Translate

الثلاثاء، 11 يناير 2022

(جولَةٌ في غُرفةِ المفقودة) خالد الرقب _الأردن

(جولَةٌ في غُرفةِ المفقودة)
بحذرٍ شديد يتوجهُ فريقُ العملِ نحوَ مكانِ تصويرِ المشهَدبالكادِ فُتِحَ الباب، الغُرفةُ ظلامها دامس، يتسلّلُ إليها شُعاعٌ خافتٌ من نّافذةٍ موصَدة على متنِها قطةٌ لم تصحُ منذُ سنوات عجاف و قفصٌ خالٍ من القوتِ و الماء كانَ قبرًا لعصفوريّن بعدَ أنْ كانَ ملاذًا لهُما سابِقًا
تعلو هذهِ النافذة التي توقفت بها الحياة طبقةٌ من الغبارِ الكَثيف و تقعُ إلى الزاوية اليُسرى من السّريرِ الذي ترتَمي عندَ وسادَتهِ المّمزقة بعضٌ من الدّمى، تنظرُ إلى ملامحها المُخاطَة فترى فمَها مُقوّسٌ للأسفل و العيونُ تحدّقُ بشكلٍ يجعلُكَ تشفقُ عليها، وجّهوا الكاميرا إلى وسطِ السرير فوجدوا دُميةً مبتورةُ اليَد ، حدثَت هذهِ الواقعة التي شغلت الوالديْن، عندما كانت تتشاجرُ المُتوفاة مع أختها و أرادت أنْ تنتقمَ منها فقصّت يدَ الدّمية المفضلة لديها بتربصٍ و هربت على أطرافِ أصابعِ قدميها الصغيرتيْن ، شعرُها مسدولٌ على جسدِها المحشوّ بالقُطن ينعى من كانَ يسرّحه، تشعرُ لوهلة أنّ هذهِ القماشة المحشوّة تبكي و تتحسّر و تشتاقْ! و كأنها روحٌ بشرية، و عينيها المثبتينِ بزرينِ ملوّنين يستولي عليهما الكِدّ و الذبول!
إنّ القصة القصيرة التي رواها سكّانُ السرير ذي السلّم المكسور كفيلة بصُنع حفلةَ بكاءٍ لدى الجمهور المُتابع لهذا الفيلم الذي شهدَ إقبالًا على عكس غيرهِ من المشاهِد.
لا علينا فقصصٌ أخرى مبهمةٌ ستوضحها الكاميرا بعدَ لحظةٍ من الآن.
تحرّكَت النّافذة قليلًا و أصدرت صوتًا إثرَ ريحٍ خفيفة داعبَت زجاجهُ المهشّم،كانت هذا الصوت، السيمفونية الحزينة للحلَقة.
توجّهنا إلى المكتب أو بقايا المكتب إن صحّ التعبير، فوجدنا أوراقٌ متناثرةٌ بالأرجاء و كتبٌ مفتوحةٌ على مصرَعِيها و رواياتٌ أوقفَ أحداثها فواصلٌ مُتآكلة.
كوبٌ من الشايٌ صنعَ العنكبوتُ لهُ شبكةً في جوفه و بسكويتٌ مُحلى لم يبقَ منه غيرَ فتات، أقلامٌ انتهى حبرُها و ساعةٌ من الرملِ تسربَ كلّ رملِها إلى القاع، و صورةٌ مكسورةُ الإطار، و كمانٌ مقطّعُ الأوتار و قرصُ الموسيقى الكلاسيكية توقفَ عن العمل، و هاتفٌ مهجور، أزرارهُ بكماء و سمّاعتهُ صمّاء، دفترٌ من الذكرى لم يُفتَحْ مُذ فارقَت مدوّنتهُ الحياة حتى أنّ قِفلهُ موصَد و مِفتاحهُ مخبأٌ في مكانٍ مجهول،علبةُ مناكيرٍ جافّة و مزهريّاتٌ ذاتَ أزهارٍ ذابلة .....
بجانبِ هذا المكتبِ الميّت تقبعُ خزانةٌ آيلةٌ للسقوط فارغةٌ لا تحتوي على شيء غيرَ خربشاتٍ منمّقة بريئة و لوحاتٍ صغيرة و صورٍ معتقة علّقت على أبوابِها - يُقالُ أنّ الأم انتشلت قطعة من ملابسها الصغيرة على عُجالة حتى تحتفظَ بشيءٍ من عطرِ ابنتها-.
أُغلقَت الخزانة بأسًى و إلى جانبها درّاجةٌ غطّاها الغُبار، مستندَةً إلى الحائط بحُزن، هي نفسها الدراجة التي تركبُها الفتاةُ في هذهِ الصورة
- وُجهت الكاميرا إلى الحائط المرقّع ببضعةِ صور عتيقة وقتئذٍ-
لكن الموتَ انتشلَ رفيقةَ الدراجة بلا سابقِ إنذار
السقفُ يا سادَة تخضبهُ الرّطوبة و المكانُ بكلّ تفاصيلِه بائس، تكادُ تشعرُ أنّ هذهِ جِنازة و جميعُ الأشياء بالغُرفةِ أقامت الحداد حتى اللحظة و ربما بل حتمًا للأبد.
و عندما أجروا مقابلة مع والدةِ الطفلة كانت بحالة يُرثى لها فقالت بصوتٍ وُلِدَ من رحمِ الدّموعِ :
- في كلّ ليلة أسمعُ نُواحًا مصدرهُ هذا المكان
فكانَ هذا جوابَ سؤالِ الحلَقة
(هل تحزنُ الأشياء على صاحبها حين يموت؟)
قالَ الحضورُ بصوتٍ موحدٍ ذي نبرةٍ حادّة تعزفُ أشجانًا:
نعم نعم، فكراسيّ السينما لم تعد تريدنا أيضًا
أسدلَ الستار و غادرَ الجميع كلٌ يكفكفُ دموعه.
خالد الرقب _الأردن

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة