Translate

الجمعة، 17 فبراير 2023

أختي ذات ضفائر سوداء للكاتب المبدع / رضا عبد الحي مصر

 أختي ذات ضفائر سوداء

للكاتب المبدع / رضا عبد الحي

مصر
حدثني صديقي ذات ليلة انقطعت فيها الكهرباء وأظلمت البلدة بجانب معسكرنا إلا من ضوء القمر ..
كانت الليلة ، ليلة شتاء باردة ،كبرودة كل شيء حولنا ، كان القمر بدراً مكتملاً يضيء بقعة مستديرة فوق رؤوسنا
نظر لي وقال : أتذكر يا صديقي وقت كنت طفلاً وسقطت بلادي في يد المحتل الغاشم
كنت وقتها لا أفهم معني محتل وبلد تسقط وظلم وعبودية حتي رأيت دموع أبي ..
وقتها تساءلت في نفسي : كيف يبكي الرجل ؟!
أفهمتني أمي أن الرجل لا يبكي فكيف اليوم أري دموع أبي وهو رجل وليس كأي الرجال ..
كان أبي قوياً ذو سيطرة ، رأيت يومها دموعه كطفله انهارت لأنها تاهت وضلت الطريق عن أمها
أخفيت نفسي يومها ولم أظهر لأبي إني رأيته
ودخلت حجرتي مسرعاً : هل ضعف أبي ليبكي هكذا !؟ وكيف وهو رجل ؟
وأمي تقول الرجال لا يبكون ، وقتها لم أفهم شيئا
حتي جاء صباحاً كان أبي قد رحل من القهر ، والعبودية والظلم
أيقنت حجم ما تألم أبي وما عاشته أمي بدونه وكيف لي بطريق شاق سأمشيه في ظلمات وليال طوال مظلمة
ربت صديقي علي كتفي وقام ليشعل السراج لينير العتمة بعدما اختفي ظل القمر ونوره ، أكملت حديثي إليه دون توقف كأنني أعيد المشاهد علي ذكراتي
تذكرت يوم فتحت باب غرفة أمي خلسة ووقفت بجانب منه أتخفي ....
كانت أمي جاثية علي ركبتيها تشتكي إلي الله وتتساقط دموعها علي الأرض كقطرات المطر الحزينة
احتضنني صديقي بعينان حُبلي بالدموع وقلباً منكسر من شدة اختناق صوتي بالدموع وأنا ابتلع ريقي بصعوبة وقتها وأنا أتخفي خلف الباب موارباً فتحة صغيرة لاراقب دموع أمي
قلت لنفسي : هل ستموت أحلامنا رويداً رويداً يا أمي مثلما مات أبي قهراً ونفتقد ما نحب وسنموت بالبطيء كالشموع التي تحترق حتي النهاية!؟
كان أبي يحلم بي ظابطاً كبيراً يزيح المحتل ويحرر بلدتنا ويدافع عن الحرية ويقول الحق
جريت يومها مسرعاً إلي غرفتي أرتعش تدثرت بغطائي وبت ليلتي والدموع في عيني حتي الصباح
حملت حقيبتي وتوجهت لمدرستي ، وصوت رصاص حولي وطائرات فوقي وضوضاء وضجيج ..
كنت شجاعاً لا أخشاه هذا الصوت وأود لو أن معي سلاحاً أقذف برصاصاته في وجه المحتل الغاشم ، كانت أمي في كل الحكايا قبل النوم تقول لي : أنني رجل وأن الرجال لا يخافون ولا يبكون ولا يهابون الموت فأحبتت صوت الرصاص وأحببت حمل السلاح
كانت أمي دائماً تقول لي : لن تموت حتي يشتعل رأسك بالشيب والشعرات البيضاء وتصبح لحيتك بيضاء كثيفة ولكن أبداً لن تسقط أسنانك ولن ينحني لك ظهر لأنك قوياً
ظننت منذ طفولتي ومنذ حكايات أمي أننا جميعاً لا نموت حتي يشتعل الشيب منا ...
حتي صباح هذا اليوم ، ذهبت مدرستي ممسكاً بيد أختي الصغيرة ، كنا نضحك ونتسابق الطريق بخطوات مسرعة حتي لا تترك أيادينا بعضها البعض فأتركها تسبقني بخطوات حتي تفرح لأنها الصغيرة
لم أشعر إلا وقد أفلتت يدها يداي
كنت هذة المرة قد سبقتها بخطوات فألتفت ورائي وإذا بها ملقاه علي الأرض يغطي وجهها الدماء وصوت الرصاص يعلو في أذني
كانت أختي ذات ضفائر سوداء طويلة أزحت واحده منها كانت تغطي وجهها وقد أغمضت عينيها في إبتسامة جميلة
قلت لها : انهضي ، مازلت ضفائرك سوداء جميلة لم يشتعل الشيب فيها
لم أتذكر شيئاً إلا صوت نسوة يصرخن من الخوف
حملت أختي علي يدي وضفائرها السوداء الجميله تتأرجح يميناً ويساراً طوال الطريق وذهبت لأمي
وقلت لها : مازالت أختي ضفائرها سوداء يا أمي ، لماذا سكتت ؟
لم تنطق أمي واحتضنت أختي بدموع حبيسة ولوحتُ للأحلام مودعاً أختي الصغيرة .
كيف لنا أن نمضي إلي اللاشيء ؟
لا يوجد نور ، النفق كله كان مظلماً نتخبط ، نتعثر دون رؤية واضحة
دائماً كان ظل أبي يحيطني ليقوي عزيمتي ويشد من آزري
كنا نجتمع أنا وأمي علي طاولة الطعام في كل ليلة تحكي لي قصص الأبطال الذين لا يهابون الموت ولا يخشون صوت الرصاص ولن يقترب الموت مني حتي أحقق حلم أبي وأكون ظابطاً لا يهاب الموت ولا يخشي صوت ضربات الرصاص لأقتص لأختي ذات الضفائر السوداء وأقتص لقهر أبي وعبوديته
هذة الليلة يا صديقي أشبه بتلك الليلة التي سقطت فيها بلدي محتلة لكنها هذة الليلة ستكون حرة
إنها ساعة الصفر يا صديقي
سنرفع علم بلادنا الليلة عالياً يرفرف ولن يلحق بي الموت يا أمي قبل أن يشتعل رأسي شيباً وأكون قد اقتصصت لأختي وأبي ويوم رأيتك من خلف الباب جاثية علي ركبتيك تشتكي إلي الله
*بعد سنوات .......*
اليوم ، هو اليوم الأهم بالنسبة لي
ارتديت ثيابي العسكرية التي أهملتها منذ سنوات ونظارتي السوداء واتجهت لقبر أمي ، وأبي وأختي
الآن يا أمي اشتعل رأسي شيباً أنتظر الموت وقد حققت حلم أبي وانتصرت لوطني وأقتصصت لأختي ذات الضفائر السوداء
الآن يا أمي أنتظر الموت فمرحباً به
رضا عبد الحي
مصر
قد تكون صورة مقربة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏طفل‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة