Translate

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مسابقة القصة القصيرة دورة فبراير 2023 م. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مسابقة القصة القصيرة دورة فبراير 2023 م. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 17 فبراير 2023

أختي ذات ضفائر سوداء للكاتب المبدع / رضا عبد الحي مصر

 أختي ذات ضفائر سوداء

للكاتب المبدع / رضا عبد الحي

مصر
حدثني صديقي ذات ليلة انقطعت فيها الكهرباء وأظلمت البلدة بجانب معسكرنا إلا من ضوء القمر ..
كانت الليلة ، ليلة شتاء باردة ،كبرودة كل شيء حولنا ، كان القمر بدراً مكتملاً يضيء بقعة مستديرة فوق رؤوسنا
نظر لي وقال : أتذكر يا صديقي وقت كنت طفلاً وسقطت بلادي في يد المحتل الغاشم
كنت وقتها لا أفهم معني محتل وبلد تسقط وظلم وعبودية حتي رأيت دموع أبي ..
وقتها تساءلت في نفسي : كيف يبكي الرجل ؟!
أفهمتني أمي أن الرجل لا يبكي فكيف اليوم أري دموع أبي وهو رجل وليس كأي الرجال ..
كان أبي قوياً ذو سيطرة ، رأيت يومها دموعه كطفله انهارت لأنها تاهت وضلت الطريق عن أمها
أخفيت نفسي يومها ولم أظهر لأبي إني رأيته
ودخلت حجرتي مسرعاً : هل ضعف أبي ليبكي هكذا !؟ وكيف وهو رجل ؟
وأمي تقول الرجال لا يبكون ، وقتها لم أفهم شيئا
حتي جاء صباحاً كان أبي قد رحل من القهر ، والعبودية والظلم
أيقنت حجم ما تألم أبي وما عاشته أمي بدونه وكيف لي بطريق شاق سأمشيه في ظلمات وليال طوال مظلمة
ربت صديقي علي كتفي وقام ليشعل السراج لينير العتمة بعدما اختفي ظل القمر ونوره ، أكملت حديثي إليه دون توقف كأنني أعيد المشاهد علي ذكراتي
تذكرت يوم فتحت باب غرفة أمي خلسة ووقفت بجانب منه أتخفي ....
كانت أمي جاثية علي ركبتيها تشتكي إلي الله وتتساقط دموعها علي الأرض كقطرات المطر الحزينة
احتضنني صديقي بعينان حُبلي بالدموع وقلباً منكسر من شدة اختناق صوتي بالدموع وأنا ابتلع ريقي بصعوبة وقتها وأنا أتخفي خلف الباب موارباً فتحة صغيرة لاراقب دموع أمي
قلت لنفسي : هل ستموت أحلامنا رويداً رويداً يا أمي مثلما مات أبي قهراً ونفتقد ما نحب وسنموت بالبطيء كالشموع التي تحترق حتي النهاية!؟
كان أبي يحلم بي ظابطاً كبيراً يزيح المحتل ويحرر بلدتنا ويدافع عن الحرية ويقول الحق
جريت يومها مسرعاً إلي غرفتي أرتعش تدثرت بغطائي وبت ليلتي والدموع في عيني حتي الصباح
حملت حقيبتي وتوجهت لمدرستي ، وصوت رصاص حولي وطائرات فوقي وضوضاء وضجيج ..
كنت شجاعاً لا أخشاه هذا الصوت وأود لو أن معي سلاحاً أقذف برصاصاته في وجه المحتل الغاشم ، كانت أمي في كل الحكايا قبل النوم تقول لي : أنني رجل وأن الرجال لا يخافون ولا يبكون ولا يهابون الموت فأحبتت صوت الرصاص وأحببت حمل السلاح
كانت أمي دائماً تقول لي : لن تموت حتي يشتعل رأسك بالشيب والشعرات البيضاء وتصبح لحيتك بيضاء كثيفة ولكن أبداً لن تسقط أسنانك ولن ينحني لك ظهر لأنك قوياً
ظننت منذ طفولتي ومنذ حكايات أمي أننا جميعاً لا نموت حتي يشتعل الشيب منا ...
حتي صباح هذا اليوم ، ذهبت مدرستي ممسكاً بيد أختي الصغيرة ، كنا نضحك ونتسابق الطريق بخطوات مسرعة حتي لا تترك أيادينا بعضها البعض فأتركها تسبقني بخطوات حتي تفرح لأنها الصغيرة
لم أشعر إلا وقد أفلتت يدها يداي
كنت هذة المرة قد سبقتها بخطوات فألتفت ورائي وإذا بها ملقاه علي الأرض يغطي وجهها الدماء وصوت الرصاص يعلو في أذني
كانت أختي ذات ضفائر سوداء طويلة أزحت واحده منها كانت تغطي وجهها وقد أغمضت عينيها في إبتسامة جميلة
قلت لها : انهضي ، مازلت ضفائرك سوداء جميلة لم يشتعل الشيب فيها
لم أتذكر شيئاً إلا صوت نسوة يصرخن من الخوف
حملت أختي علي يدي وضفائرها السوداء الجميله تتأرجح يميناً ويساراً طوال الطريق وذهبت لأمي
وقلت لها : مازالت أختي ضفائرها سوداء يا أمي ، لماذا سكتت ؟
لم تنطق أمي واحتضنت أختي بدموع حبيسة ولوحتُ للأحلام مودعاً أختي الصغيرة .
كيف لنا أن نمضي إلي اللاشيء ؟
لا يوجد نور ، النفق كله كان مظلماً نتخبط ، نتعثر دون رؤية واضحة
دائماً كان ظل أبي يحيطني ليقوي عزيمتي ويشد من آزري
كنا نجتمع أنا وأمي علي طاولة الطعام في كل ليلة تحكي لي قصص الأبطال الذين لا يهابون الموت ولا يخشون صوت الرصاص ولن يقترب الموت مني حتي أحقق حلم أبي وأكون ظابطاً لا يهاب الموت ولا يخشي صوت ضربات الرصاص لأقتص لأختي ذات الضفائر السوداء وأقتص لقهر أبي وعبوديته
هذة الليلة يا صديقي أشبه بتلك الليلة التي سقطت فيها بلدي محتلة لكنها هذة الليلة ستكون حرة
إنها ساعة الصفر يا صديقي
سنرفع علم بلادنا الليلة عالياً يرفرف ولن يلحق بي الموت يا أمي قبل أن يشتعل رأسي شيباً وأكون قد اقتصصت لأختي وأبي ويوم رأيتك من خلف الباب جاثية علي ركبتيك تشتكي إلي الله
*بعد سنوات .......*
اليوم ، هو اليوم الأهم بالنسبة لي
ارتديت ثيابي العسكرية التي أهملتها منذ سنوات ونظارتي السوداء واتجهت لقبر أمي ، وأبي وأختي
الآن يا أمي اشتعل رأسي شيباً أنتظر الموت وقد حققت حلم أبي وانتصرت لوطني وأقتصصت لأختي ذات الضفائر السوداء
الآن يا أمي أنتظر الموت فمرحباً به
رضا عبد الحي
مصر
قد تكون صورة مقربة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏طفل‏‏

الخطيئة للكاتب المبدع / لحسن بومزوغ بني ملال - المغرب

 الخطيئة

للكاتب المبدع / لحسن بومزوغ 

بني ملال - المغرب

صعدت على متن الحافلة، و هي تطلق العنان لخطواتها التائهة الباحثة عن هدف غير مسطر. هروبا من ماض اضحى هاجسها و كابوسها المؤرق. جلست بجانب النافدة و أسندت رأسها عليها، ثم فتحت نافدة أكبر تطل على أكبر إخفاق سقاها مر الساعات و الأيام.....تحركت الحافلة و كل الركاب يعلمون وجهتهم الا أمينة، لم يكن يهمها سوى المضي في درب البحث عن مأوى قد ينسيها مرارة التفكير في صغيرها، الذي فتحت في وجهه مصاعب الحياة مند أيامه الأولى. و في ذالك السند الذي منحته أغلى ما تملك و خان نبضات قلبها الصادقة....فجأة سمعت صوتا ضعيفا ينادي إسمها، فتركت كل ركام التفكير و خيباته و قلَّبت عينيها بحثا عن مصدر الصوت. فرأت وجوها لا تعرفها، بعضها يتبادل أطراف الحديث و بعضها ينتشي بلذة السفر و أخرون يراقبون نوافد الحافلة الموالية لها. و كأنهم يتفرجون على شيء مثير في الخارج. فانتابها الفضول و استدارت نحو النافدة فصدمت. لم تصدق ما رأته فأغمضت عينيها وفتحتهما ظنا منها انها تحلم لكن ما رأته لم يتغير...انه نفس الشاب الذي أحبته و كان سببا في تعاستها. تراه يركب دراجة نارية سريعة يحاول اللحاق بالحافلة، و هو يلوح بيده صرخ بأعلى صوته باسمها..أمينة...أمينة...أمينة. لم تستطع كبح دموعها و لا استيعاب مايحدث أمامها، و ألف سؤال و سؤال يطرق باب عقلها...
فجأة اختفى و لم تعلم اين ذهب، فأطلقت زفيرا طويلا و قالت في نفسها كالعادة اختفى فهو معتاد على ذالك، و قبل أن تعود لنافدتها المؤسفة توقفت الحافلة. فصعد الشاب صاحب النكسة الى الحافلة بسرعة كبيرة متجها نحوها، ثم جثا على ركبتيه متوسلا و طالبا إياها مسامحته على غيابه، واعدا إياها تحت القسم انه سيعوضها عن أيام البؤس التي مرت بها...لم تستطع أن تسكت صرخة حبها له و ارتمت في أحضانه باكية معاتبة إياه. فقاطعها قائلا :أعلم انك عانيت بسببي و أني غادرت هاربا من المسؤولية التي لم أكن اهلا لها. لكني اعدك اني سكون سندك و رفيقا مدى الحياة إن قبلت الزواج بي.
ثم أمسك يدها و أخرجها من الحافلة... و تلاطم الأحاسيس مدوية في صدرها. أخبرته انها أنجبت منه طفلا يشبهه و تخلت عنه بباب احد المساجد ... و لم يكن منه الا أن مسح دمعتها و قال لها...اليوم سنبحث عنه و نحضره لنبدأ حياتنا معا تحت مظلة المحبة و السكينة.
ركبت معه الدراجة السريعة و قصدا المدينة التي أتت منها تاركة فلذة كبدها. و ماهي الا ساعات قليلة حتى وقفا بباب ذالك المسجد، و سألت إمام المسجد بعد أن خرج، عن طفل تركته بباب المسجد ليلة أمس. فقال لها و من أنت؟ أجابته انا أم الطفل و هذا ابوه. فاستطرد قائلا :و كيف لي أن اتأكد انك امه و أنك لا تكذبين؟فأخبرته عن علامة كان ابنها يحمها في ظهره و وصفت الطفل بدقة كبيرة لم تترك للإمام مجالا ليشك. ليخبرهما بعد ذالك انه عثر عليه و أخده لبيته بين أطفاله و قرر أن يأخده للشرطة غدا...و أنه تراجع عن ذالك بعد عودتهما، معاتبا أياهما على مافعلاه حاثا إياهما أن يتصفا بالحكمة و الصبر. و أخيرا إجتمع شتات أسرة كان سلاحها تصحيح الخطأ، وصارت الدمعة ابتسامات نورت طريقهم و ألقت حزن الفراق و الخداع الى درك النسيان. و تزوجت أمينة بشهاب و أسمو طفلهم أمين، و عاشوا في سلام و أمان.
لحسن بومزوغ /بني ملال/المغرب
🇲🇦🇲🇦🇲🇦
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

سرنجة أنسولين للكاتب المبدع / د. ابراهيم مصري النهر مصر

 سرنجة أنسولين

للكاتب المبدع / د. ابراهيم مصري النهر

مصر
صوت طرقات واهنة، باب الغرفة يُفتح بهدوء تام، ظهر من خلفه سواد امرأة ممسكة بعكاز في يدها، بدت لي في الستينات من عمرها.
أنا قابع في ذات الغرفة خلف مكتبي على كرسي مستدير له أرجل متحركة، وأرتدي معطفي الأبيض المعتاد.
ألقت عليَّ التحية وجلسَتْ بصعوبة على الكرسي المقابل لمكتبي بعد أن أسندت يدها إلى سطح المكتب.
-سألتها عن اسمها وكم عمرها...
تفاجأت بإجابتها...
خلعت نظارتي وقمت بفرك عينيَّ جيدا، نظفت عدستيها الزجاجيتين وأعدتها لعلي أتأكد من صحة ما قالت.....
تقول إنها في الأربعينات من عمرها..
سألتها إن كانت تُعالج من أمراض مزمنة، أجابت بثغر يخلو من سنَّين أماميين، مبدلةً سينها بثاء: "الثكر“.
وهنا بيت القصيد ومربط الفرس، السكر ! وما أدراك ما السكر ! إن لم يتم السيطرة عليه؛ شيخوخة مبكرة لا محالة، كهذه التي شابت في شبابها بسببه.
لم تكن تكذب.. لكنه المرض الذي سلب منها شبابها وجمالها.
ولكن كما يقولون: ”عمر المرأة كما يبدو عليها لا كما تقول شهادة ميلادها“.
تبادلت معها النكات والضحكات لأخفي عنها آثار صدمتي، حتى لا تشعر أنني ظننتها أكبر من ذلك بكثير فأزيدها غما فوق هم مرضها.
تشتكي من صعوبة في التنفس، ودوخة شديدة، وتنميل في أطراف أناملها، وتشعر دائما بالجوع والعطش، وتتبول كثيرا.
قمت بقياس مستوى السكر العشوائي بالدم فوجدته عاليا جدا، لففت من خلف مكتبي مسرعا، لا غرو، فناقوس الخطر يدق منذرا بقرب حدوث كارثة. ثبَّت في عجالة كانيولا في وريد ساعدها الأيسر وأعطيتها قربة محلول ملح، وطلبت من مساعدتي أن تعطيها أربعين وحدة من الأنسولين تحت الجلد. بعد أن انتهى التقطير الوريدي الذي استغرق قرابة الساعة، وبدأت انفراجة تحسن في أعراض المريضة، عادت إلى بيتها برفقة ابنها الذي تعرَّفت عليه وتبادلنا رقمي جوَّالينا.
في آخر اليوم، وأثناء مراجعة الحالات مع مساعدتي كعادتي كل يوم أسترجع شريط الحالات، وكانت من أخطر حالات ذلك اليوم تلك المريضة.
عندما سألت مساعدتي عنها، أخبرتني أنها أول مرة تحقن الأنسولين....
لم تكن ممرضة ولم تدرس علم التمريض، كانت كعامة الناس لا تعرف الفرق بين المعقم والنظيف، لا تعرف أن المناديل الورقية نظيفة وليست معقمة، وأن الماء الذي نحل به بودرة المضاد الحيوي نظيف وليس معقما.
انتابني القلق..
-سألتها: بِمَ أنك أول مرة تحقنين الأنسولين، اشرحي لي ماذا فعلتِ؟
-أجابت: سحبت سرنجة أنسولين كاملة ووخزتها تحت الجلد.
الْتَفَتُ إليها مفزوعا وكأني مضروب بسوط من هول ما سمعت، وبصوت غاضب صحت فيها: من قال لكِ سرنجة كاملة؟!
أجابت مرتبكة: حضرتك قلت أربعين وحدة، والأربعون وحدة كانوا سرنجة كاملة.
نهضت مسرعا وأنا أزمجر: لا وقت الآن لأشرح لكِ الخطأ الجسيم الذي وقعتِ فيه، لقد أعطيتيها مئة وحدة بدلا من الأربعين..
جل همي الآن وشغلي الشاغل هو التواصل هاتفيا مع ابن المريضة أو الوصول إلى بيتها في أسرع وقت ممكن.
أخذت أدق على جوال ابنها ولحظي العاثر كان في كل مرة غير متاح، مما زادني قلقا وتوترا، أتساءل ماذا حدث يا تُرى؟! هل أُصيبت بغيبوبة هبوط السكر؟ .. ربما!
بينما أنا في هذا البحر من الحيرة والاضطراب، لاح لي قارب النجاة من بعيد عندما أخبرتني مساعدتي -بعدما استجمعت بعضا من قواها، فهي ما زالت ترتعد خوفا واضطرابا بالعدوى مني- أنها تعرف بيت المريضة.
أغلقنا العيادة وخرجنا على عجل، جلست على مقود السيارة وانطلقت أسابق الريح، لا أعبأ بمطبات الطريق الترابي الذي لم تألفه إطارات السيارات.. بعد أن قطعنا مسافة طويلة ما بين المنعطفات والمطبات والمرتفعات والمنحدرات وصلنا لقرية نائية يقبع في مؤخرتها بيت المريضة. الأطفال قبل الغروب بملابسهم الرثة يلعبون في التراب أمام البيوت الطينية، عندما رأوا السيارة أخذوا يهتفون: سيارة، سيارة،... وركضوا خلفنا.
توقفت أمام البيت الذي أشارت إليه مساعدتي. خرج شابان على صوت السيارة، أحدهما ابنها الذي كان بصحبتها والذي بدت على وجهه علامات القلق والذعر عندما رآني، وبادرني أثناء نزولي من السيارة بقوله: بعد ما رجعنا من عندك بساعة تقريبا شعرت أمي بهبوط حاد، وبدأ وعيها يغيب ويحضر، فأحضرت لها طبيب الوحدة الصحية القريبة. طمأنته وشرحت له ملابسات ما حدث، واعتذرت له؛ ربت على كتفي وسمح لي بالدخول بصمت مشيرا إلى غرفة والدته.
أسرعت الخطى حيث أشار، عبر الباب المفتوح كانت هناك، وإلى جوارها الطبيب الشاب.. كل مافعله أن قدم لها كأسا من الماء المحلى بالسكر.
سمعتها بعدما شربت الكأس واستردت وعيها كاملا تقول له: سامح الله ذاك الطبيب، لا يفهم في الطب شيئا، ليس طبيبا، كاد أن يقتلني، طبيب فاشل، والتفتت وهي تكررها ناحية الباب؛ وقعت عيناها علي.
د. ابراهيم مصري النهر
مصر
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏نظارة‏‏ و‏منظر داخلي‏‏

الوادي للكاتب المبدع / نهاد عبد جودة العراق

 الوادي

للكاتب المبدع / نهاد عبد جودة 

العراق

تسكعت خطواته المرتبكة نحو عمق الوادي , يدفعه حب اللجوء الى الخلوة بحماس , سائحا في ملكوت خرافي , يحاور الطبيعة بلسان موجوع وكأنه يستعطفها ان تعيد على شاشة مخيلته تفاصيل احداث عفى عليها الزمن , بلهاث مسموع وأنفاس مضطربة ترغمه على التوقف للحظات لالتقاط انفاس , يشاركه انين سيجارته في احياء مراسيم حداده الابدي , زمن ماكر يزجه في دوامة الذكريات بخبث , يجعله يتخبط في متاهات ماض بعيد وأمنيات خجولة لا ترتقي الى المعقول , يتأ بط ذراعه ويحاور نفسه ويدخل عالم خرافي ينسجه خياله بتأثير من موحيات خارج المعقول , مخابئ مئزره ممتلئة برسائل عشقية وخواطر وأشعار تلهب عاطفته بمزيد من الالم . يؤبن رحيل ذكرياته بتواشيح جنائزية تشاركها النوارس التي يعج بها المكان , مجيئه هنا بشكل دائم لكي يغسل حمى الالم الجاثم على قلبه معتقدا ان هذا المكان هو المناسب لهذه الطقوس , هنا حيث يسكن الصمت والخواء , عبر النهر في عمق الوادي الذي يجمع مياهه من الشلالات المتدفقة من القمم العالية , قدماه الحافيتان تلامس نعومة الحصى وحرير الامواج , يحدث نفسه قائلا : ايه ايها الجسد الهزيل لقد بان خذلانك وانكشفت عورة ضعفك , خريفك الاهوج يباغت كل بارقة امل في روحي ويناصبني العداء بلؤم , كنت مضربا للأمثال في زمن الشبيبة الحالمة وحكايات الحب الذي كان , كنت عصيا على الرزايا الى ان اذلك هذا الزمن المسخ , زمن لا احلام في فضائه الموبوء بالكراهية ولا رفيق يبقى معه , زمن غدار .
ارتقى ربوة في منتصف الوادي ثم رفع بصره نحو قمم التلال الشاهقة قائلا : ايتها القمم الشامخة اسمعي صراخ روحي , لا تغرك عظمتك فلا شيء يدوم تحت الشمس , ثم التفت الى الاشجار والصخور والأمواج ثم قال : ايها المغفلون لا يصيبكم الغرور , قمم الجبال تذلها السيول ذات يوم وتفشي اسراها في مسامع المنخفضات , سيأتي الخريف ويحرق زهو اوراق الاشجار ويشتت طيور الحب التي تتشبب على الاغصان في كرنفال عشق ازلي , ستمسح الامواج اثار اقدام العشاق على رمال الشواطئ , بعد موت الذكريات يعج المكان بعشاق جدد تخبئ لهم الحياة مصائب ومكائد لم تكن بالحسبان .
هذه الجولة تندرج ضمن روتين ثابت , يجددها لكي يعيد نسج تفاصيل الاحداث على منظومته الفكرية التي تأبى النسيان , منظومة رجل عاشق لا يريد ان ينسى , لم تكن الاحداث متصالحة معه ولم تهتم برغباته , رجل بكل هذه المواصفات البائسة من المستحيل ان يرمم ما افسده الدهر, في المعلن هو لا يريد ان ينسى ولكن النسيان ارحم به , هو العلاج الشافي لكل علله المستعصية خصوصا انه يملك ذاكرة قوية وذكريات جميلة .
استلقى على الشاطئ ودقات قلبه تدك اذنه كالمطارق تائها في ملكوت عجيب ومذهل , يرى تلك الامواج الزرقاء قد انقلبت الى لون احمر كالدم , تتدفق كينبوع من جرح قدم حبيبته التي لدغتها الافعى قبل خمس سنوات , صورة راكدة في باله وهي مبعث عذابه المستديم .
نهاد عبد جودة / العراق
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

أريكـــــــا للكاتبة المبدعة / أسماء عبد الراضي محمد مصر

 أريكـــــــا

للكاتبة المبدعة / أسماء عبد الراضي محمد

مصر
أريكا ... عامّة
أريكا ... عامّة
تتراقص ضحكاتهن المتناغمة، تتهادى صيحاتهن مستقرة في أذني، فيمتزج داخلي اشتياق إلى أيام خلت، وحسرة على أيام قادمة تنتظر ابنتي "سُلوان".
عندما تسمعُ البنات يصحن "أريكا" وهنّ يلعبن "الحجلة' فورا تنتقل عيناها إلى قدمها الضامرة في أغلالها، فتتذكر أنه ليس من حقّها أن تصيح مثلهن بهذه الكلمة، أذهب بها إلى النافذة المطلة على الوسعاية أمام بيتنا القروي الدافئ، تراقب البنات بنهم، يتقاذفن فوق مربعات ستة رسمنها على الأرض بالطباشير، ترمي إحداهن الحجر على المربع الأول، ثم تقفز على قدم واحدة بينما تبقى الأخرى مرفوعة عن الأرض، وتقوم بدفع الحجر بقدمها إلى الأمام في المربعات الأخرى بالترتيب وتستمر في دفع الحجر في كل المربعات حتى إذا انتهت، تبدأ الهتاف(أريكا) وهي تخطو فوق المربعات مغمضة عينيها، فيجبنها البنات (عامّة)!
سرعان ما تطلب مني سلوان العودة حيث كنا، نقرأ القصص، نرسم، ونكتب الحروف والأرقام.
أشعر بغصَّتها في حلقي، تُرى كيف ستكون ردة فعلك يا ابنتي، حين تعلمين أنني من صممت على مجيئك إلى الدنيا بإعاقتك هذه؟ هل ستغفرين لأمكِ وتقدرين حبها لكِ وتمسكها بكِ، أم ستسخطين لأنها أتت بكِ إلى عالم لا يرحم؟
"لا بد من الإجهاض يا سمر، لا تعاندي، الطب قال كلمته!"
نهشني التردد والجزع، أجلّتُ الأمر يوما، يومين، أسبوعا، وشهرا، حتى مضى الوقت، وأصبح في الإجهاض خطر على حياتي.
"ركبتِ دماغك، ونفذتِ رغبتك"
غضب أبوكِ فسافر، عاد يوم ولادتك، لكن قلبه لم يعد، من يومها ألِفَت روحه السفر، أيام غيابه تتخطى أيام إقامته معنا، يعاتبني قلبه مع كل عثرة تعيق سير علاجك، سنوات ست، بعدد مربعات لعبة "الحجلة"، مرّت من عمر ابنتي، اجتزناها معا، لكنها أبدًا لم تكن بسهولة اجتياز مربعات الحجلة، كانت مرة بمذاق الحنظل، حلوة بنكهة ضحكة ابنتي ونقاء سريرتها، سنوات ست تعلمت فيها ما لم أتعلمه طيلة حياتي.
-عماد، غدا موعد الطبيب..!
-الفلوس عندك في الدرج، خذي أختك معك، سأتأخر في المكتب.
"ومتى لم تتأخر؟"
حتى وإن لم يكن لديه عمل، سيتأخر قاصدا، لم يكلّف نفسه حتى اليوم مشقة مشوار الطبيب سوى مرة واحدة، كان فيها مجبرا لأن أحدا لم يكن متفرغا للذهاب معي، مرة واحدة خلال سنوات ست لم تكل فيها قدمي أو تمل طريق الطبيب، مرة واحدة اصطحبني وابنته التي لم يحملها بين يديه مذ ولادتها سوى مرتين، وكلاهما كانتا خفية، الأولى رأيته فيها بعيني، والثانية أخبرتني بها سلوان ..
"يديّ بابا حانيتين جدا يا ماما، كقلوب ملائكة الرحمة في قصصك، فتحتُ عيني اليوم على قبلةٍ منه وهو يحملني"
حنون أبوكِ يا ابنتي وإلا ما كانت أمّكِ لتحبّه وتقرن حياتها بأنفاسه، لكن متى بقيت القلوب على حالها؟!
"هل أقول لها إن قلب أبيها تعلّم القسوة مذ أتت إلى عالمه..!"
حان موعد الطبيب هذه المرة بعد سفر أختي إلى جامعتها، لم يجد عماد بدًّا من مرافقتنا إلى الأقصر، حيث عيادة الطبيب المتابع لحالة سلوان، والذي يأتي من القاهرة مرة واحدة كل شهر.
في موقف السيارات، دقت السادسة والنصف صباحا، كان الزحام لم يشتد بعد، فحمدت الله واستبشرت خيرا، ركبنا سيارة متجهة إلى الأقصر، دقائق واكتمل عدد الركاب، فانطلق السائق يقطع الطريق الترابي وهو يدندن (صباح الخير يا اللي معانا، الكروان غنى وصحّانا) مع صوت الست في الراديو.
على الكرسي المجاور لنا جلست امرأة أربعينية مع ابنتها التي تكبر ابنتي قليلا، أو ربما في مثل سنها، نظرت إلينا المرأة نظرة تضج شفقة، قبل أن تقول وهي تمصص شفتيها:
-الله يعينكم على ما بلاكم..!
امتقع وجه عماد، وأشاح بنظره بعيدا حتى لا ألحظ تغيّره، فقلت للمرأة:
-بل هي سعادتي وسعادة أبيها.
نظر عماد إليّ نظرة أعرفها جيدا، فسكت؛ حتى لا أثير غضبه أكثر، لكن سلوان نظرت إلى الصغيرة من فوق الكرسي المتحرك وقالت:
-أعرف جيدا لماذا تنظرين إليّ هكذا، لأنني مختلفة عنكِ، نعم أنا مختلفة عن الجميع، سعيدة جدا باختلافي، حتى وإن حرمني بعض النعم، لكنني متميزة في أشياء كثيرة، احكِ لها يا ماما عن رسوماتي وقصصي.
أمسكت سلوان بيد أبيها، ثم أمسكت بيدي، وأكملت:
-لكن تعرفين، حب هذين هو أكبر نعمة أستمتع بها.
انهمرت دموعي كما لم تنهمر من قبل، قبَّلت يد ابنتي، بينما راح عماد يحتضن كفها بشوق كمن عاد لتوه من سفر بعيد.
مر اليوم بفضل الله وكرمه، في طريق عودتنا، رأينا البنات يلعبن الحجلة أمام البيت، رغم نثيث المطر المتساقط، نظرت سلوان إليهن بلهفة، وأشارت إليّ فتوقفت عن دفع كرسيها المتحرك، رأى عماد لهفتها ونظراتها فحملها بين يديه، وراح يقفز بها وسط البنات بعد أن طلب منهن أن تشاركهن سلوان اللعب، أخذ عماد يقفز ضاحكا فوق المربعات المرسومة على الأرض، وهو يصيح:
- أريكا
فتجيبه البنات بمرح:
- عامّة..
غمز لسلوان، فبدأت تصيح بصوتها الندي:
- أريكا
فتجيبها البنات:
- عامّة..!
أسماء عبد الراضي محمد
مصر
قد تكون صورة ‏حجاب‏

رصاصة غدر للكاتبة المبدعة /ياسمين بلقيس نزار الجزائر

 رصاصة غدر

للكاتبة المبدعة /ياسمين بلقيس نزار
الجزائر
لازال صوتها يدوي في داخله ،كأنه بركان لفظ كل قدرته ليوصل حاجته إليه ،كذلك كان حالها ،كانت محاصرة من كل الجهات، وهي التي خرجت من بيتها مسالمة ،خرجت لتشتري رغيف لأطفالها
كلما حاول أن يتملص من مخالب الوجع ،يجد نفسه واقع فيه حد الضياع ،لملم جراحه بصعوبة وتقدم إلى جبين ابنه النائم ،ملاك كان ،يبتسم كل حين وهو نائم ،ربما زارته أمه قبل قليل وهي تسرد عليه إحدى الحكايات، قبل الجبين وانصرف إلى عمله
أمي انتبهي لإلياس ،انه نائم
حسنا بني
طول الطريق وهو يصارع صورتها التي تحفر ذاكرته لتتعمق أكثر، كانت مبتسمة كما عهدها
الدماء التي توشحت بها ملامحها، رسمت في دفاتر عمره وجعا لن تمحه السنون
للكاتبة المبدعة /ياسمين بلقيس نزار
الجزائر

غربة للكاتب المبدع / سمير اسماعيل العراق / الموصل

 غربة

للكاتب المبدع / سمير اسماعيل

العراق / الموصل

روحهاالمسافرة عبر الغربة
عندما توقف قلبها ونظراتهاترنو نحو
الوطن
على عتبات السبعين ، الحياة أصبحت ضيقة عند مائدة انتظار حدث ما .. روح هادئة تفكر بما سيحدث لها وطريق الشيخوخة اخترق الرأس بانفلات شعرات بيض تدلين
عند حافة ونهايات صدغي الوجه ، ثمة انتفاخات حول العينين ، الصدر خشخش كاوراق الخريف المتساقطة لحظة عبور عاصفة خفيفة والغيمة تخطف القمر وتبتعد في عمق العتمة ، ربما أخر يوم لها تعيشه بعيدة في الغربة ، منتظرة لحظة مغادرة مدرج العمر والالم يتوقف في قلبها ، تتنهد ، تسقط ، تقذف مافي معدتها ،تتكئ على حافة النافذه ، خلفها يلوح الثلج والاكمات العارية من الاوراق كعري أفكارها ونار الشوق للوطن تلامس روحها ، تعود للرقود على سريرها منتظرة ابنتها الموظفة ، تسمع انفتاح الباب ، تصغي ، لا أحد، تعبرها الدقائق مع الزوابع وعواصف الثلج وهي مازالت مستلقية على السرير تعيش ألم الوحدة وانقباض الصدر فلعل الألم ينتظر صوتا ما ليستفيق ويزورها في حلم يقظة ، الدم يتعكر صفوه في شراينها والأوراق الخضراء على خارطة جسدها تذبل وتصفر....
( بدون ضجيج انحدر الوجع من الكتف نحو الصدر ، الوجع القاتل يفتك بها ويخترق القلب والوقت يمضي عبر بحر الليل المتسع الى ابعد مدى ..لتقفز لحظة الموت ، اه قد تشتهي الموت )
ولأن بعض الألم قد اشتد في جسدها لذا تهرب من نفسها بحثا عن صمت الروح الكامنة في البيت ، فتظل تدور على غير هدى تقاتل أشباح الموت المنتشرة في كل الزوايا .
(---مايرتق من قلبي العليل علة غربتي وشحة يأسي للعودة للوطن ، فاجعة ستحدث لي عند هذا الوقت وربما الان ..)
افاقت في منتصف النهار ..ذهبت مسرعة الى الحمام ، قذفت مافي معدتها وكادت ان تسقط ، تمسكت متكئة على الجدار ، تتلفت أين هي ،،؟راسها ينخر عباب الأفكار، ابنتها ، أولادها في الوطن ، احفادها ، تفنى الكلمات ، تفنى روحها في المكان ، لامفر من .. جسدها يهوي على الأرض وتنحدر روحها لتحلق في سقف السماء ، تتعب ، تتعب ذكرياتها ، أحلامها، منتظرة الحدث الأكبر، برد يسحق العظام ، برد يلمس الجسد فتمر الوجوه الأماكن، الطرقات ، غرف البيت العتيق ، الازقه، الأخوة مرة أخرى، الاولاد ، لحظتها يتجدد الدم في شراينها عند مخدة العناية المركزه في مستشفى الغربة والثلج ينهار على زجاج النافذة ، يالهي.. لم يعبر منتصف النهار بعد وأصوات الاذان تصدح في السماء كانت وحيدة على سرير المستشفى ، ظلها يبحث عن ظلها على الحائط ، ونظراتها تحلق بعيدا نحو ابنتها الواقعة خلف زجاج العناية المركزه ، عيناها تضيقان، وعند الظهر انفصلت عن سعادتها حاملة جموح افراس تنطلق في دمها ، عندها رحلت ، رحلت مالكة الريح والنور في عينيها وفي صوتها أنة البعد عن الوطن ...
سمير اسماعيل
العراق / الموصل

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة