"مرثيّةُ البنفسج"
في مرثيّة البنفسج حاولتُ أن أُجسّد حالة وجودية تتحدث فيها أدوات كالقلم والرخام واللون البنفسجي، لتعبّر عن صمتٍ عميق وحيرة في زمن تلاشت فيه المعاني.
البنفسجي هنا ليس لونًا فقط، بل رمزٌ للانتظار والتعفّن الروحي، بينما يحمل القلم والرخام عبء الكتابة والذاكرة. إنها محاولة للتأمل في العلاقة بين الشاعر والكلمة، بين الحضور والغياب، وبين الألم والأمل، في زمن تبدّلت فيه الأدوار، وصار العالم يبحث عن معنى جديد.
"مرثيّةُ البنفسج"
(قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي)
دريسدن – 17.06.2025
ماذا سيكتبُ الشاعر،
إن وجد قلمًا بنفسجيًّا مُلقىً في الشارع،
وعلى الرصيفِ صفحةٌ من رخامٍ
ترتعشُ من الفراغ، في قلبِ النسيان؟
هل يُمسكُ بالقلم؟
أم يُواسي الرخام؟
يدلّكه، يمسحه بأكمام قميصه،
يُظهر له عروقَهُ الملساء…
وهل القلمُ البنفسجيّ
يُجيدُ مواساةَ المرتعشين؟
ثلاثتُهم مساكين:
القلم، والرخام، واللونُ الضائع،
قرّروا أن يصمتوا…
حتى صرخ الطريق:
“خذوا القلم!”
فكتبوا شيئًا
عن دبيبِ القوافل،
عن زَبَدِ أفواهِ الجِمال،
التي غرِقتْ في حنينِ المسافرين،
حتى صار في وجهي
صوتُ الرحيل…
وأنا ممتدٌّ
مثلَ خُطىً نسيتْ آخرَ الأمل.
وصرخ الرصيف:
“قتلني الرخامُ المسكين!
يا ليتني نحّات،
لأصنعَ له فراشة،
أو أحملهُ شاهدةَ حزنٍ لحسناءَ
أهملها الغرام،
فانتحرت في عينيها السماء!”
فقال البنفسجيُّ:
“سئمتُ الانتظار،
لونُ الذكرى يتعفّنُ بي،
وسأصفرُّ…
أو أبهت،
كقعرِ فنجانٍ
يبكيه من سكب عليه الرقة.
فمن يواسيني؟
كنتُ لونًا وصرتُ حيرة.”
وأما الشاعر؟
فلا يهاب، ولا يغار،
يتغنّى بشمسِ النهار،
وفي الليلِ يعزفُ
أنشودةَ الحروف،
وكأنها ثقلٌ على كتفيه،
أو جرحٌ لا تُطيبه الأشعار.
مسكينٌ،
قد طلب من الحياة
أن يكون قرميدًا
في سقفٍ ينهار.
الكلُّ مجبولٌ بوحلِ السأم،
فماذا ينفعُ الانتظار،
في زمنٍ
صار فيه البحرُ قبطانًا،
والسفينةُ
تبحثُ عن مخابئ المحار؟
وسمع الشاعر ما وجب أن يُسمَع،
فأخذ القلم…
وكتب على الرخام:
**“ستمُرُّ عليكم أيّام
تُمسكون فيها بالذهب،
فيصيرُ ترابًا…
فلا تحزنوا.
وستمُرّ أخرى،
تُمسكون فيها بالتراب،
فيصيرُ حجرًا —
وهذا، في الأقل،
أفضلُ من الخيبة.
لا تُفكّروا بالخيبة كثيرًا،
فحتى الحجر… نجاح.
ليست الوحدةُ ما يُؤرّقكم،
بل تلك الأفكارُ المتسلّلة
من أفواهِ الآخرين —
هي التي تصنعُ الألم.”**
ثم قال وهو يميل على الرخام:
“انظروا إلى وجهي…
لا حرفَ يَطلع،
ولا شِعرٌ يلمع،
على حاجبِ شاعرٍ
أنهكهُ صبرٌ…
ظنَّهُ الناسُ شفقَ انتحار.”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق