Translate

الجمعة، 17 فبراير 2023

الوادي للكاتب المبدع / نهاد عبد جودة العراق

 الوادي

للكاتب المبدع / نهاد عبد جودة 

العراق

تسكعت خطواته المرتبكة نحو عمق الوادي , يدفعه حب اللجوء الى الخلوة بحماس , سائحا في ملكوت خرافي , يحاور الطبيعة بلسان موجوع وكأنه يستعطفها ان تعيد على شاشة مخيلته تفاصيل احداث عفى عليها الزمن , بلهاث مسموع وأنفاس مضطربة ترغمه على التوقف للحظات لالتقاط انفاس , يشاركه انين سيجارته في احياء مراسيم حداده الابدي , زمن ماكر يزجه في دوامة الذكريات بخبث , يجعله يتخبط في متاهات ماض بعيد وأمنيات خجولة لا ترتقي الى المعقول , يتأ بط ذراعه ويحاور نفسه ويدخل عالم خرافي ينسجه خياله بتأثير من موحيات خارج المعقول , مخابئ مئزره ممتلئة برسائل عشقية وخواطر وأشعار تلهب عاطفته بمزيد من الالم . يؤبن رحيل ذكرياته بتواشيح جنائزية تشاركها النوارس التي يعج بها المكان , مجيئه هنا بشكل دائم لكي يغسل حمى الالم الجاثم على قلبه معتقدا ان هذا المكان هو المناسب لهذه الطقوس , هنا حيث يسكن الصمت والخواء , عبر النهر في عمق الوادي الذي يجمع مياهه من الشلالات المتدفقة من القمم العالية , قدماه الحافيتان تلامس نعومة الحصى وحرير الامواج , يحدث نفسه قائلا : ايه ايها الجسد الهزيل لقد بان خذلانك وانكشفت عورة ضعفك , خريفك الاهوج يباغت كل بارقة امل في روحي ويناصبني العداء بلؤم , كنت مضربا للأمثال في زمن الشبيبة الحالمة وحكايات الحب الذي كان , كنت عصيا على الرزايا الى ان اذلك هذا الزمن المسخ , زمن لا احلام في فضائه الموبوء بالكراهية ولا رفيق يبقى معه , زمن غدار .
ارتقى ربوة في منتصف الوادي ثم رفع بصره نحو قمم التلال الشاهقة قائلا : ايتها القمم الشامخة اسمعي صراخ روحي , لا تغرك عظمتك فلا شيء يدوم تحت الشمس , ثم التفت الى الاشجار والصخور والأمواج ثم قال : ايها المغفلون لا يصيبكم الغرور , قمم الجبال تذلها السيول ذات يوم وتفشي اسراها في مسامع المنخفضات , سيأتي الخريف ويحرق زهو اوراق الاشجار ويشتت طيور الحب التي تتشبب على الاغصان في كرنفال عشق ازلي , ستمسح الامواج اثار اقدام العشاق على رمال الشواطئ , بعد موت الذكريات يعج المكان بعشاق جدد تخبئ لهم الحياة مصائب ومكائد لم تكن بالحسبان .
هذه الجولة تندرج ضمن روتين ثابت , يجددها لكي يعيد نسج تفاصيل الاحداث على منظومته الفكرية التي تأبى النسيان , منظومة رجل عاشق لا يريد ان ينسى , لم تكن الاحداث متصالحة معه ولم تهتم برغباته , رجل بكل هذه المواصفات البائسة من المستحيل ان يرمم ما افسده الدهر, في المعلن هو لا يريد ان ينسى ولكن النسيان ارحم به , هو العلاج الشافي لكل علله المستعصية خصوصا انه يملك ذاكرة قوية وذكريات جميلة .
استلقى على الشاطئ ودقات قلبه تدك اذنه كالمطارق تائها في ملكوت عجيب ومذهل , يرى تلك الامواج الزرقاء قد انقلبت الى لون احمر كالدم , تتدفق كينبوع من جرح قدم حبيبته التي لدغتها الافعى قبل خمس سنوات , صورة راكدة في باله وهي مبعث عذابه المستديم .
نهاد عبد جودة / العراق
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة