Translate

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

عام بقلم الأديب المبدع / أ . نجيب صالح طه ( أمير البؤساء )_ اليمن.


 عام

غزل مني تماثله، واستعاد دورته على أطلال وجودي، بحث عني في كومة أمل تشكو ألم الحنين لآخر يوم من عمره الذي عاد بعد اكتمال القمر، وجدني ظلا لا يشبهني، يبادل نفسه تهاني منهكة على شروق دون شمس.
أ/نجيب صالح طه ( أمير البؤساء )_ اليمن.

(( ليلة ممطرة)) بقلم الأديبة المبدعة / اعتماد الفتلاوي

 (( ليلة ممطرة))

بقلم الأديبة المبدعة

اعتماد الفتلاوي

فتاة بسيطة جميلة القسمات تعيش في غرفة باردة صغيرة جدا ضمن مساكن حي شعبي فقير على اطراف المدينة ..
توفيَّ والداها مبكرا وبقيت تعتاش من عملها في فرن الحي
كانت تشعر بالوحدة دائما تحاور صمتها واحيانا تحدث نفسها بصوت هامس محاولة كسر الهدوء وصمت المكان البارد ..
تمر ايامها متشابهه وفي ليلة شتوية ماطرة في طريق عودتها من العمل سمعت صوت بكاء فتاة صغيرة اقتربت منها انحنت عليها بهدوء لمست كتفها الصغير حاولت احتضانها وبصوت حنون
- لماذا صغيرتي لماذا الدموع .
_ لم ابيع اليوم اي زهرة من زهوري التي ذبلت بسبب الجو الممطر فشوارع المدينة الفارغة من المارة ... ماذا افعل بتلك الزهور الذابلة .
حاولت الفتاة مساعدة الطفلة بحثت في جيبها عن ما تملك من اجور عملها اخرجت المبلغ الصغير وقدمته على راحة يدها
- تفضلي صغيرتي اتمنى ان تقبلي مبلغي المتواضع مقابل الزهور .
فرحت الطفلة جدا واخذت النقود ومضت مسرعة
_ انتظري لحظة
توقفت الصغيرة بقلق .
_ كل يوم سأشتري منك زهرة واحدة انتظريني هنا مع زهرتي .
ارتسم الفرح مرة اخرى على وجه الصغيرة واومأت بالموافقة وذهبت راكضة .
كان المطر غزيرا والجو باردا جدا وصلت الفتاة الى غرفتها وفتحت القفل الوحيد الذي امسك الباب الهش المترنح
دخلت تنتفض كل عظامها من شدة البرد والارهاق .
حاولت وضع الزهور في مكان مناسب فلم تجد ما تضع فيه زهورها
انه قدحها الوحيد كيف تمنحه للزهور الذابلة جلست على سريرها الحديدي واحتضنت الزهور
بدأت تحلم بان هذه الباقة الجميلة الحمراء يانعة ولم يذبلها الوقت ومقدمة لها من حبيب وله .
كانت تحلم وتحلق بهذا الحلم الجميل بين قطرات الماء المتساقطة .
كانت رقصة رائعة مع سمفونية المطر .
نهضت من مكانها وأتجهت نحو الباب فتحته وضعت باقة الزهور على عتبة بابها من الخارج كمن يضع الزهور عند شواهد القبور .
اغلقت الباب ورجعت لتغفو بهدوئها المعتاد
استيقظت صباحا واستعدت للخروج فتحت الباب تعثرت قدماها بباقة الزهور
ارتسمت على وجهها ملامح الدهشة الممزوجة بالفرح انحنت متروية وحملت الزهور بين ذراعيها ادخلتها للغرفة وضعتها فوق السرير وخرجت من جديد .
وفي طريق عودتها
مرت بقرب بائعة الزهور لكنها لم تلتف اليها
نادتها الطفلة بصوت عالي
_ خالة يا خالة هذه زهرتك لا اريد نقود ابقيتها لك .
استدارت نحو الصغيرة وتقدمت اليها .
_اعتذر منك صغيرتي كنت شاردة الذهن تماما ...هاتها وخذي ثمنها انه حقك وحق الزهرة علينا .
تبادلن الابتسامة وذهبت كل منهما في طريقها .
وعند الباب وقبل ان تمتد يدها الى القفل الموصد وضعت الزهرة عند عتبة بابها ودخلت
رفعت باقة الزهور الذابلة عن سريرها ووضعتها جانبا وارتمت عليه غارقة في النوم
وعند الصباح فتحت الباب للخروج وبنفس الملامح السابقة حملت الزهرة وادخلتها لوضعها فوق السرير
وبهذا المشهد المتكرر مضت ايامها حتى قارب موسم الشتاء على نهايته .
وفي ليلة ممطرة اخرى
كانت الصغيرة تنتظرها حاملة الزهرة الحمراء لكن في هذه المرة كانت الصغيرة سعيدة فعلى الرغم من الامطار الى ان شوارع المدينة كانت مكتظة بالناس بسبب دفئ اواخر الشتاء وعذوبة هواءه فلم يبقى لديها غير زهرتها الاخيرة
اخذتها من البائعة الصغيرة دفعت الثمن دون تردد
بادلتها الابتسامة مهتنئة اياها بنفاذ زهورها
ومضت وفعلت كما اعتادت
وعند الصباح خرجت للذهاب الى العمل .لكن لم تستوقفها زهرة ولم تتعثر بشئ
عتبة الباب فارغة .
لم تأبه ولم تفكر وكأن الفراغ الذي احتواه دماغها امتلأ بفراغات اخرى
اكملت يومها وعادت بنفس الطريق ..
لم تعترضها بائعة زهور ولم يكن هنالك ما يوقف مسيرها
حتى وصلت
فتحت قفل بابها الوحيد
دخلت ورمت بجسدها المنهك على سريرها الفارغ لتغرق في نومها العميق .
اعتماد الفتلاوي
٢٤/ ١٢/ ٢٠٢٢
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏‏طفل‏، و‏وقوف‏‏‏ و‏زهرة‏‏

سر الحسناء .... قصة .... بقلم الأديب المبدع / محمد الدحان ..

 سر الحسناء .... قصة ....

بقلم الأديب المبدع / محمد الدحان ..

مضى وقت طويل وهو عاطل عن العمل ... لا يذكر آخر مرة اشتغل فيها .. فالأيام بالنسبة إليه أصبحت متشابهة .. لا فرق بين سبت أو أحد وخميس .. لكن مطالب البيت لا تتوقف ، وعليه أن يجد عملا في أقرب وقت ممكن قبل أن يأتي على آخر مليم من مدخراته .
أخبره صديق له أنه وجد له عمل سائق على شاحنة تنقل البضائع بين المدن .. لم يمانع وأبدى رغبة شديدة في الحصول على هذه الوظيفة بسرعة ... أخذه رفيقه عند صاحب الشاحنة .. تعرف عليه ووافق على جميع الشروط والراتب الشهري دون قيد أو شرط .. فهمه الوحيد الآن هو أسرته ومصاريفها .. وإيجار البيت الذي تراكمت عليه منه أشهر متتالية .
كانت أولى مهامه في عمله الجديد أن ينقل شحنة تبن من إحدى المدن بالساحل الغربي إلى مدينته ... لم تسعه الدنيا وهو يستعد لرحلة الصباح وهو يتخيل نفسه وقد صار سائق شاحنة من الحجم الكبير بعد أن كان مجرد سائق طاكسي بين أحياء مدينته .
ودع زوجته باكرا والقى نظرة على أولاده في غرفتهم وانطلق نحو المرآب المكشوف حيث ركنت شاحنته الميشي الضخمة .. وانطلق حيث أمره صاحب العمل .. هناك ترك العمال يصففون بالات التبن فوق الشاحنة ودخل غرفة قيادته .. وأخذ يدخن سجائره ويشرب فناجين الشاي من الترمز الذي أعدته له زوجته ريثما ينتهون ... كان حقا سعيدا ويكاد يطير فرحا .. وبين الحين والآخر كان يتجول بعينيه داخل الكابينة غير مصدق نفسه أنه أخيرا وجد عملا بالأوراق الرسمية .. عملا قارا ومستقرا سوف يحصل منه على التعويضات العائلية والتغطية الصحية ، وهو الأمر الذي سيخفف عنه بعض الحمل .. وسينسيه أخيرا مشاكل الطاكسي وهمومه .
ناداه أحد العمال حين انتهوا من تحميل الشاحنة ..... شاحنتك جاهزة ... !! ..... كانت الشمس قد غابت حين ودعهم بعد أن أنهى جميع الترتيبات وانطلق .
بعد حوالي ساعتين من القيادة .. عند نصف المسافة تقريبا ، وفي مكان مقفر لا يعرفه ، بدأ يسمع صوت قرقعة قادما من المحرك .. وقبل أن يهدأ من سرعته ويركن إلى اليمين توقف المحرك فجأة .. حاول أن يبعد الشاحنة عن الطريق ويتركها تمضي بمفردها قليلا وهي صامتة حتى توقفت أخيرا خارج الطريق ... سحب فرامل اليد ونزل يلقي نظرة ... لقد تأكد له أنها لن تعمل من جديد ، وأن الأمر يتطلب حضور ميكانيكي مختص .. ولكن أين يعثر على واحد في هذه الساعة المتأخرة من الليل ... ؟! .... فقرر أن يقضي ليلته داخل الشاحنة لكنه تردد وفكر .. فكيف ينام داخل غرفة القيادة في مكان مقفر وخطر ، ومكشوف كهذا .. ؟! ... عليه أن يكون حذرا .
تسلق ظهر الشاحنة بسرعة بعد أن أقفل أبوابها بالمفاتيح جيدا .. واستلقى فوق بالات التبن ... كان متعبا ومجهدا حتى أنه نام كالميت خلال دقيقة واحدة .
بعد فترة ليست بالقصيرة أحس بصوت محرك سيارة بجانب الشاحنة ، وصوت نسوي ينادي ... مصطفى .... مصطفى .... أين أنت .... ؟؟ ... أطل بحذر من فوق بالات الثبن ... كانت السيارة ميرسيديس 190 ، وتقف بقربها سيدة شابة .. استطاع أن يراها جيدا من خلال أضواء سيارتها التي كانت متوقفة خلفها ... كلمها من فوق ... أنا لست مصطفى سيدتي .... !! ... فأجابته ... لكن هذه شاحنة مصطفى .. أنا أعرفها ، لهذا توقفت ... وتسائل ... ربما كان مصطفى هذا سائق الشاحنة السابق ... فعاد يخبرها من جديد أنه لا يعرف مصطفى هذا .. وأنه السائق الجديد ، وأنه أول يوم له كسائق عليها .. وأخبرها أيضا أن الشاحنة تعطلت به ، وسوف يقضي ليلته فيها حتى يطلع النهار .
تأسفت السيدة لحاله بينما نزل هو أرضا الآن واستقر واقفا أمامها .. فبهر بجمالها الشديد ، ورائحة عطرها الفواح ، وأعجب بذوقها في اللباس العصري .. يبدو أنها سيدة من المجتمع الراقي .. لكن كيف لمثلها أن يعرف سائق شاحنة بسيط .
لم تطل السيدة الجميلة الحديث معه ، بل طلبت منه أن يقفل شاحنته جيدا ويرافقها إلى بيتها القريب من المكان ... لقد كان طلبها أمرا ، فلم يستطع أن يبدي أي إعتراض عليه ، خصوصا بعد أن أخبرته أن السائق السابق مصطفى إعتاد أن يبيت عندها ، ويحل ضيفا عليها كلما صادف مروره من المنطقة ليلا .
استقر بجانبها على المقعد وانطلقت تقود سيارتها ، بينما كل أحداث المساء وحتى ظهور هذه الحسناء الجميلة لا تزال بعيدة كل البعد عن الترتيب داخل عقله .. ولا يمكنه جمع تفاصيلها .. وقد بدأت السيدة الآن تقذفه بنظرات غريبة وكأنها تراه لأول مرة ، أو كأنها تتأكد من شيء فيه أثار انتباهها .. أو ربما إعجابها بينما السيارة تسير بين الحقول ، وتقترب شيئا فشيئا من البيت .
محمد الدحان ..
يتبع .........
.

محاكمة بقلم الأديبة المبدعة / حميدة الساهلي

 محاكمة

أراها رؤيا القلب تداعيات الارتطام بخفاياك الحالكة، تدحرجني رويدا للتيه والضياع، تستشعره روحي دوي الانكسار..
يظهر جليا على حواف الفنجان آثار لثم ملطخ بالألم٬ وفي الثمالة بقايا مشاعر مرة، يصيبني الليل بعدوى صمته، تتقاذفني الريح كموج يسارع لضم الصخر لتتكسر لهفته ويتفتت.
يراودني هاجس فضح نوايا هجرك٬ ثم أطرد تلك الأفكار من رأسي وأخرس وسوسة قلبي، أعلم أن الأمر ليس هينا على كرامتي وكبريائي، ولكني اخترت تأجيل النهاية يوما آخر، وإن لم تهب ريح تعري خطيئتك؛ فسأختار طمرها مرة أخرى وأخرى.
بت أدرك الآن أن الشيء الذي ينخر جسدي كل ليلة ليس سوى طعن المسامير، كالتي تدق في تابوت التشييع.
أوهمت نفسي أني أمسك بزمام الأمور، وأدحض شكي بيقيني بأنك ارتكبت الغدر ولا مجال لرتق الشرخ، هذا إذا انتابك الندم واعترفت، فلن يكون غفراني سهل المنال، فكما تعلم إن الصدمة تقذف بالمشاعر إلى الهاوية، تكسرها، تفتتها، ترديها هباء كأنها لم تكن.
حاصرتني نظراتك الماكرة التي كنت أعتبرها بالأمس القريب مهد النور الذي يضيء مساري، وصدقت كلماتك المزيفة التي نسجتها كشبكة العنكبوت، تلفها بمهارة حول أجنحتي تحول دون رفرفتي، وكنت منذ مدة تمارس لعبة القوامة الشرقية بمهارة، تفرغني من ذاتي ببطء. الآن وقد اكتشفت خداعك، أحاول جاهدة اقتناص الدليل من أثر جرائمك المسبوقة بالإصرار والترصد، لأشج به رأس حجتك الكاذبة، حين أتهمك علانية بقتل الحب، لن يكون الآن على أية حال، فلازلت أستنزف منك آخر قطرة من ماء وجهك، أريقها على رصيف انتقامي، حتى أوصلك للقاع الذي تسحبني إليه.
ظننت أني حين امهلتك بعض الزمن لتعود أدراجك عما تقترفه من جرم في حق ذاتي، إلا أنك استهلكتها في زيادة رصيدك الاجرامي، وتماديت في الخيانة الشنيعة، ورصدت لنفسك بوارق للهروب بعيدا، محملا بكل ما أملك، ولم يخالجك شعور الرأفة بكياني الذي وهبته لك على طبق من حب، واختالتك نفسك وزينت لك حياة الذئاب.
ولكن فاتك أن تحزم أمرك قبل أن يغالبك ضعفك وتسقط في براثن ملذاتك، و تلتهمك فوهة جشعك العميقة والتي نكثت بفعلها عهود الأمان التي تلوتها لي ذات يوم.
أدركت الآن أنك لا تستحق أن أهدر لأجلك ربيع عمري، فتظاهرك الوقح أمام الجميع بأنك أسد كشفته-دون أن يرف لي جفن- حين استدرجتك بملامح ليلى البريئة، إلى تذوق كعكها اللذيذ، وأطفأت الأنوار التي تحيط بالطريق المؤدي إلى الغابة، فكم كنت أتعجب قدرتك على المشي في الظلام، كما استغربت انسلاخك السريع من قناعك السميك ذو الهيبة، و بدأت تتلوى بخبث الذئب المتهيء للانقضاض على فريسته الغضة، ستخبرك ليلى بعد وقوعك في فخ ردائها الأحمر أنك كنت مستهدفا من قبل غباءك المدقع الذي ورثك الهزائم.
وكم حسبت الصخر الذي تحمله بين ضلوعك_ والذي تكسرت عليه قوارير عديدة_ قلبا ينبض كسائر القلوب.
"سأزورك في منفاك ذات يوم لننهي خلافنا في من منا كان أشد مكرا"
حميدة الساهلي.

كرامة أحمق ... قصة بقلم الأديب المبدع / مصطفى الحاج حسين - سورية

 *** كرامة أحمق ...

قصة : مصطفى الحاج حسين
حين نلت جائزة الإبداع الأدبي والفكري من دولة الكويت ، ذهبت إلى دمشق لأصرف الشيك ، لأن البنك في حلب لم يسلمني المبلغ ، ذهبت بمفردي ليلا ، وكنت في تمام الثامنة صباحا أقف أمام البنك .. صرفوا لي المبلغ ، وعلى الفور عدت راجعاً إلى حلب .. الوقت صباحا والركاب قلة والبولمانات كثيرة ، قطعت تذكرة وصعدت ، وقدمت التذكرة للمعاون، فقال لي لا ركاب كثر ، إجلس حيث ترغب .. اخترت مقعدا ، خلعت معطفي ووضعته مع حقيبتي الصغيرة على الرف فوق رأسي وجلست .. وحين تحركت الحافلة لتمشي ، صعد رجل يشكو من شلل في رجله، ومعه امرأة .. والمقاعد كثيرة وفارغة ، نحن بضعة ركاب ، لا يتجاوز عددنا العشرة ، لكن هذه المرأة نظرت في تذكرتها ، وتقدمت نحوي ، قالت :
- هذا المقعد لنا.
ابتسمت لها ، وقلت :
- أختي المقاعد كلها فارغة .. أقعدي أينما أردت .
قالت وبحدة:
- هنا مكاننا .. وسنقعد هنا .
نظرت إليها .. تأملتها جيداً ، تبدو هذه المرأة رزيلة ووقحة ووسخة.. وزوجها عاجز ، وتبدو عليه علامات الطيبة ، فحاولت إقناعها بلطف :
- أختي ما الفرق ؟! .. أنا سألت المعاون وقال لي أجلس في المكان الذي تريده .. وجلست هنا بعد أن خلعت معطفي ووضعت حقيبتي كما ترين، فلماذا تريدين عذابي ؟! .. المهم أن نصل بالسلامة . صاحت غاضبة ، بطريقة بشعة :
- أنهض من مكاننا يا عديم الذوق .
وقبل أن أرد عليها ، فأنا شعرت برغبة بالتحدي .. قال لها زوجها:
- تعالي إلى هذا الكرسي .. يعني ما الفرق ؟! زعقت بوجهه بانفعال وعدم اكتراث واحترام :
- اسكت أنت لا علاقة لك بالأمر .
قررت أن لا أعطيها المقعد مهما كلف الأمر ، مع أنه لا فرق عندي بين مقعد وآخر .. بل لست جاهزا لمثل هذه المشكلة التافهة .. فأنا سعيد بحصولي على هذه الجائزة العربية ، والتي كانت حلم جميع أصدقائي ، وأنا لا أحمل الابتدائية ، في حين كان عدد من شارك في هذه المسابقة يتجاوز الثلاثة آلاف ، نسيت الرقم ، وكلهم من حملة الشهادات العليا .. ثم أن سعادتي عظيمة بهذا المبلغ الذي حصلت عليه ، أكبر مبلغ ألمسه وأحوذ عليه في حياتي ويكون لي .. منذ اليوم لن تحتج زوجتي على متابعتي للكتابة والنشر ، وسيتوقف أبي عن قوله :
- الأدب لا يطعم خبزاً ..
لكن هذه المخلوقة التافهة والساقطة من أين برزت لي ، لتقتل عليّ فرحتي ، وتشتّت لي خيالاتي وأحلامي ؟!..
وتقدم مني المعاون يسألني بلطف :
- أستاذ من فضلك تعال إلى المقعد المجاور .
وتوقف السائق عن المسير ، وكان قد خرج من المحطة ، واجتاز مسافة ليست بالقليلة .. وتدخل بعض الركاب ، والكل يرجو أن ننهي هذه المهزلة .. فقلت مخاطباً المعاون :
- حين أعطيتك تذكرتي، قلت لي أن أجلس على المقعد الذي أختاره .. وأنا اخترت هذا الكرسي ، فلماذا لا تطلب منها أن تجلس ومن معها على كرسي آخر ؟! .
قال المعاون وعلامات الحرج والارتباك باديتن عليه :
_ يا أخي .. هي مصممة أن تأخذ الكرسي المخصص لها .
وتحرك السائق من خلف مقعده ، وتحرك نحونا ، قائلاً في استياء :
- سوف ألغي الرحلة بسببكم .. ما رأيكم ؟ .
صاحت المرأة الفاجرة ، والتي شكلها وهنداهما تدلان على مستواها الوضيع :
- ناس لا تحترم النظام والقوانين .
صرخت بازدراء :
- وأنت ما شاء الله ، تبدين في قمة التحضر والذوق .
وهنا نهض رجل كان مقعده يقع خلف كرسي السائق ، أي في الصف الأول .. واتجه إلينا ، كان ضخم الجثة، غزير الشنب ، مكفهر الوجه .. تقدم نحونا مسرعا ، في عينيه غضب واضح .. وحين وصل إليّ .. صرخ :
- أنت رجل لا يفهم .. ولا تأتي بالذوق .. هيا انهض من هنا قبل أن أحطم وجهك .
تفاقم الوضع .. وجدت نفسي في ورطة لا نهاية لها .. والمرأة استبشرت خيراً بهذا الحيوان .. وأنا في قرارة نفسي ألعن نفسي على هذا المأزق الذي وضعت نفسي فيه .. ليتني منذ البداية نهضت وتخليت لهما عن هذا الكرسي اللعين .. ولكن الآن وفي هذه الطريقة المهينة ، صعب عليّ جداً التنازل والقبول ، والرضوخ للأمر الواقع .. كرامتي لا تسمح لي أن أهان .. كبريائي تمنعني من القيام بكل هذا التنازل .. يا ربي لم أرسلت لي هذه الداعرة ؟! .. ما عساني أن أفعل ؟! .. الوضع تأزم .. الرجل البغل يقف فوق رأسي ويلتقط أنفاسه بصعوبة ، يبدو أنه مجنون، عصبي إلى أبعد الحدود ، جسده الضخم بحجم جسدي بمرتين .. أردت أن أمهد لتنازلي، لخيبتي ، لمرارتي ، لانهزامي، لاستسلامي، فقلت :
- كلكم وقفتم معها لأنها امرأه.. لكنكم لم تكونوا مع الحق والمنطق .
لكن هذا المتوحش الذي يقف فوق رأسي ، لم يمهلني .. بل امتدت يده الضخمة وصفعتني على وجهي .. وهو يصرخ في هياج :
- قلت لك انهض يا عديم الذوق .. وإلّا قضيت عليك .. أنت لا تعرف مع من أنت تتحدث .. ليكن في علمك .. أنا رئيس مرافقة سيادة العميد الركن ( مصطفى التاجر ) رئيس فرع الأمن السياسي .
هالني ما أنا فيه من موقف فظيع.. أنا الآن أضرب .. أتعرض للضرب من قبل هذا الخنزير .. بسبب تلك الحقيرة الفاجرة .. يا الله !!! .. اليوم هو يوم فرحتي ، يوم سعادتي .. أنا حصلت على أهم جائزة عربية في الأدب ، عن مجموعتي القصصية الأولى .. الكل اليوم يحسدني ، وكان يتمنى أن ينال الجائزة بدلا عني ، فأنا بنظرهم لا أستحقها، لأني لا أحمل حتى وثيقة الإبتدائي ، في حين هم يحملون الشهادات الجامعية .. ولكن ما العمل الآن .. أردت التراجع .. لكن هذا السفيه لم يمنحني الفرصة .. وأنا بهذه الطريقة لا ألبي وأتنازل ،حتى لو قتلت .
أحتاج إلى معجزة من عندك يا ربي .. معجزة سريعة ، خاطفة .. لأنجو من هذا الموقف .. زعقت وأنا أهم بالنهوض :
- أتضربني ؟! .. أنت تضربني !!! .. ومن أجل هذه التافهة .. أنا سأريك.
قلت هذا، بينما كنت في داخلي أهزء من نفسي :
- وماذا ستفعل يا بطل؟! .. هذا يأكلك من دون ملح .
لكن هذا الضبع ، لم يتراجع ، ولم تهتز له شعرة من شنبه الغزير الشعر والأشقر اللون ، بسبب تهديدي له .. بل امتدت يده إلى خاصرته وأستل مسدساً ، أشهره بوجهي ، وهو يصرخ :
- وحق الله سأقتلك .. سأفرغ طلقات المسدس في صلعتك .
دب الذعر بين جميع الركاب ، والسائق ، والمعاون ، وزوج المرأة العاجز ، بل وحتى المرأة خافت وندّت عنها صرخة ذعر .. وهي تصيح :
- لا .. لا تقتله .. خلاص .. ما عدت أريد كرسيه ، دعه له .
وأنا بدوري كانت أوصالي ترتعد، رغم محاولتي كبح ارتعاشي.. وبذلت جهداً عظيماً لكي أتظاهر بالتماسك والشجاعة .
هتف السائق ، بعد أن كان يطلب منا أن نصلي على النبي ، ونهدأ:
- الحمد لله .. ها هي الأخت .. تنازلت له عن الكرسي .. وانتهت المشكلة .
وانبعث الأمل في داخلي من جديد .. انتهت المشكلة ، وسأعود لخيالاتي وأحلامي .
لكن صاحب الشنب الكثيف ، عنصر المخابرات ، زعق كالحيوان:
- بل سينهض غصب عنه .. وإلّا أفرغت المسدس في صلعته .
عاودتني موجة التحدي .. شعرت بالاهانة.. مع أني أتمنى من كل قلبي أن أغادر هذه الحافلة ، دون أن يعيدوا إليّ نقودي ، وسأخذ تكسي وأعود للكراج لأصعد على حافلة أخرى ..قلت في يأس وأنا أتظاهر بالشجاعة :
- هيا اقتلني .. ماذا تنتظر ؟!.. لن أترك الكرسي .
وصاح الجميع بصوت مليء بالضيق :
- يا جماعة صلوا على النبي .
وما كان من البغل الذي يشهر مسدسه .. إلّا أن ضربني بأخمص المسدس على رأسي ، وهو يزئر كوحش :
- وحق الله سأقتلك .
وصرخت جوارحي بجنون وقنوط:
- يارب أعطينا حلاً يرضي الجميع .. يا رب لا أريد أن أموت .. أريد أن أبقى وأعيش، وأكتب .. سأكون كاتباً عظيماً ، مثل نجيب محفوظ .. ونزار قباني .. ومحمود درويش.. وزكريا تامر ..
وفجأة .. ومثل انبعاث البرق .. خطر لي أن أقول :
- إن كنت تظن نفسك رئيس مرافقة سيادة العميد ( مصطفى التاجر ) ... فأنا ابن عمة الرائد ( طلال الأسعد ) .....
وما إن أنهيت كلامي هذا ، وأنا في غاية السوء والقلق .. حتى رفع مسدسه عني .. وتطلع بي بتمعن .. وهتف :
- قول وحق الله إنك ابن عمة سيادة الرائد طلال الأسعد .
وكان الرائد ( طلال الأسعد ) هذا ، هو بالفعل قريب لصديق عزيز على قلبي .. ولا أعرف كيف تذكرته .. في هذا الوقت الغصيب .. قلت :
- نعم أنا قريبه .. واليوم ستلقاني عنده .
تراجع ذو الشنب الضخم .. نظر إليّ باسماً .. وهتف بفرحة :
- لك أبوس اللي خلق الرائد ( طلال) .. سيادته حبيب قلبي .. واقترب مني ليحضنني، وتنهمر على رأسي ووجهي قبلاته الحارة والصادقة .
وهكذا انتهت المشكلة .
مصطفى الحاج حسين
إسطنبول
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نظارة‏‏

أدلّة بقلم الأديب المبدع / فتحي بوصيدة - تونس

قصة قصيرة جدا

***أدلّة***
داخل عُلبِ كَرتونٍ أرادوا أن يحفظوا سنوات الوفرة... تراكمت أيّام الخوف، غشّت خطوات أحلامهم... تسلّلت إليها جواسيس العروبة، فيما أرادوا سحب ما ينفع الناس، علا غبار الخيانة؛ على الحدود حجزوها شحنة الابتسامات.
فتحي بوصيدة / تونس

فإذا هي فكرة تسعى بقلم الأديب المبدع / أبوالقاسم محمود

 

--------------فإذا هي فكرة تسعى -------------
مندفعة أوراقي هذه الليلة، قلمي جامح، تتراقص عيناي ما بينهما كعسس الليل .. كلما أغمضت جفنا أيقظتني وشوشات تدب فوق مسامعي لتشعرني بالبرد والوحدة ، أتحسس كنانتي لأطلق السهم المتبقي على المتربصين بغفوتي ،
وحتى لا ترتكب أقلامي الخطيئة على الأرصفة، أمنع اللقيا مستعينا بعصارة قهوة دون سكر ، أخشى أن تتشرد نصوصي في دور النشر بلا عنوان أو أن يتلقفها كاتب أبتر فينسبها لصلبه العقيم..
أقف سدا منيعا بين كل محاولات التزاوج بين قلمي والمسودة قبل أن تلبس فستانها الأبيض كعروس ، ويصير رحمها مشاعا بحكم الشرع والقانون لمدادي،
أنقش على البرواز المعلق عقد نكاح مشروط، وكلما علا سقف المطالب بين الزوجين أتدخل لإشعال الفتنة كي لا يسعدا على أنقاض تعاستي ..
ولأن المعركة واحدة أحرض الأقلام على مطلب التعدد كشرط ذكوري لحل إشكالية العنوسة الأنثوية ومشاعر اليتم، وكلما ٱستشعرت الأوراق تحايلي صغت مداخلة في (العدل والمساكنة ) درءا للشبهات!!
أقود مفاوضات شاقة، وحين ينفرط عقد الود يرتبك لساني، أسعى لرتق تمزقاتهم فأفشل في الحياد ..
ألوذ ببطانيتي مستترا بالدفء ، أؤدبهم عبر إبداء جفاء مستقطع ، وكلما زملت وجهي أبتسم للمنجزات ..
أستدعي بنات أفكاري تحت تأثير المنبهات، أدعوها على نفقتي الشخصية لرشفة من الكافيين المحلى ، يمتنع جزء منها بدعوى العتمة ، يحضر بعضها محملا بالحنين والبعض الآخر يحل بأجنحة منكسرة تحتاج الجبر فيغوص وجعها بين جوانحي !!
تتخاصم الشخصيات في اللاوعي مخلفة جروحا دامية تنزف في محبرتي ، تخبو أحداث وتتصارع أخرى فتصير مخيلتي ركحا لمسرحية تفتقد عنصر التشويق !!
وحتى تختمر الأفكار بين دفتي أضلعي أبتلع أقراصي المهدئة ، وحين أشعر بالبرد أتكوم بين سطري ومضة ساطعة ، ألتحف أشطر قصيدة هايكو وأنام طويلا في حضن الغياب لتقضى المساعي بتركها.
-28 دجنبر 2022
أبوالقاسم محمود

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة