Translate

السبت، 23 يوليو 2022

القيامة بعد قليل سماح سعد مصر

 القيامة بعد قليل

سماح سعد
مصر
ينكسر الوهج على حواف الظلام فتنعكس الومضات بسرعة، كطعنات تمزق جسد الدُجى.
أضغاث أحلام. أم أضغاث وقائع؟!
أحبك.. ترن في أذنه كأنما تُقال الآن. مرت سنين مذ سمع هذه الكلمة آخر مرة.. أحبك.. أكانت إدعاء أم حلمٌ جميل؟
اليوم صارت الكلمة هباء.. وصارت المعاني ألغاز..
أيكذب عينه أم يكذب قلبه؟. أيُعاب الزمان؟ أتُنسى الذكريات؟ أم تراها تُستنكر؟ لعلها تُستنكر. أذكر ماضيك ما شئت فما فات قد فات والطريق واحد بلا رجعة.
أتذكر عينيها؟ تلك المكحولتين المزججتين بالجوى. وذاك الفم ... أرض المعارك والسلام.
أتراك تنسى..؟ لعلك تنسى..!
في الأيام الموعودة وبعد سنين الكد والشقاء عاد من الغربة تفحمه الوحشة والذكريات. يتلهف إلى البيت ووقت اللقى. حين تلتقي الأعين وتهتف الأفواه وتلتطم الأجساد في أحضان يغمرها الشوق والفرح.
أتذكر تلك الأيام؟ أيام ما كنت تشتاق العودة. تشتاق لدفء المنزل. تشتاق لدفء الأحضان. تشتاق لعينيّ زوجك والجلوس بين أطفالك. تلك الأنفس الطاهرة.. والنظرات البريئة العاشقة.
ولكن لماذا لم ترَ هذا؟ لماذا لم تلتقِ به؟ لماذا صار الحلم هشيماً تذروه الرياح.. وتتنفس به الذكريات.
ما أضنى الإشاعات حين تتنكر كحقائق.!
نازعته الشكوك في أمر زوجه. وترامت إليه الأنباء عن لقاءات خفية وطلعات مجهول . أتخدعه زوجه بعد كل هذا؟ ألراحة من كان يكد إذن؟ ألمن كان يتيه في الغربة ليحيا هو في الأنس؟ أكان يعبث؟ أكان يذرف الألم والساعات المرة ليُخان؟ أهكذا يا زوجي؟ أهكذا يا حبي؟
راح القال وذاع القيل.. وما شاع قد ثبت وما ثبت قد شاع. وها هو اليوم يُخان.! في البدء لم يصدق.. حاول نبذ الشكوك وتجاهل الاقاويل.. نازعته في الشك نفسه وتقاسم الحيرة معها في ثبات وتأني. حتى رأى.. ويا ليته لم يرى.
جالسة هناك والغريب أمامها.. ولا يفصلهما عن بعض سوى منضدة يعلوها كوبان. أحقيقة هذه؟ حقيقة ولا مراء فيها. ها هو الجسد الحبيب يُسقى العصير .. تاركاً إياه يتساقى بالألم والعذاب.
حاول تكذيب عينيه.. ولكن الدليل ينهي المرافعة.. لا تكذيب ولا تصديق.. لا دفاع ولا محلفين.. ولا مراد من أمر القضاء. وقد حكم القاضي وأمر بالانتقام.
لا تلين اللادن إلا مع الضغطة... وها هي الضغطة وقد أطلقته. كفر الليل بظلامه.. وكفر الحبيب بحبيبه.. ولم يبقَ من الحب سوى الخيبات. لا يعصم العقل عن الرغبة سوى الرغبة. إذا أراد نفذ.. وإذا أعرض اعتصم.
آفة العقل الهوى.. وآفة الحياة الخيانة.!
وما آفتي سوى الشك.. ودون الشك لما تأكدت. إذن فالصلاح في الآفة.. وفي الآفة الصلاح.
أتراك تنسى؟ لعلك تنسى..!
تمخض الليل عن النهار.. وكان آخر الليل قرار وأول النهار تنفيذ. بين الغيرة والشك شعرة. وبين الحب والراحة فدان.
غابت الشمس كالهاربة وراء السحب الكثيفة .. وكأنما تخشى ما ترى. تخشى ما يعتمر من هول في داخل تلك الظلمات. المليئة بالأشواك المتشابكة والنيران الجامحة. تلك النفس الواهمة الموهومة.
وكان منه أول ما رآها أن اختبأ خلف إحدى العربات.. انتظر حتى تدور مع العطفة وتخوض في الزقاق الذي يلوي التنفيذ فيه. يشعر بالاضطراب مع كل خطوة تقرّبه من اللقى. العرق يبلل قذاله .. وينسدل عبر سلسلة ظهره نقطة .. نقطة. ارتعش السكين في يده.
أتعوزك الحاجة عند الحاجة؟ أتخاف الآن وأنت عند المفترق؟ اتتساءل من أين المفر؟ اذهب فالطريق بلا عودة .. ومن يذهب لا يعود ابداً.
سقطت الثانية من عبّ الزمان وصار التقاطها مستحيلاً.
اعترض طريقها وحدق نظراته بين عينيها. كشفت أول ما كشفت عن بسمة لا يعتريها الخوف ولا يشوبها الندم.
امتدت الثانية حتى صارت أبدية .. لا مأوى للذاهب ولا رجعة للعائد.
أغمد السكين وكان من لحظتها أن اعترته الرجفة. اهتزت البسمة أول ما اهتزت.. قبل أن يعقبها اهتزازات ورجفات لا حد لها. تجمدت قبضته على السكين وكأنما تلك اليد قد قُدت من حجر.
أما هي فما كان منها سوى أن تهاوت.. وبين النظرات جحف الشوق وبرزت الحيرة. ولا يخرج من العينين سوى سؤال واحد : لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟
همد الجسد على الأرض. وهمدت معه حماسته. غمره هدوء غريب لم يعهده من قبل.
ما نتيجة كوي النار بالنار؟
انتشل حقيبتها من على الأرض وجعل ينقب هنا وهناك. حتى احتوت يده عل شئ مستطيل.. يطوى إذا شد ويرتخي إذا ترك. سحبه وأدرك ماهيته.. رفع الكارت أمام ناظريه وقرأ بصوتٍ عالٍ:
د. أسعد وهبي.. إستشاري الأمراض النفسية.
قلب الكارت في يده ورأى الصورة المطبوعة عليه من الخلف.. صورة الرجل الغريب الذي رآه البارحة.
ألقى بالكارت بعيداً واسند ظهره إلى العربة وهو يغالب نفسه عن الضحك.. أخرج من جيبه علبة السجائر وأشعل واحدة.. وطفق يفكر بينما الدخان يغمر رئتيه.
أتراك تنسى .. لعلك تنسى؟
وظل واقفاً هكذا ينتظر سماع السارينة..
بلا مبالاة .. بلا مبالاة .. بلا مبالاة ..
سماح سعد
مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة