Translate

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

(( ليلة ممطرة)) بقلم الأديبة المبدعة / اعتماد الفتلاوي

 (( ليلة ممطرة))

بقلم الأديبة المبدعة

اعتماد الفتلاوي

فتاة بسيطة جميلة القسمات تعيش في غرفة باردة صغيرة جدا ضمن مساكن حي شعبي فقير على اطراف المدينة ..
توفيَّ والداها مبكرا وبقيت تعتاش من عملها في فرن الحي
كانت تشعر بالوحدة دائما تحاور صمتها واحيانا تحدث نفسها بصوت هامس محاولة كسر الهدوء وصمت المكان البارد ..
تمر ايامها متشابهه وفي ليلة شتوية ماطرة في طريق عودتها من العمل سمعت صوت بكاء فتاة صغيرة اقتربت منها انحنت عليها بهدوء لمست كتفها الصغير حاولت احتضانها وبصوت حنون
- لماذا صغيرتي لماذا الدموع .
_ لم ابيع اليوم اي زهرة من زهوري التي ذبلت بسبب الجو الممطر فشوارع المدينة الفارغة من المارة ... ماذا افعل بتلك الزهور الذابلة .
حاولت الفتاة مساعدة الطفلة بحثت في جيبها عن ما تملك من اجور عملها اخرجت المبلغ الصغير وقدمته على راحة يدها
- تفضلي صغيرتي اتمنى ان تقبلي مبلغي المتواضع مقابل الزهور .
فرحت الطفلة جدا واخذت النقود ومضت مسرعة
_ انتظري لحظة
توقفت الصغيرة بقلق .
_ كل يوم سأشتري منك زهرة واحدة انتظريني هنا مع زهرتي .
ارتسم الفرح مرة اخرى على وجه الصغيرة واومأت بالموافقة وذهبت راكضة .
كان المطر غزيرا والجو باردا جدا وصلت الفتاة الى غرفتها وفتحت القفل الوحيد الذي امسك الباب الهش المترنح
دخلت تنتفض كل عظامها من شدة البرد والارهاق .
حاولت وضع الزهور في مكان مناسب فلم تجد ما تضع فيه زهورها
انه قدحها الوحيد كيف تمنحه للزهور الذابلة جلست على سريرها الحديدي واحتضنت الزهور
بدأت تحلم بان هذه الباقة الجميلة الحمراء يانعة ولم يذبلها الوقت ومقدمة لها من حبيب وله .
كانت تحلم وتحلق بهذا الحلم الجميل بين قطرات الماء المتساقطة .
كانت رقصة رائعة مع سمفونية المطر .
نهضت من مكانها وأتجهت نحو الباب فتحته وضعت باقة الزهور على عتبة بابها من الخارج كمن يضع الزهور عند شواهد القبور .
اغلقت الباب ورجعت لتغفو بهدوئها المعتاد
استيقظت صباحا واستعدت للخروج فتحت الباب تعثرت قدماها بباقة الزهور
ارتسمت على وجهها ملامح الدهشة الممزوجة بالفرح انحنت متروية وحملت الزهور بين ذراعيها ادخلتها للغرفة وضعتها فوق السرير وخرجت من جديد .
وفي طريق عودتها
مرت بقرب بائعة الزهور لكنها لم تلتف اليها
نادتها الطفلة بصوت عالي
_ خالة يا خالة هذه زهرتك لا اريد نقود ابقيتها لك .
استدارت نحو الصغيرة وتقدمت اليها .
_اعتذر منك صغيرتي كنت شاردة الذهن تماما ...هاتها وخذي ثمنها انه حقك وحق الزهرة علينا .
تبادلن الابتسامة وذهبت كل منهما في طريقها .
وعند الباب وقبل ان تمتد يدها الى القفل الموصد وضعت الزهرة عند عتبة بابها ودخلت
رفعت باقة الزهور الذابلة عن سريرها ووضعتها جانبا وارتمت عليه غارقة في النوم
وعند الصباح فتحت الباب للخروج وبنفس الملامح السابقة حملت الزهرة وادخلتها لوضعها فوق السرير
وبهذا المشهد المتكرر مضت ايامها حتى قارب موسم الشتاء على نهايته .
وفي ليلة ممطرة اخرى
كانت الصغيرة تنتظرها حاملة الزهرة الحمراء لكن في هذه المرة كانت الصغيرة سعيدة فعلى الرغم من الامطار الى ان شوارع المدينة كانت مكتظة بالناس بسبب دفئ اواخر الشتاء وعذوبة هواءه فلم يبقى لديها غير زهرتها الاخيرة
اخذتها من البائعة الصغيرة دفعت الثمن دون تردد
بادلتها الابتسامة مهتنئة اياها بنفاذ زهورها
ومضت وفعلت كما اعتادت
وعند الصباح خرجت للذهاب الى العمل .لكن لم تستوقفها زهرة ولم تتعثر بشئ
عتبة الباب فارغة .
لم تأبه ولم تفكر وكأن الفراغ الذي احتواه دماغها امتلأ بفراغات اخرى
اكملت يومها وعادت بنفس الطريق ..
لم تعترضها بائعة زهور ولم يكن هنالك ما يوقف مسيرها
حتى وصلت
فتحت قفل بابها الوحيد
دخلت ورمت بجسدها المنهك على سريرها الفارغ لتغرق في نومها العميق .
اعتماد الفتلاوي
٢٤/ ١٢/ ٢٠٢٢
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏‏طفل‏، و‏وقوف‏‏‏ و‏زهرة‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة