Translate

الاثنين، 13 يونيو 2022

الإعتذار بقلم / منيرة شليح الجزائر


 الإعتذار
بقلم / منيرة شليح
الجزائر

جلسا في نفس المكان الذي إلتقيا فيه أول مرة.كانت ترتجف وشفتيها يلحفهما البياض،كأنها عطشة،لم تشرب منذ زمن بعيد.كانت تبدو مرهقة أو كأنها لم تنم لأيام.أما هو،فقد كان يبدو نحيفا وعينيه باهتتين.
لقد إختفى ذلك الشغف منهما.
قال لها،المعذرة ماذا؟لم أفهم.وتنحنح في مكانه.
قالت،أتكلم عن عينيك،لقد إختفى ذلك الشغف الذي كنت أراه فيهما،ذلك البريق الذي كان يملأهما،لم يعد موجودا،او لم أعد أستطيع رؤيته.اتسعت عيونه و بحركة لا إرادية اشاح بوجهه الى ناصية الطريق في الإتجاه المعاكس لها،كأنه يحاول الهروب من نظراتها وتشتيت انتباهها المركز على عينيه.تلملم في مكانه،ثم أخرج سيجارة من علبة نحاس قرمزية اللون،تعلوها زخرافات بأشكال و رموز أمازيغية جميلة،تعبر عن الخصوبة والإزدهار.كانت قد أهدتهال له في عيد ميلاده قبيل سفره الى كندا.
قال ،هل تسمحين،اشارة الى رغبته في التدخين،وقبل أن يتم جملته،تبسمت وقالت،طبعا ،يمكنك التدخين فلقد إعتدت على الأمر بعد كل هذه السنين.
ثم أردفت،يدهشني أنك مازلت تحتفظ بالعلبة.خطف نظرة عابرة نحوها،كأنه يحتج على كلامها هذا.قال و هو يشعل سيجارته،إنها هدية مميزة جدا وتعني الكثير لي.فالرموز التي تحملها،كان أجدادنا يؤمنون بقوة تأثيرها على حمايتنا ومنحنا الإزدهار في كل مناحي الحياة،كما انها تمنح الخصوبة والذرية للناس المتمسكين بها.
مرت فترة من الصمت،لكأن كل واحد منهما غائص في عالمه الخاص،مسافر بالزمان نحو أيام كانت تعني الشباب،الإندفاع والتهور في مرحلة ما في حياتهما.
وفجأة ودون سابق إنذار صرخت،لماذا؟لماذا بحق كل ماكان بيننا فعلت فعلتك تلك؟.انتفظ في مكانه من هول المفاجأة،ونظر في وجهها.كان يحاول أن يستوعب الأمر،محدقا في تقاسيم وجهها الدائري الصغير.متفرسا في ملامحها الغاضبة.خذلتها أعصابها و الدموع أخذت تنهمر من مقلتيها.تلك العيون الواسعة التي خطفت عقله في يوم من الايام.حدث نفسه بذلك.كانت تعض شفتها السفلية و تفرك أصابعها مع بعضها البعض من شدة التوتر مثل طفلة صغيرة.لم ينبت بكلمة واحدة.تركها حتى تعبت من صراخها وتوقفت لوحدها.
قال ،عندما قلتي لي إذهب ذلك النهار،ظننت أنها رغبتك،فذهبت.
توترت أكثر،وقالت أنتم الرجال أغبياء،لا تفهمون شيفرات كلماتنا نحن النساء.ايها الغبي.عندما قلت لك إذهب لم اكن أعنيها البتة.كنت غاضبة منك و من نفسي ومن ظروفنا.المشاكل تأزمت في حياتي ذلك الوقت،و....قاطعها.
قال ،انا آسف.تفاجأت.حدقت فيه كأنها لم تصدق ماسمعت أذناها.قالت في إرتباك،ماسين،مابك؟هل أنت بخير؟.
إبتسم إبتسامة عريضة،ثم قال لا شيء،أنا بخير.لكن لماذا سألت هذا السؤال؟.
قالت،لأنها أول مرة تعتذر لي،هل تدرك ذلك.أنت ماسين المعتد بنفسه يعتذر!منذ خمسة عشرة سنة،منذ أن إلتقينا أول مرة في هذا المكان بالذات لم تعتذر او تعترف باي من أخطائك ولو لمرة واحدة.
زال ذلك الغضب،وعادت البسمة لشفتيها.إنفرجت أسارير محياها،فلقد أصبحت تبدو مثل الطفلة الصغيرة.بكلمة واحدة منه أزاح كل الحزن الذي كان يعتلي كاهلها.
بدأ المطر يتهاطل.قال،هيا يا داميا،تعالي نذهب إلى ذلك المقهى حتى لا نتبلل.نهضا يجريان،وبدل أن تدخل معه،بقيت في الخارج.عندما استدار لم يجدها.نادته من خارج المقهى،ماسين،تعالى،أخرج.تعالى لترقص معي تحت المطر مثل الأيام الخوالي.قال لها،ماذا تفعلين؟داميا،هيا أدخلي سوف تمرضين.لم تعر كلامه اي إهتمام،وبقيت في الخارج ترقص تحت المطر.تبسم ثم قال ،عنيدة.وقف يتأملها بإعجاب،كأنه كان يتأمل تمثال تانيت بملحفتها البيضاء.فكرفي نفسه،إنه نفس الشعور،نفس المشاعر،نفس الانفعالات.أجل إنها نفس الفتاة التي أحببتها منذ لقائنا الأول،إنها داميا حبيبتي.
النهاية
منيرة شليح
....
Copyright 
©️
 Mounira chelih,28/11/2021/الجزائر
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، ‏‏وقوف‏، ‏حجاب‏‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة