Translate

الاثنين، 30 يونيو 2025

بين السماء والأرض اديب العراقي : نبراس سالم

بين السماء والأرض 

وكأن أبواب الملجأ فُتحتْ لوحدها، كل شيء كان مهيأ، فالبلد في حرب دائمة، وغارات العدو لا تنفكّ تعاود كلما أراد، بسبب أو بدونه، وفي غضون دقائق كل من كان يرقد في ردهات طوابق المستشفى، حُشر في الملاجئ، كأن المستشفى قُلبت ونفض ما بداخلها أسفلها.
رغم الصواريخ ورغم انطفاء الأنوار الأساسية وعلو سحب غبار تراب السقوف الثانوية.، بدأت عملية تقديم المساعدات الطبية، وعاودت بروتوكولات العلاج تدب في عروق المرضى من جديد، لم يكن ضيق المجال عائقا، مثلما كانت جمهرة الناس في كل مكان، بعض المرضى وبعض المرافقين لهم والكثير ممن دخل من الشوارع المجاورة هربا من القصف المستمر.
أطفال تبكي هنا، ونساء تئن من الألم هناك، رجال يقدمون يد المساعدة، وما زاد من الطين بلة، تزاحم المكان بحضور الصحافيين ورجال الإعلام وبدأت التصريحات والتبريرات في اللقاءات المتلفزة لوصف ما جرى وتوقعات ما سيجري.
كنت قد أنهيت خفارة المساء قبل دقائق وهممت المغادرة لولا صاروخ كروز مباغت أنقضَّ على تجمع سكني بالقرب من هنا، شاهدته كان منخفضا، صوت صفارات الإنذار والإسعاف أعادتني إلى المكان.
الكل نزل الملجئ عدا قوات الشرطة والمسعفين رابطوا في مكانهم، يقفون خلف جدران الطوارئ، وقاية من الشظايا وفي انتظار المزيد من الجرحى، شاب في العشرينيات يقف مذهولا ويبكي، يرفض دعوتي له بالدخول والاحتماء من خطر الإصابة، كان يرفض بشدة، لقد ترك والده في الطوابق العليا، لم يستطع حمله مع سريره بكل الأجهزة المربوطة في جسده، ولم يتجرأ على البقاء معه فوق خوفا على حياته، وهو يشاهد من النوافذ الصواريخ تتساقط من كل الاتجاهات هنا وهناك.
-سأنتظر هنا مستغلاً لحظة غفلة القوات الأمنية، وسأصعد راجعاً لأموت مع والدي، متأكد أنه يعاني سكرات الموت غما لفراقي والقلق عليّ لعدم رؤيتي بجواره في هذه اللحظة.
فجأة تيار دفعني نحو الداخل مع وجبة جديدة من الجرحى، أبحث عن صديقي الذي تركته قبل مكملا الواجب، لم أره، ولم يتبق في طوابق المستشفى أحد، حسب ما أخبرني أحد أفرد حماية المستشفى.
نبهني أحدهم، فصورتي على شاشة تلفاز صغير محمول، كان بحوزة مذيعة قناة تلفزيونية تشاهد تقريرها وهو يبث مسجلا على قناة التلفزيون خاصتها، أصبحتُ مادة إعلامية، هذا جيد عسى أن يشاهدني أهلي فيطمئنوا عليَّ، كانوا يواظبون على مشاهدة الأخبار في التلفاز الصغير، يعمل على كهربائية بطارية السيارة، لكن كلام المذيعة صدمني، بخصوص إصابة أحد الأطباء، ستقلق أمي ولن تقتنع حتى ولو بمشاهدتي وأنا أدفع السرير في السلم المخصص لنزول الأسرة، وستبقى صورة الطبيب المصاب تجول في خاطرها، لم تكن الصورة واضحة، فقناع الأوكسجين يغطي وجه الطبيب المصاب، لكن الملابس أعرفها، هي لزميلي في الخفارة، والذي تركته قبل نصف ساعة في الطابق.
-لا تخف يا صديقي، مجرد أزمة ربو قصبي، كالعادة، الغبار والركض أثر على حالتي كثيراً، تأخرت عن الجميع في الطابق فوق، لم أستطع ترك أخر مريض بعهدتي في الردهة، حملته مع كل أنابيب التروية وقنينة الأوكسجين، نزلت به كل سلالم المستشفى، أتعبني جدا، يرفض النزول، يبكي ويصر على إنتظار والبقاء مع ابنه الذي تركه فوق، للقاء حتفهما معا.

1998/12/16

لن أُصافِحْ للشاعر : سعيد إبراهيم زعلوك


  لن أُصافِحْ

بالرُّوحِ أكتُبُ… لا تُقايِضْني الثَّرى،
فَأنا الحُطامُ المُشتَعِلْ في جَبهَةِ النُّكرانِ والصُّبحِ المُرَجّىٰ والمَدى المُختَلِّ.

ما خُنتُ…
لو خانَ الزَّمانُ وكلُّهُ باعَ القضيةَ،
وارتضى صُلحَ المُذَلَّةِ، والهوى المُسْتَحلّ.

أنا الذي مِن نَسلِ "بَحرِ البَقرِ" جِراحُهُ
ما زالَ في أَحشائِ أُمّي يَنشَعُ الخَوفُ الخَجِلْ،
أنا صدى الطُّفْلِ الذي في الدَّفنِ يسألْ:
"هَلِ انتَصَرنا؟…
أم أُعِدتْ بَيْعَتنا؟ … في كُلِّ سوقٍ… في كُلِّ حِلْ؟!"

أكرَهْتُهُم،
لا لَونَهُمْ، لا شَكلَهُمْ، بلْ إنَّهُمْ
وَطَنٌ مُزيَّفٌ في ثوبِ لصٍّ مُعتَملْ
لُغَتُهُمْ؟
تَلْكُ الحُروفُ كأنَّها
مِزَقٌ مِنَ اللَّيلِ الملوَّثِ… لا تُطاقُ ولا تُحتَملْ

ألوانُ رايتِهمْ؟
خَيطٌ مِنَ الدَّمِ في رُقْعَةِ خِداعٍ،
كُلَّما رفرفَتْ، سَقَطَ الحَنينُ مِنَ الأَمَلْ

ما صَالَحتُ…
لا أَرتضي وَجَعَ العُهودِ المَيتةِ
لا أَمدُّ يَدي إلى مَن سَلَّموا
تَاريخَنا في الظُّلْمِ، واحترفوا الهَبَلْ

أنا منَ الجيلِ القديمِ… الطاهرِ الأَلِفِ اليتيمْ،
الذي لَم يَنسَ منْ لَهَبِ السُّؤالِ،
ومن دِماءِ الأنبياءِ خُطاهُ في الميدانِ تَكتُبُ ما رَحَلْ

لن أُصافِح…
لو عَشقتْهُم كُلُّ أَرضٍ
لو سَمَحْتُم للصّهاينةِ أن يُقيموا في دُعائِكُمُ الأجَلْ

أنا مَدىً لا يَنحَني…
أنا قَسَمٌ تَرَبّى في الجُرُوحِ على البَدَلْ
ما بَعتُ موتي…
ولا تَنازَلْتُ عنِ الحُلْمِ الذي ما زالَ يُنْبِتُ في القُلوبِ… وَفِي الطِّفَل

✒️
سعيد إبراهيم زعلوك

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة