Translate

الجمعة، 3 يونيو 2022

أحمد بو قرّاعة: تونس "عيش عرفي"


 أحمد بو قرّاعة: تونس

"عيش عرفي"
فرِح فرحًا أجْبَر شفتيْه على فكّ اللّصاق بينهما ابتسامًا و الإنفراج ضحكًا لمّا صادف لافتةً كبيرةً نصبتْ في ساحة المدينة محاذيةً لتمثال الحاكمِ السّابق مكتوبٌ عليها بحروف لمّاعةٍ "عيش عرفي" تحتها أرقام هواتف كثيرة.
قرأ مليّا و حفظ المكتوب حفظ الأئمّة فاتحة الكتاب .نظر في التمثال نظرة العارف بأسباب تركيز اللّافتة إلى جواره .و مشى يحاذر الزّحام متحدّثا كمن يُخافتُ صديقا بصوت رقيق يقول"الحمد لله أن أبدلنا حاكما خيرا من سابقٍ كان يحكمنا ففكّ أسرا و وسّع ضيّقا فلعلّه أقرب إلى الله و أقصر مسلكا إليه و أيسر على من ضاقت نفسه بوجه مألوفٍ غير موصوفٍ في بيت ما خطا فيه خطوة إلّا أحسّ أنّ الحيطان تُزاحمُ بعضها حتّى تكاد تعصره إنّ بعد العسر يسرًا عسرُ المحاكمِ و نكدها و الخوف من قاضٍ يضحكُ للمرأة بعين و يتوعّدُ الرّجلَ بأخرَى و أذنُه سمّاعةٌ لكذبِها و صمّاء عن صدقِه و لسانُه منبسطٌ لها و متوعّد إيّاه .يُسْرٌ يُبْعِد عن النفس وحشة مكتب المحامي و طلاقة لسانه جريًا بالكذب و حذقه ، إنّه مخرج حسن من"أبغض الحلال عند الله الطّلاق"
وقادته قدمٌ كأنّها الحمار ألف الثنيّةَ و المربطَ إلى عمارة أرشده حارسُهَا إلى مقصدِهِ .استأذن فأُذِنَ إليه:مكتبٌ فاخرٌ يجلسُ إليه رجلٌ أنيق سمة النّعيم في وجهه ،و على الطّاولة جرائد و مجلّات و أوراق مطبوعة و أشياء أُخَر .
رحّب به صاحب المكتب حتّى كاد يستأنس ، ثمّ قال كمن يمازحه "سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كتّا له بمستطيعين الآن و قد صَلُح الدّهر و توسّعت بصيرة الحاكم و أُغمضَت عينه فأجاز و أباح فالمصنع مصانع و الشّركة شركات و الواحدة كثيرات ، وليأت كلّ إنسات حرثه و لكن من حيث أمره الله و يسّر له أمره"
و سرّته و أفرحته إشارة إلى "نساؤكم حرثٌ لكم فآتوا حرقكم .."فقال :"قول مريحٌ وافتكاكٌ من عصفٍ و قصف و رعد و ريح لغُولٍ فصيح مخيف في منزل غير فسيح"فأجابه:"عتدنا الفاخرة الضخمة الفخمة والبيضاء و الفحمة و جاءتنا حديثا الصغيرة الجميلة ،و لنا أيضا من ركبها غيرك سهلة القَوْدِ و لكلّ ثمن...
و أضاف يمازحه :"لكلّ مركوب ثمنه أمهرُ البكر كالأرملة أو المطلّقة فأيًّا منها ترِيدُ؟
فردّ مستبشرًا :"ذلولًا أُريدُها ، صمّاء بكماء ، لا ظفر لها ولا حافر ، طيِّعة طائعة سهلة القود، وجهها مغرٍ و قفاها مشوّقٌ ، إذا ركبتها نسيت عيرها..." فقال له :"عندنا من كلّ ما يريحك أصناف و أنواع ، فكم يومًا تُرِيدُها ؟"فأجابه :" زوجتي تغربُ السبت عشيّة و ساء مطرُها الإثنين ضُحَى ،ليومين إذن ...فُسحة و متعة و راحة "فضحك صاحب المكتب و قال:"فتح الله لنا جميعا أبواب الرّزقه ، لنا منك بخمسين لكبّ يوم ،و الإنفاق عليك"فقال له :"أَليس يحتاج ذلك إلى عدل إشهاد و شاهد و مشهود و بيّنة و أشياء أخرى ؟"فضحك له وقال :"نحن الملّاك و العدول و الأشهاد و كلّ الأشياء الأخرى ، و هذه العقود موثَّقة "و قدّم له ورقة خُطَّ قي أعلاها "عَيَّشْ عَرْفِي"لكراء السيَّارَات :عناية دَائبة و صيانة دائمة.فاسودّ وجهه و يبست شفتاه وارتعشت يده وضغط بالأخرى على أسفل بطنه ،و بعد صمت قال:"سآتيك بعد حين ، وخرج متثاقلا يقول:"صدق الجاحظ حين يقول "لعمري إنّ العيون لتخطىءُ...يوقع الضّيق في الكرب و الغلط...لقد قرأت عيني المتضرّرة "عِيشْ عُرْفِي" و صدَّقَتهَا نفسي الملتاعة...
لعن الله العُرْفَ و العَرْفَ و الأَعْراف...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة