Translate

الاثنين، 15 أغسطس 2022

نبوءة بقلم / حسن إجبوه المغرب

 نبوءة

بقلم / حسن إجبوه
المغرب
قررت العيش بدونها. نعم، مللت زرع أعضاء ليست لي، ترفضني، تستغلني فتجعل مني مسيرا، خادما مطيعا لرغباتها وشهواتها. تظن أم أولادي بعدما لاحظت كثرة التغيير الذي أحدثه بوجهي كل مرة، حتى أنها أسرت إلي ذات ليلة، بجمالي ورمانسيتي المفرطة، هي التي قبلت الإرتباط بي فقط هروبا من عوزها وطمعا بثرائي. فمن هاته المرأة التي تقبل الزواج من مسخ بدون أذن !
منذ وعيت نفسي لا أكاد أتذكر حدثا عشته بدون أن أتعرض للسخرية من منظري. بالبيت والشارع والمدرسة، قالت أمي أن مجيئي بينهم كان عقابا إلاهيا لتقاعسهم عن التبرك بضريح شريف البلدة..الذي استجمع كل دعواته عليها، كسهم ناري أبيض أحست باختراقه بطنها ذات ليلة قمرية. فمن عادات حوامل البلدة التزلف للشريف بالمنن والعطايا ليرزقهم الذرية السليمة الصالحة ! لكن للأسف ما باليد حيلة وقت مخاضها بي، كان والدي بعيدا، ولم تف بوعدها للشريف، فولدتني مشوها بدون أذن. لذلك وجدتني محط سخرية الجميع.
حتى بعد رحيلنا عن البلدة وساكنتها، تبعتني دعوات الشريف، ونبوءته اللعينة، مات أبي أولا بسقوطه المفاجئ من أعلى ورش بناء، تم بعد ذلك أمي لم تقو على فراقه والتحقت به. فما كان من رب عمل أبي إلا أن يتبناني ربما للتكفير عن ذنبه، أو ربما شفقة بي، المهم بعد أن أصبحت إبنا له خفت حدة التنمر، ولم يعد أحد يتساءل عن سر اعتماري للطاقية السوداء صيفا وشتاءا. الحق يقال أن لولاه لما أصبحت ما أنا عليه الآن. بكل هذا الجاه والثراء بعد وفاته.
يقول الأطباء أن أذنا من السليكون تفي بالغرض، وأنها بالمثالية والجمال، بحيث يصعب التفريق بينها وبين الحقيقية. لكنني رفضت الأمر، أريدها بشرية. لذلك ما فتئت أوزع الأموال لتفادي طابور الإنتظار، وكلما توصل بنك الأعضاء بواحدة جديدة إلا وكانت من نصيبي.
لكن يبدو أن نبوءة الشريف لا يمكن ردها. فع كل عملية جديدة يستتبعها تغير كلي بشخصيتي، يقول طبيبي أنها توهمات بعد العملية. المرة الأولى ومباشرة بعد نجاح عملية الزرع، بدأت أسمع أصوات صاخبة ودوي إنفجارات تقض مضجعي، أسمع أهات وتوسلات جنود بالمعركة! أصبحت كثير الإنفعال، أرغد وأزبد.. فقررت إخراجها من جسمي مهما كان الثمن. سئمت سماع الرصاص والخوف المنتشر بحياتي.وهكذا كنت أستبدل الواحدة بالأخرى أتقلب بين شخصيات الهزل والكسل والخوف والتواكل والكرم والرومانسية...
لذلك عندما أصبحت شاعرا أستهلم قصائدي من المعلقات القديمة، تعلقت زوجتي بي وألحت علي بعدم نزع الأذن الرومانسية. لكن ليس باليد حيلة..
لابد من حل لهذه المعضلة وإلا لن تدوم الحالة أكثر من سنة. ما العمل ؟ الكل يعشق شخصيتي الجديدة الكريمة التي توزع الهدايا والاكراميات، و تمدح البعيد والقريب.
لذلك قررت السفر للبلدة، وإغداق العطايا لضريح الشريف ومريديه. وصلت مساء، تغيرت ملامح قرية طفولتي، سألت أحد المارين عن مكان الضريح:
- سيدي عيدا مبارك تفضل هذه الرزمة ، لو سمحت مرت مدة لم أزر بها البلدة، لو سمحت دلني على طريق الوصول لضريح الشريف.
- شكرا لكم يا كريم، يبدو أنك أطلت غيابك عن البلدة، لم يعد بقريتنا ضريح فقد سويت الأرض التي كان يتواجد بها وعبدت الطريق !
حسن إجبوه
المغرب
لا يتوفر وصف للصورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة