Translate

الأحد، 31 يوليو 2022

سيدتان على الطريق .......... د. إبراهيم مصري النهر .........أخصائي الأمراض الصدرية... مصر


 سيدتان على الطريق

د. إبراهيم مصري النهر
أخصائي الأمراض الصدرية

استوقفتني عند عودتي إلى البيت في وقت متأخر من الليل سيدتان، انحنت احداهما صوب نافذة السيارة وقالت بنبرة حزينة تستدر عطفي: الله يربحك خذنا معك، معنا طفل مريض وأشارت إلى لفافة تحملها السيدة الأخرى وتضمها إلى صدرها.
ركبتا في الكرسي الخلفي وهما تلهجان بالدعاء لي، ثم دار بينهما هذا الحوار:
-أرضعيه.
-اسكتي ما صدقت إنه نام، من المغرب على صرخة واحدة.
-هل ما زال سخنا؟ .. ضعي يدك على جبهته وتحسسي حرارته.
-أوووه، مولع نار.
واستدركت: أبوهم رامي الحمل عليّ من أكل وشرب ومصاريف مدرسة إلى علاج وأدوية؛ يتركنا بالشهر بدون مصروف. مرتبه كخفير خاص يكفي بالكاد نفقة كيفه..
والسيدة الأخرى تجاريها في الحديث، تحثها على الصبر وتواسيها ببعض الكلمات.
نكشتا بإبرة حديثهما المؤلم جرحا بقلبي لم يندمل برغم المدة الطويلة التي مرت عليه، عشر سنوات بالتمام والكمال، عندما مات ابن أخي بين أيدينا بالحمى. لم نجد سيارة تنقله إلى المستشفى في وقت متأخر من الليل، وبينما أعتلج مع هذه الذكرى...
بدت أنوار المدينة من بعيد تزيح ستارة الليل الحالك، ورتل السيارات وأبواق عربات الإسعاف تقطع السكون الجاثم بثوبه الأسود على صدر ساعات الليل.
عند بوابة المستشفى توقفت وأخرجت حافظة نقودي، طويت مبلغا في يدي، واستدرت إليهما قائلا: هذه بوابة المستشفى التي تنشدانها، وخذا هذا المبلغ ربما تحتاجانه في شراء وصفة العلاج.
تمنَّعتا تمنع الراغب في بادئ الأمر، ومدت احدهما يدها وأخذته وهما تشكراني.. ودخلتا من البوابة.
تحركت قليلا وتوقفت، معاتبا نفسي؛ كيف أتركهما في هذا الوقت المتأخر وهذا الموقف الصعب، ربما يحتاج الطفل إلى علاج من الخارج، أو ربما.. أو ربما...
ركنت السيارة بجانب سور المستشفى وترجلت مسرعا أطوي الأرض طيا، بمحاذاة البوابة ألقيت بناظريَّ بعيدا لتسبقني إلى الداخل برفقة ضوء الكشافات.. وقعت عيناي على السيدة وهي تنفض اللفافة وتضعها على كتفيها.
د. إبراهيم مصري النهر
أخصائي الأمراض الصدرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة