Translate

الثلاثاء، 7 يونيو 2022

هدايا أبي د. ابراهيم مصري النهر مصر

 



هدايا أبي
تعلم أبي في صغره القراءة والكتابة وحفظ السور القصيرة من القرآن الكريم في كتاب القرية بمنزل أبيه، وكان ذلك من حسن حظي فقد صبه في قناتي، ودخلت المدرسة أحفظ الحروف الهجائية وقصار السور والأرقام من واحد إلى مئة، مما جعلني متميزا عن أقراني منذ الصغر...
أذكر في يوم دخلت عليه عند عودتي من المدرسة وأنا ما زلت في الصف الأول الابتدائي، أثناء تتناوله وجبة الغداء مع صاحب له، رحَّب بي وأفسح لي المكان بجانبه على الطبلية؛ تناولنا الغداء، وجلست بجانبهما وهما يحتسيان الشاي منحنيا أكتب الواجب المنزلي، وضع أبي يده على ظهري وقال لي: اقرأ علينا ما تكتب، فقرأت عليهما: لا لا يا حازم، لا تشد ذيل البسبس، بسبس غضبت....
سُرَّ أبي كثيرا وربَّت على ظهري، ووعدني أنه سيشتري لي هدية.
قلت له: أريد ساعة.. كنت قد رأيتها في يد أحد المدرسين بالمدرسة.
قال: سأكتب لك عددا لو قرأته سأشتري لك ساعة، وكتب عددا من أربعة أرقام، وتبسم ابتسامة متحدٍ.
وكانت المفاجأة السارة لأبي أني قرأته من أول مرة ولم أتلجلج أو أتلعثم...
في صباح اليوم التالي ذهبت مبكرا إلى المدرسة، وعند عودتي وجدت أبي ينتظرني أمام البيت ويلوح لي من بعيد بعلبة في يده، نزلت من على ظهر حماري أركض نحوه، تحدوني الفرحة والسعادة وأنا أهلل وأصيح: ساعة، ساعة، أبي اشترى لي ساعة.....
وما أن وصلته إلا ورفعني عاليا وأعطاني العلبة؛ احتضنته، قبَّلته، شكرته، ثم فتحتها؛ إذ بساعة فضية اللون مينتها كزرقة السماء.
لا تدرون كم كانت سعادتي بهذه الساعة، وكم كانت وقودا وزادا لي في مشوار حياتي.....
لبست الساعة في معصمي الأيسر الدقيق بعد أن ضيَّقها لي أبي على مقاسي، وأخذ يعلمني فيها، ووقت العصر ذهبت خلفه منتشيا إلى الغيط مشمرا ذراعي الأيسر، وواضعه على صدري ليرى ساعتي كل من هم في سني من أبناء قريتي...
وفي الصباح لليلة كليلة العيد؛ طويلة قد قُيِّدت نجومها، وتوقفت عقارب ساعتها، صباح انتظرته على أحر من الجمر،
ركبت حماري؛ أهز قدميَّ، أستعجله، أنخسه، أحثه على السير، ألملم كل مشاعر فرحتي، أحبسها في قفص الصدر كي أفرغها عند وصولي الفصل...
وصلت الفصل مزهوَّا مبتهجا والتف حولي كل الفصل؛ منهم من ينظرها، ومنهم من يستأذنني أن يضعها في يده دقيقة، وعندما وصل مدرسنا أخذها وتفحصها وكان مبهورا بها...
في الفسحة خلعتها خوفا عليها لألعب الكرة، ووضعتها في حقيبة كتبي، وبعد انتهاء الفسحة هرولت إلى حقيبتي هرولة المشتاق إلى محبوبته، كانت الصدمة؛ لم أجدها، بحثت عنها في الفناء، سألت الزملاء ولكن دون جدوى!
عدت إلى البيت تملأني الحسرة، أجر أذيال الخيبة، لا أريد للبيت أن يقترب خوفا من عقاب أبي....
وما أن اقتربت من البيت ورأيت أبي إلا وسالت دموعي على وجنتيَّ.
فكانت المفاجأة؛ لم يسألني عمَّا حدث، بل أهداني هدية أخرى أغلى وأثمن من الهدية الأولى آلاف المرات....
عندما مسح دموعي وقال لي: فداك.
د. ابراهيم مصري النهر
مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة