمتها في

مخيلتي الجميلة

لتلفني شهقة يديك

بكل مالديك من شموع

وبكل مالدي من أمل

ومعي الدليلا

اتمسك بك قبل أن

يفر من حذائي الطريق

ولا أعرف السبيلا

واقول كيف الرجوع

من دوحة الأحلام

وكيف بعد غفوة حلم

يكون البديلا

 أميرة قطلبي

 





 









 







الاثنين، 10 أبريل 2023

مجلة القصة الذهبية ص 15

 

قصة قصيرة
للكاتب التونسي  فتحي بوصيدة


في البطحاء

قصة قصيرة موجهة للأطفال

كنّا نُمَنّي أنفسنا و ندعو اللّه أن يكون "سي عبدالمجيد" في احسن حالاته دوْما ، فهو رجل تجاوز الخمسين من عمره، بدين، أسمر البشرة، ذو ملامح تنمّ عن شدّة و صلابة، لا يعجبه شيء، قلّما لاحت على وجهه ابتسامة. اللّعب في بطحاء الحي منوط بمزاجه، و حالته إن كان سعيدا مزهوًّا تَرَكَنا، و إن كان غير ذلك حَرَمنا و طَرَدَنَا...

و كأنّ اسبوعا غير كاف لينعم "سي عبدالمجيد" بالصّمت و الرّاحة، ماذا لو تنازل ليوم عطلتنا كي ننعم نحن أيضا باللّعب. فنحن ننتظر يوم عطلتنا بفارغ الصّبر لنهجر صمت أسبوع كامل بالتزاماته و واجباته المدرسيّة المرهقة...فبطحاء الحي هي المكان الوحيد الذي يمكن أن ترتفع فيه أصواتنا...

كم كانت كبيرة فرحتناعندما وصلنا خبر سفره إلى البلدة ليزور والدته، خلنا أنّ البطحاء هذا اليوم ملك لنا، و أنّ هتافنا و صراخنا لن يشدّه لجامٌ.

اجتمعنا منذ الصّباح الباكر على غير عادتنا، رسمنا خطوط التماس و كلّ الزّوايا المطلوبة بالملعب بمزيج سائل أبيض كنّا قد تدبّرناه، في الأثناء كانت حشود الأطفال تتوافدمع تقدّم الوقت. انقسمنا إلى فريقين بينما لزمت البقية أماكنها المخصّصة للجمهور...

انطلق اللّعب واشتدّ الحماس، مع كلّ ركلة صرخةٌ، و مع كلّ فرصة تصفيقٌ، و مع كلّ هدف فرحةٌ و عناقٌ. حتى جاءت الرّكلة الحاسمة، إما خسارة فريقي وانسحابه و إما تعادل و ركلات حظّ...تقدّم صديقي "هشام" فهو المختصّ في المخالفات فركلاته لا تصدّ و لا تردّ، ثبّت الكرة في مكانها، ثمّ تراجع إلى الوراء خطوات، جرى و ركل الكرة ركلة ادهشت الجميع حتّى خيّم على الملعب صمت رهيب، قَطَعَهُ صوت زجاج تهشّم... إنّه زجاج احدى نوافذ منزل " سي عبدالمجيد". لحظات فقط و خَلَتْ البطحاء من اللاّعبين و من الجمهور ،كأنّهم أشباح اختفت. كنّا نراقب من بعيد، و إذا "بسي عبدالمجيد" يظهر و الشّرر يتطاير من عينه مغمغما ساخطا و بيديه الكرة... صرخ فينا و كأنّه يعلم أننا كنّا نتابعه:" ألم أنبّهكم من قبل؟..العيب ليس فيكم بل في من ربّاكم... ! لو أنّكم راجعتم دروسكم لكان أفضل...هيا غادروا قبل أن أهشّم رأس أحدكم... ! "همسنا إلى بعضنا:

"بهذه الفعلة الشّنيعة ما نظنّ أنّ أقدامنا ستطأ البطحاء بعد اليوم".

لمّا رأيناه استدار راجعا إلى منزله، تشجّعت مجموعة منّا و عزمت على أن تذهب إليه و تطلب الصّفح، آملين أنّ ثورته قد هدأت.. ما إن سمع حثيث أقدامهم وراءه التفت إليهم و علت عبارات السبّ و الشتم تملأ فضاء السّاحة ،و إذا بالكرة نصفين حيث أقدامهم،

و دخل منزله متوعّدا "هكذا ستكون كلّ كرة تأتون بها...ان لم يكن أحدكم في المرة القادمة... !"


قصة قصيرة

للكاتب العراقي  د. نبراس سالم


قبيح

يفكك خطوط سطور الزنزانة المتوازية، أرى البطل يهرب من الكلمات، ويقفز خارج الورق، صفحة بعد صفحة، يغادر أحداث الرواية، فتبهت الحروف وتتهاوى في قعر الكتاب الكلمات ولم تستطع لحاقه والفرار معه.

... دون كل الروايات السابقة، لا أريد أن أكون جميلا، يا حبذا لو كنت قبيحا، ماذا لو خُلقتُ قبيحا؟

... ستفقد مكانتك في المجتمع، نجم أفلام يشار له بالبنان، تخسر معجبين يحومون حولك، يلتقطون صور معك كلما قابلتهم صدفة، لن تظهر صورتك على وسائل الإعلام أبدا.

... وهل كل من دخل التمثيل فلح، وهل كلهم يتصفون بالجمال؟

... ماذا لو جعلت فتاة ذات حسب وجاه تتزوجك، تعاند أهلها وتقبل بك، حتى لو كنت جاهلا وفقيرا.

... وماذا لو قاطعوها أهلها وحرموها الميراث والعز الذي هم عليه؟ ماذا سينفعني جمالي.

... سيقبلونك بوظائف كثيرة لجمال مظهرك، وستتدرج في سلم المراتب لأعلاها.

... حتى لو كنت أخرس؟

... حتى لو كنت أخرس، ابتسامتك وخصلات شعرك تكفي، فلنقل موديل رجالي للملابس!، تعرض الأزياء لدور تصاميم مشهورة.

... كلا، لا أريد أن أكون جميلا، ارسمني في روايتك قبيحا، أنا أريد ذلك، لندع قبح وجهي مقياس تعامل الناس معي.

... لن يقرئها أحد، ستبور على رفوف المكاتب، ستفشل ولن يمتدحها أي ناقد، لن ترى جوائز المسابقات بعد اليوم.

... أبدع بلغتك وتفنن بالفكرة، ولا تعتمد على المظاهر، وأجعل جمال روحي تغطي تجاعيد وجهي.

... الناس تهوى المظاهر، تحب أن تُخدع بما هو براق، لا تحب الحزن، لا تحب السواد، لا تحب قساوة التضاريس، من سيعرف رقة إحساس ونقاء روحك من أول نظرة بل حتى من عشرة نظرات.

... لماذا تأخذ انطباع أولي دون أن تتيقن أذن؟، مع ذلك، اجعلني قبيحا، وانظر ماذا سيفعل الناس تجاه ذلك.

... لن تكون نظراتهم مثل كل الروايات السابقة، سينظرون لك بعين الاشمئزاز، أو على أقل تقدير، بعين الشفقة، سينهار برجك العاجي، وتهوى إلى قعر المجتمع دون أي رحمة، لا وظيفة أو زواج ولا حتى ابتسامة من من يقابلك صدفة.

... السبب سببك لا سببهم، جعلتهم يتعودون على التزوق لا على ما هو طبيعي، تزاحم في الشارع من زرع شعر رأسه ومن صغَّر أنفه ومن حقن تجاعيد العمر في وجهه ومن سنفر مطبات المشاكل على خديه ومن... كلا لن أقبل أن أكون دمية للفرجة، ولن أخدع الناس بمظهر، سأتركك وضع أي جماد جميل بمكاني.

كان غير مقتنع بنظرتي ككاتب للأحداث، هذه المرة، حاول بين فصل وأخر، إقناعي بوجهة نظره، يدفع القلم عن السرد تارة، ويمنع الحبر من النزول تارة أخرى، لكن تعنتي بفكرتي، دفعه للهروب، تهاوت أركان الرواية بعده، وليس هناك مجال للترميم.

(من رواية من يطرق الباب ليلا ).


فنون تشكيلية

من إبداعات الموهوبة المصرية

حبيبة أيمن علي






 

 








 









مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة