Translate

الأحد، 19 يونيو 2022

المحاكمة بقلم / ناهد الأسطة


 المحاكمة

بقلم / ناهد الأسطة

ساد السكون المترقب في قاعة التحكيم
الانسان يترأس الجلسة ليفصل بين المتخاصمين
على اليمين تتموضع القناعات بكل جلال وتكريم
على الشمال المدعي العام المتمثل في ذات الانسان المتحفزة للجدال على الدوام....
- ارتفع صوت الحواس : عقدت الجلسة
- بدأت القناعات بالكلام :
كل شيء عندنا بنظام
كل الأمور تحمل قناعاتنا
وعليها تسير الحياة
- ردت الذات : على رسلك أيتها القناعات
أنت لست خالدة مخلدة غير قابلة للجدال ...
بل أنت شيء يُختلف عليه بين البلاد
لا بل بين الأفراد ...
ما يصح هنا منك لا يصح هناك
فعن أي نظام هذا تتحدثين ؟ !!!...
- قالت القناعات : أنا بوصلة الشعوب
ورأيي وأفكاري تتوراثه الأجيال
جيل بعدجيل ، وكلما تناقلت
عبر الأجيال ازدادت قوتي
وازداد سلطاني ...
- هتفت الذات : نعم لأن الأجيال للأسف يسيرون
على مبدأ هذا ما رأينا عليه آباءنا
ولا يعملون العقل والتفكير
وكان من الأجدى لهم (أن يختبروا كل قناعة يورثوها )
فما كان يصح لجيل ليس بالضرورة ، يصح للأجيال الجديدة
وقد قيل في الأمثال لا تربوا أولادكم كما تربيتم ....
فلهم حياة لا تشبه حياتكم ....
- نعم .. نعم ... لقد أصبت عين الحقيقة..
هتفت القناعة مهللة : إنك ترددي قناعة مهمة من قناعاتنا ، بوركت أيتها
الذات الانسانية ...
- قالت الذات : أنا لم أقل إن كل القناعات خاطئة
أرجوك سيدي القاضي سجل
هذه الملاحظة المهمة :
(بعض القناعات جيدة يجب أن نتبناها
وأن نعمل دائما لتغير المحبط والسلبي منها )
- قالت القناعات: وما هو السلبي والمحبط من قناعاتنا؟ !!...
- ردت الذات الانسانية : كل قناعة لا تخدم صالح حياة الانسان وسعادته هي قناعة سلبية .
أيها السادة الكرام : إن عقل الانسان يحلل ويفسر أي موقف يتعرض له بناءً على قناعاته....
وإن أي رد فعل يقوم به يكون بناءً على تفسير هذه القناعات لهذا الموقف .....
لذا أطلب من سيادة القاضي : أن يطالب القناعات
( بأن تتنازل عن القناعة المتصلبة والجامدة المتوارثة عبر الأجيال وأن تتبنى القناعة التي تتصف بالتسامح والمرونة )
علت الهمهمات قاعة التحكيم بين مؤيد ومعارض ومستغرب لهذا الحوار ...
- قالت الحواس : رجاءً الالتزام بالهدوء وعدم التشويش على سيادة القاضي الانسان ليستطيع أداء أعماله بأفضل أداء
- قال الانسان : أيتها الذات فسري طلبك بشكل أدق .
- قالت الذات الانسانية : أشكرك سيدي القاضي لاتاحة الفرصة لي لضرب الأمثلة تفسيرًا لرأيي .
و استرسلت في الكلام
مثال :
-إننا كما عرفنا إن القناعات تورث للأجيال ...
أي أن الجيل الجديد قد يُكَون فكرة سلبية عن عمل ما لم يجربه قط (من قناعاته السابقة المتوارثة )
أو عن جدوى دراسة تخصص ما ....
أو حتى عن مفهومه للسعادة في حياته العائلية ....
فقط بناءً على قناعات لأجيال سابقة ، قد تكون مرت بتجارب صعبة ... أو أن تجاربها لا تتوافق والظروف الحياتية الجديدة .
- صاحت القناعات: لا ...لا .. لقد نطقت بشيء إمرا
كيف لها أن تكون خبرة الأولين شيئًا سلبي ؟ !!!!....
سيدي القاضي أنا أعترض على هذه الاهانة
وأرجوك أن تسجل اعتراضي .
- قال الانسان اعتراضك مقبول أيتها القناعات.
اخبريني أيتها الذات : لم أنت ضد توارث خبرة الأولين ؟ !!!...
- قالت الذات : عذرًا سيدي القاضي لم أقصد أنا هذا المعنى ...
أنا قصدت : إن أي قناعة متوارثة تعطل الأجيال عن الاقدام على التجربة بتقديمها رأي سلبي مسبق (عن نتيجة هذه التجربة )
يجب أن تستبدل .
مثال : إن القناعة التي تقول :
( إن الفلوس وسخ الدنيا)
هذه قناعة سلبية .
تدعو الأجيال لعدم العمل والسعي والبناء ...
من الذي سيسعى ليجمع الأوساخ
فهي قناعة سلبية تدعو للكسل والتواكل .
مثال آخر :
القناعة التي تقول :
( أن لا سعادة في الزواج لأن الزواج مقبرة الحب) .
قناعة سلبية تدعو الأجيال للابتعاد عن الزواج او للسعي للحب خارج منظمومة الزواج ...
وكلا الحالتين خراب وفساد.
ارتفعت الأصوات مرة أخرى في قاعة التحكيم وعلا الهرج والمرج ....
- أعلنت الحواس بضرورة الالتزام بالهدوء مرة أخرى
- قال الانسان : وماذا تقترحي أيتها الذات لتبديل القناعة السلبية ؟ !!!....
- ردت الذات : سيادة القاضي بعد إذنك ، أطلب من العقل التدخل والعمل على التناقش مع القناعات واختبار أي قناعة مهما تكون قيمتها وقدمها ، قبل أن يتبناها ويأخذ قرارات الحياة على أساسها.
- طلب القاضي من العقل أن يتقدم الى المنصة
- ما رأيك أيها العقل بالاقتراح الذي قدمته الذات ؟ !...
سأل القاضي .
- قال العقل : في الحقيقة إنني مبرمج على قراءة الأحداث بناءً على القناعات التي أحملها والتي هي معظمها متوارثة من الأجيال السابقة .
وبناءً على هذه القناعات أفسر وأبني المواقف في الحياة وهي التي تتحكم بماضي وحاضر وحتى المستقبل من مواقفي في الحياة.
سكت قليلا ثم أكمل:
قد تكون فكرة الذات فكرة جيدة للعمل بها .
- هنا ابتسمت الذات وأعلنت تأييدها للعقل وشجعته قائلة: عليك أيها العقل أن تغير أكبر قناعتين سلبيتين واستبدالهما بأهم قناعتين إجابيتين تبدل الحياة للأفضل
أولهما : إن الفلوس نعمة وخير من الله ، وتأتي مقابل العمل و الجهد الدؤوب .
والنعمة يجب أن تشكر ليبارك الله بها
أليس هو من علمنا ( لئن شكرتم لأزيدنكم)
والقناعة المهمة الثانية :
السعادة اختيار والقناعة هنا
(إنك اخترت أن تكون سعيدًا ستكون سعيدًا مهما كانت المواقف التي تمر عليك في الحياة الزوجية )
وستحتفظ بالحب وسينمو مع السنين
لأنه هو الآخر قناعة (الحب ينمو في حضن العلاقة الزوجية )
بدليل قول ربنا (...جعلنا بينهم مودة ورحمة) .
والتفتت الى الانسان مكملة كلامها : باختصار سيدي القاضي
أي قناعة بأي اتجاه عمل ، زواج ، صحة ، تحديات الحياة المال ...... لاتخدم مصلحة الانسان في الحياة يجب على العقل أن لا يتبناها.....
بل يسعى لتغيرها بقناعات أكثر مرونة ولا تعيق تقدم الحياة بشكل كريم .......
لقد قال لنا ربنا ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ...)
- أومأ الانسان للحواس التي ارتفع صوتها : النطق بالحكم
- قال الانسان بصفتي قاضي هذه الجلسة
أعلن نتيجة المداولة :
أولا : يحفظ للقناعات جلالها ويعمل على تكريمها بتنقيتها من القناعات السلبية
ثانيا : يقوم العقل بالتدقيق بكل قناعة قبل أن يتبناها
ثالثا : تعمل الذات على متابعة عمل كل من القناعات والعقل ومساعدتهم بالوصول لأفضل الوسائل للتأمين استمرار الحياة الكريمة السعيدة
رابعا : يتم إعادة عقد هذا الاجتماع بشكل دوري كل ستة أشهر وابلاغنا بالتطورات والمستجدات
- ارتفع صوت الحواس عاليا : رفعت الجلسة .

قد تكون صورة ‏‏كتاب‏ و‏شجرة‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة