قراءة لنص " إضاعة" لكاتبه القاص أ / صابر المعارج الفائز بالمركز الأول في المسابقة الدورية لكتاب القصة القصيرة جدًا في الجزائر من اعداد القاص زكرياء نورالدين.
النص:
إضاعَة
تلاشى في آفاقهِم صداه، لملمَ شتاتَ ظلِّه، أودعَ في التّيهِ خُطاه.
لمّا ألمتْ بهم نوائبٌ؛ توسلوا أثرَه...
بيد أنّ الريحَ استباحتْ ذاكرةَ الرمالِ.
الاشكالية:
لماذا تلاشى صداه؟ عن اي ظل و تيه يتكلم الكاتب؟ ما النوائب التي ألمت بهم؟ لم توسلوا أثره ؟ما المقصود بذاكرة الرمال؟.
- بالعودة للنص..
نرى أن الكاتب ذهب لجعل قصته صعبة الإدراك ليس بمفرداتها السهلة بل بالغموض الذي يعتريها و التلغيز الذي يشوبها ما جعل منها قصة تستوجب علينا التأمل و المثابرة في حل و فك شيفراتها الشيء الذي عاب القصة هو عدم وجود مخارج في النص لتوحي بالإنفراج و الانفلات من القفص الذي تسكنه لذا فالنص جد صعب و ليس بالذي ندركه بسهوله عكس ما كان يكتب القاص و يسرد..
ما ان ولجت عتبة النص حتى استوقفتك "إضاعة" كعنوان للنص بين أيدينا و القارئ لهذا العنوان يجد فيه حصرا و تحديدا فالبين من العنوان أن هنالك فقد و ضياع لا غير و الدارس للعنوان و المقاربة من المفردات لا يجد سوى انحصاره في موضوع النص و هذا غالب لما استقصيته من خلال النص و حيثيات السرد المبطن فيه و هذا محسوب للقاص الذي ارسلنا في سرمدية قرار الكلمة و انحصارها بمفهومها لا غير، دائما ما نعتمد في القراءات على القرآن و الاحاديث و الأساطير و الأمثلة و الروايات وغير ذلك مما يستلزم الإختزال و يقبله طوعا أو كراهية، أما العنوان "إضاعة" فما له من دليل عن نتاص أو اقتباس، كما أن الكاتب و من خلال التجول بأروقة النص لم يعتمد على شخصيات كثيرة بل هي عرض حال لواقع عايشه أحدهم ، فدائما ما أقول و أروج لمقولتي أن" الأدب عرض حال" و هو ما قام به صاحب النص هنا.
- استهل الكاتب نصه ب(تلاشى في آفاقهم صداه) هنا دلالة على وجود شخص يصرخ في الناس و يعض و ربما ينادي في هداهم و يسرل ما امكنه من نصائح و لكنهم اناس لهم آفاق غير تلك التي ينادي بها الشخص الرئيسي في هذه القصة لذلك تلاشى صداه في آفاقهم(لملم شتات ظله) هنا الخيبة و الضعف في المواقف و ربما قلة المستمعين لا الضعف عينا كمن يجر خيباته وراءه من شده الانكسار (اودع في التيه خطاه) هنا دلالة على اتخاذ الشخصية قيد الشرح طريقا غير الطريق الذي ألف أو ألفه القوم فجعل من خطاه تيها لا يمكن تتبعه لذا فالإضاعة التي بادر بها القاص في عنوانه بدأت بالشكل هنا و بالمضمون في الشلاشي الأول (لما ألمت بهم النوائب توسلوا أثره) هنا تبرز الشخصيات التي كانت تنادي فيها الشخصية الرئيسة دون جدوى الا أن النوائب شر و ما كان منهم الا ان استصرخوه هنا استحضرني قوله تعالى " و جاء رجل من اقصى المدينة يسعى قال يا قومي اتبعوا المرسلين...." الآية.
و لعل القاص يدرك ذلك في قرارة نفسه دون البوح به لذا فالتناص عبرة و رفعة و اقتداء و هذا ما يجعل العمل القصصي ذا بعد ديني او اسطوري او تاريخي....الخ و الشيء الذي يوضح لنا القصة من ابعادها هو القفلة التي جاءت لتدمغ الضياع بعينه في قوله(بيد أنّ الريحَ استباحتْ ذاكرةَ الرمالِ) و هو ان الجمع اصطدم بالضياع في محاولتهم في تقصي أثر المنادي بفعل الرياح و إن يكن فالريح هنا قد يكون أكثر من مجرد عامل طبيعي و هذا حسب ما اخفاه عنا الكاتب في نصه هذا و ذاكرة الرمال هي الاثر و الريح ماحيه له.
كما يبدو لي فإن الكاتب ابرق الينا حالة من الضياع و قد اضاعنا و إياه في هاته القصة المفخخة و الغير مبسطة رغم انها قصة قصيرة جدا متكاملة الاركان و الشروط.
- هذه نظرتي.. ولعل هناك تأويلات أخرى لا تنفك تظهر للعلن ما إن تعددت القراءات.
......................................
نظرة سريعة على بعض خصائص النص الفنية:
1/العنوان :(إضاعة) جاء نكرة غير معرف ...إلخ
٢- الاستهلال: اعتمدت الكاتب على شد القارئ بأسلوب سردي مع حشو قصد تثبيت انتباهه في محاولة منه لحصر القراءات و استنباط ما يجده الكاتب مفروض و ما يراه القارئ معروض، حيث أن الكاتب اعتمد على قلة الوصف و ادرك أهمية الاختزال قدر المستطاع فكان له ما يصبوه و يرومه في طرح حالته و هذا ما يقوي الققج سواء من ناحية الشروط و الاركان فالاختزال و قلة الوصف يعزز تعدد القراءات و يبسط سرديتها و هذا ما لا يرغبه و يطالب به عديد الكتاب و هو ما سبق و ان حكم بضرورة الاختزال و التقليل من الوصف مع الحشو غير أن التلغيز طاغ في النص و التشفير يحتاج لآلة فك و هذا غير محسوب للقاص كون التلغيز يضعف الرغبة في التحليل و يثبط العزائم..
٣- القفلة: جاءت كما اراد و ليس كما أردنا فالقاص أفلح في جعل النهاية جد جلية خاصة من خلال رصد العنوان و الذي يجب أن يكون بعيدا عن حيثيات القصة و يكاد يدنو منها و هذا ما جعلها قوية لتبقى بذلك قفلة جميلة.
٤- الرمزية: نص طغت على احداثه الرمزية والأيحاء،
مثال لبعض الرموز:
*تلاشى في آفاقهم صداه: دلالة على النجوى و الحث على فعل ما ...
*لملم شتات ظله: دلالة على يأسه من المناجاة..
*بيد أنّ الريحَ استباحتْ ذاكرةَ الرمالِ: دلالة على استحالة تقفي أثر للشخصية الرئيسة.
٥- السرد واللغة والتكثيف: سرد موفق لأحداث القصة، نص يتسم بالحشو و التكثيف، كذلك ببساطة المفردات و جمالية الوصف.
- لغة سهلة بمفردات عمومية واضحة، استخدم القاص الأفعال الماضية عموما.
- قدم الكاتب نصه بطريقة خاطفة، من الماضي الى الحاضر في محاولة منه لثتبيت فكرته و صناعة قصة ذات بعد زماني.
٦- الشخصيات: هنالك شخصية رئيسية بارزة و هي التي تحاول تصحيح وضع ما او تقديم نصح او انارة درب ...إلخ مع وجود شخصيات اخرى أو جمع اوحشد من الناس.
٧- الزمان والمكان: حصلت أحداث القصة في زمن الماضي، بدليل استخدام الكاتب للأفعال الماضية في سرده،
*المكان غير محدد مادامت القصة من ضياع لضياع.
و في الختام و من وجهة نظري أرى أن الكاتب قد أفلح في صياغة قصة قصيرة جدا متكاملة الاركان من العنوان الى النص الى القفلة على الرغم من كثرة التلغيز فيها و التشفير الذي صعب قراءتها و لم يتح لنا المجال لفهمها بالشكل الذي يضمن لها الجمال و الألق.
أما السؤال الذي يطرح نفسه لم كل هذا التلغيز و التشفير و ما مراد القاص من كل هذا؟.
الكاتب و القاص:
زكرياء نورالدين.