Translate

الأحد، 19 يونيو 2022

وحيدٌ في الغبار بقلم / حميد محمد الهاشم - العراق


 قصة قصيرة

وحيدٌ في الغبار
بقلم / حميد محمد الهاشم
العراق
اقترب منهم كعادته كل صباح،رقصة جميلة ، بل أجمل رقصة يظنها راقصها، وكان قد مسكَ العصا من وسطها ،ثم دار حول محوره ،راسماً دائرةَ رقصٍ جميلة،وكذلك الزبّالون الذين معه فعلوا ذلك ، تلك كانت الساعة الثامنة والنصف.. لم ينهوا القمامة أبدا ،فلماذا يرقصون الآن؟!..ألأنهم يشعرون بأنهم سيبيدونَ القمامة المتطايرة..أوراقاً..قشور برتقال..حضانات أطفال ووو.
ربما، هههه!!!.
,ثم يكررون رقصتهم بعد العاشرة، دبكة العاشرة لها ما يبررها،فقد حسموا واقعة الرصيف هذه.
قائد أوركسترا الغبار هذا..تدفعه نشوة الإنشراح للهذيان دون وعي أحيانا،هل يتعاطى شيئا؟ لا أعرف!..بفرح ونشوى يتحدث عن يومياته،ابتداءً من العاشرة ليلاً حتى رقصة العاشرة. هكذا يندفع الزبال ليقرر جغرافية وتاريخ يومه، وهي كل ثروته وأمجاده.
يبتسم ذلك الطالب الجامعي حين يمرُّ من قربهم،وهو يرى ذلك في أكثر صباحاته، وصولاً الى كراج سيارات الكوستر القريب من منعطف المكانس.
" نعم، الحياة فكرة لكنها أحيانا مثل الزبالة،والزبالة جزء من فكرة، أو فكرة كاملة، ليست دائما مخلفات ،انما في الأصل هي الحياة...وهذه تحتاج إلى منظف في حالة نشوى حد السكر وهو يقوم بمهمته".
وحيد هذا، _وهذا لقبه وليس أسمه_ قال ذلك وهو واقف في قاعة المحاضرات لعلم الأجتماع.
أنزل أستاذه الدكتور فكه الأسفل وفغرَ فاه وهو فوق المنصة،ألتفتتْ رؤوس الطلبة الذين أمامه بعيون محملقة فيه، أماخلفه فعيون الطلبة تنهش قفاه.
والوشوشةُ تتصاعد.
كان قد علقّ وحيد بهذا على ما كانت تقوله طالبة شقراء حول" تكاتف الأعمال بإرادة دون إرادة العاملين او دون أن يعرفوا ذلك، وهذا يمنحهم سعادة ما"
تلك الطالبة الجميلة التي كانت قد مسّتْ بأصابعها الحريرية ركبتي وحيد دون قصدٍ بينما كانت ذاهبة إلى مقعدٍ في الطرف الآخر من القاعة.
هاهو يبادلها المسَّ ودون قصد أيضا، لكنهُ يمسُّ فكرتها.
" أنها سخرية..عن أي زبالة يتحدث ؟".
قالت الطالبة الغاضبة في القاعة الصامتة.
أصرَّ وحيد الذكي في علم الاجتماع مفسّراً ما كان يقول" أقصد أن السعادة تدخل الى القلب أحيانا دون وعي المرء نفسه، حتى إذا كان يرفع مكنسة التنظيف حين لا يفكر......"
قوطع وحيدنا هذا في تأملاته هذه حول فرحِ الكناسين ،قوطعَ بضحكٍ متواصل من الطلبة،ودقات الأستاذ على منصتهِ،وغضب الجميلة ببنطلونها الجينز.
وحيدٌ كان مصراً على أكمال مقطوعته التأملية رغم ضراوة كل شيء.
" أعني أن المكانس أحيانا تدخل في الفرح مثل البيارق في الأحتفالات..لكن المكانس تخص...."
لكن الاستاذ قاطعهُ صارخاً" كفى.. كفى".
الأستاذ لم يكتفِ.
" بسبب هذه السخرية ،أنت محال للتحقيق"
الأستاذ يزيد على ذلك.
" ويجب أن تعتذر للطالبة أيضاً"
يوم بائس في حياته، يوم بائس لما أفرزهُ له عقلهُ، قراءتهُ،تاملاتهُ في كل ما يرى.
بعد التحقيق الشفهي والأعتذار الرسمي عاد منهمكا عند الرابعة عصرا؛ ليشاهد شَفَتْ الزبالين المسائي،..لكن لا رقص في المساء.
،تعمد أن يقترب منهم طالما أنهم سبب يومه البائس ،ورزنامة قائد الأوركسترا تدق في رأسه" في الثامنة مساء عشاء البصل والطماطم.. وأحيانا بطاطا.. الحادية عشرة ليلاً أضاحع زوجتي، بعدها أنكبُّ على وجهي في شخير متقطع..عند الفجر احيانا أوقظها مرة أخرى..صباحاً كوب شاي وبيضتين..الثامنة تبدأ رحلة الأرصفة..عند العاشرة تبدأ رقصتي المعتادة".
ماهي رقصتك أيها البائس ؟! تمتم مع نفسه ذلك وهو يتذكر" في الحادية عشر كنتُ في مقرر القسم..لا سخريةَ مقصودة..في الثانية عشر كتبتُ تعهداً بذلك أنْ لا أعود لمثلها، بقصد أو بغير قصد،في الواحدة قَبِلتُ أن أقدّم اعتذاري لفاتنة الصف..كثير من من الشعور بالحماقة والحزن تطوق هواجسي".
هذه هي يومياته.
لم ينم إلا قليلاً من ليلته تلك،عند الصباح تهادتْ إليه من نافذة بيتهِ هوسةالمكانس فيما كان يفكر كيف سيقدّمُ اعتذارهَ اللاضروري في منتصف القاعة وبين ستين طالبا لتلك الفتاة..تقاطر إلى ذاكرتهِ بيت المتنبي " ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ."
فيما تعالت أهزوجة الغبارالصباحي تلك" هاي الدنيه مكناسة، ليش تفكر زايد بيها"
إنتهت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة