Translate

الثلاثاء، 10 مايو 2022

النمل الطائر أحمد المودن - المغرب


 النمل الطائر

- لماذا لا تبيع يا زوجي هذا البيت الضيق، وتشتري لنا بيتا أوسع وأجمل، بحي أنقى من هذا الذي نقطنه؟...
تكرر هذا الإقتراح مرارا على لسان الزوجة، لكن الزوج كان يتفادى مناقشة الموضوع، مستعينا بكلمات من قبيل " إن شاء الله...بحول الله...الخير فيما اختاره الله..."
لكن كل هذه المهدئات لم تعد تجدي نفعا مع زوجة لم تعد مقتنعة بحجم بيتها وشكله وموقعه، ومدعمة بالحماة والجارات...
- بع هذا البيت، وخذ قرضا من البنك، ثم اشتر لنا بيتا يشتمل على غرفتي نوم، واحدة لنا، والثانية للأطفال...ومطبخ شاسع وصالون و حمام و و و ...
تقول الزوجة مغتنمة فرصة خلوها بزوجها، ومعكرة عليه صفو متعة كان من المفروض أن تتم دون مقايضة...
أصبح عبد الله شاردا، مشتت التفكير، كثير النسيان، يتحدث مع نفسه بصوت مرتفع إلى درجة يعتقده الناس أحمقا...بل أن قدماه تحملاه إلى أماكن لم يتوقع أن يتواجد بها، ولعل تواجده على أطراف المدينة خير دليل على فقدانه للبوصلة...
جلس حزينا فوق ربوة قاحلة، وقد لفت انتباهه منظر نمل أسود بقريته، في حركة دؤوبة، لا يكل ولا يمل...دقق النظر فإذا به يرى بعض النمل قد اكتسب ريشا ثم طار عاليا، لتتلقفه الطيور وتقتات به.
تساءل مع نفسه: " لماذا يطير هذا النمل، وهو الذي كان من المفروض أن يعيش بقريته، ويتفادى هذا المصير المحتوم؟!
يرفع عبد الله عيناه إلى أعلى، ثم يصوبهما نحو وسط المدينة...بنايات شاهقة، وعمارات مغرية، مساحات خضراء جميلة...وشوارع وساحات...
- أكيد أن زوجتي نبيلة فُتِنَت بما يُعرض من صور لشقق فاخرة للبيع، وبالتالي لم يعد بيتنا البسيط يملأ عينيها...
يهذي مع نفسه، وكأنه يخاطب ظله.
تكررت الإقتراحات والطلبات، صباحا ومساء...بل وأصبحت نبيلة تحاصر عبد الله مستعينة ببناتها...فكان القرار الأخير هو الإستسلام لمطالبهم.
أخذ قرضا...ثم اقتنى شقة جديدة، لتبدأ رحلة الإقتطاعات من راتبه...
اضطر لبيع منزله القديم، ثم باع أرضا ورثها عن أبيه، لكن الدين كان أكبر من طاقته...تذكر قصة ذاك النمل الذي يطير بعد أن يصبح له أجنحة فيصير طعاما سهلا للطيور...
ساءت أحوال عبد الله الصحية، فودع عالم الأحياء في صمت...
بنعشه أحس بالضيق، بل اكتشف أنه جسد من دون روح...شيء ما تسلل من جسده هو أشبه بنور أو ريح لا لون له...طار إلى بيته الذي لم ينعم به سوى شهورا قليلة...أناس حزينون...وآخرون يتحدثون عن قيمة البيت إن قرر الورثة بيعه...
أهل بيته بين حزين وغير مهتم...السماسرة يراقبون من بعيد كضباع تنتظر موعد الإفتراس...
طارت روح عبد الله بعيدا، ثم صعدت إلى أعلى...اشتد الظلام...وبدأت الأسئلة:
- من ربك؟...ما دينك؟...من أين لك بالمال الذي اشتريت به البيت الذي تركته خلفك؟....
أحمد المودن - المغرب
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة