مريم الراشدي
قصة قصيرة
أول نبض
من إحدى نوافذ بيتهما العتيق، كانت تلقي "جليلة" بنظرها على أجمل من رأت عينها وهفا له قلبها، وحيد أمه الذي أنجبته بشوق بعد ست بنات. كانت تسترق الإطلالة من نوافذ الطابق الأول الذي كانت تقطنه وعائلتها على بهو المنزل بالطابق السفلي الذي تقطنه أسرة "عبد الوهاب".
كانت جليلة أكبر إخوتها وتسكن مع والديها اللذين قررا الاستقرار بتلك المدينة بعد ان احترق معمل النسيج الذي كان يعمل به أبوها في العاصمة الاقتصادية، وكان عبد الوهاب الابن ما قبل الأخير في عائلة اختطفت منها المنية الأب في ظروف قاسية للغاية.
كانت في السنة النهائية ابتدائي وكانت تفتعل ضعفا في مادة الرياضيات وتشتكي لأمها في كل المرات. كان الأب قليل الدخل وصعب الطباع، وكانت الأم تتعايش مع بخله وتحاول توفير بعض المال لكن مع متطلبات أطفالها التي لا تنتهي، ما كان باستطاعتها توفير أجر الدروس الخصوصية.
- "يا عبد الوهاب، الله يرضي عنك، ممكن تصعد عندي ؟
- حاضر خالتي فاطمة.
نبض جليلة يتسارع، كأنها ستُجري امتحانا عسيرا. وجود عبد الوهاب يفرحها لكنه يذكي توترها ذات الآن.
- لو سمحت يا ابني، أنت تفوق جليلة بأربع سنوات دراسية، وهي عندي تعاني بعض الهنات في الرياضيات. هلا أمكنك مساعدتها في تلك المادة ؟ ولك علي مبلغا يسيرا تستعين به أنت بدورك في أمور ربما تحتاج فيها إلى مال.
- طبعا خالتي، بكل سرور، أساعدها. لكن لا عليك، لن آخذ منك فلسا واحدا. أنا مثل ابنك سي محمد. فهل ستعطينه مالا إن هو ساعدك ؟
- حفظك المولى يا بني. لكن لا تظنَّ أنني سأقبل بمجاملتك. أشكرك عليها .... "أعرف البئر وغطاه" كما يقال.
خفض عبد الوهاب عينيه وقارا للسيدة فاطمة وأجابها بالقبول ثم استأذن في النزول.
كانت جليلة تتتبع كل حرف من أمها وكل حركة وحرف من عبد الوهاب وكاد يغمى عليها من الفرحة حين وافق على مساعدتها. أسرعت لمذكرتها الشخصية وبثت فيها :
12 أبريل 1980
كان ببيتنا أجمل شاب بالدنيا.
وافق أن يساعدني في الرياضيات. ليست مادتي الصعبة.
لكن أمي ابتلعت الطعم وفزت أنا بقرب عبد الوهاب.
ياااا سعدي ويا هناي، قد نلت أول مناي، قلبي يدقّ يدقّ ...
كانت أولى حصصها الأسبوعية مساء يوم السبت الموالي ليوم الاتفاق والثانية يوم الأربعاء وكانت جليلة تنتظر هذين الموعدين على أحر من الجمر طيلة الأيام الأخرى. لم يكن أبوها يعلم بهذه الدروس ولئن عرف لكانت مشكلة كبيرة بينه بين أمها لأنه لم يكن فقط بخيلا بل رافضا تمام الرفض لهكذا لقاءات بين ابنته وشاب غريب بالتأكيد، وإن كان جاره الأقرب وبالبيت وتحت ناظريه ولمصلحة ابنته في قمة الاعتبارات.
توالت المرّات وتوالت الأسابيع وكبر في قلب جليلة ذاك النبض العذب ولكنها ما مرة أخطأت ولا باحت بسرها الجميل إلا لمذكرتها الشخصية والتي تخبئها بدهاء بين أغراض لأمها غير مستعملة. بوحها الجميل ذاك وسرها الأجمل قنبلة موقوتة هناك ... فهل سيدوم سرّا أم ستعصف به إحدى الأشعال المنزلية الكبرى ؟! ترى ماذا تخفي لها الأيام والسنون الموالية ؟
مربم الراشدي
المملكة المغربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق