Translate

الأربعاء، 11 مايو 2022

أمل قصة قصيرة بقلم : عبدالله عبدالإله باسلامه اليمن / ذمار


 أمل .

تحرك أبي يزحف بحذر نحو ثقب الضوء مزيحا كومة أخشاب - قال أنها سقيفة البيت- أختي حليمة في حضن أمي، وأنا اتشبث بساقيها، كنا مكدسين فوق بعض نتنفس التراب، وروائح القش، والدخان.
نسمع صراخا مختلطا بأصوات حيوانات تصدر من الكوة التي تسللنا عبرها، وانطلقنا نجري بين أكوام من الخراب، والحطام، وألسنة النار تخرج من كل مكان.
حملني أبي، وأخذ يجري ممسكا بيد أمي، وعند التل الذي يشرف على القرية، توقف ليلتقط أنفاسه، بصق خيطا من الدم والتراب (لم تترك طائرة العدوان شيئا في القرية إلا وقصفته...) يقطع حديثه سعال متواصل، يشبه ذلك السعال الذي أصابه بعد أن بذل جهدا كبيرا في الحقل يومها اصطحبني إلى صنعاء، واشترى لي حقيبة وردية جميلة، ودفاتر، وأقلاما ملونة .
قال أنه يريدني أن أتعلم كي أصبح طبيبة حتى أعالجه من هذا الداء.
أخذت أبحث عن مدرستي القريبة من التل، والتي كنت قد التحقت بها قبل أيام قليلة لكن دون جدوى؛ فقد كان الدخان يغطي كل شيء، انخرطت أمي في بكاء حار، لنسمع صوت محرك سيارة ينهض أبي (هيا هيا قد يعاودون القصف في أي لحظة) .
هربنا إلى العاصمة القريبة من قريتنا، لكنهم قصفوها بعنف، ودمروا الطرق، والجسور، هربنا إلى مدينة أخرى، لم نلبث فيها حتى نزحنا مع كثير من سكانها، ثم انتقلنا الى مخيمات النازحين، وفيها أصيبت أمي بالكوليرا،
أنا متأكدة لو أنني كنت طبيبة لشفيتها بكل تأكيد.
هربنا من الوباء إلى مخيم آخر، ثم آخر... كان موتها صعبا علي، وعلى أختي التي أصبحت لا تفارق حضني.
ومع مرور الأيام لم أعد أشعر بالتعب من حملها طوال الوقت فقد أصبحت خفيفة الوزن، وديعة، تنام وعيناها مفتوحتان، وعدتها حين أصبح طبيبة أن أعطيها الدواء، وأبقى بجانبها وأرعاهاحتى تشفى، ولن أكون مثل طبيب المخيم الذي انتظرناه أسابيع طويلة ولما جاء نظر إليها وهمس في أذن أبي بكلمات جعلته يجهش بالبكاء!!، كنت أحدثها طوال الوقت عما سنفعله في القرية عندما تنتهي الحرب، وهي تنصت، وتبتسم لوهلة ثم تعود لتئن بصوت خافت، بعد أيام من زيارة الطبيب أخذت تموء كالقطة الصغيرة لم تلبث أن لحقت بأمي !.
أصيب أبي بنوبة السعال من جديد، لم يكن ليهدأ إلا بعد أن أدهن صدره بزيت الزيتون الدافئ، يبتسم لي ويحتضنني (شكرا يا دكتورة).
لكن المرض اشتد عليه وبعد أسابيع جاء الطبيب وقال :(يجب عزله فربما يكون مصابا بالكورونا)، قال أبي : (أنني أفهم أفضل من ذلك الطبيب)، وقرر العودة بسرعة إلى القرية، لكن عندما وصلت إلى القرية كنت وحيدة.
مرت علينا سبع سنوات بين الهروب والنزوح، وعند حطام مدرستي بكيت بحسرة، ومرارة، انتشلني صوت أبي يناديني : انهضي يا دكتورة أمل .
عبدالله عبدالإله باسلامه
اليمن / ذمار .
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏وقوف‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة