قصة قصيرة
الطائر المهاجر
إدريس الزياتي
المغرب
أرخى الليل سدوله على تلك القرية الرابضة بين حنايا الجبال ، البقعة الوحيدة التي تربطه بها وشائج خاصة، ففيها صافح وجه الحياة، أحس منذ البداية بغرابتها فعبر بصرخة طويلة عن رفضه لذلك الواقع الجديد الذي قرض عليه، وقد كان في عالم الطمأنينة تحفه العناية الربانية، لا يحمل هما ولا يرى ما يصده عن الطريق، كانت فرحة جده به كبيرة، الجائزة التي طالما انتظرها، وهو الذي لا يملك من هذه الدنيا المترامية الأطراف اإلا ورده وسبحته وبقرتين وغصنين.
وهو الطائر المهاجر الذي غرد خارج السرب، كأن الهجرة كتبت في لوحه القديم فطالت الأصل والفرع، وما أقساه من فراق إذ تغادر ملا عب الصبا مكر ها، فتشتاق إلى بعضك من الطين الذي لامسك عند الخطوات الأولى، تحن إلى أجزاء كثيرة منك تركتها وراءك، ينتحب التراب عندما لا يحس بوقع أقدامك عليه، والأشجار التي قبعت سنين عددا تنتظر مصافحة وجهك، والكلب الذي يرحب بك بعد غياب طال زمنا، فضلا عن أولائك الذين تحن قلوبهم لضمة أو حضن ، لقبلة تليها دمعة، لفرحة اللقاء بعد الفراق .
كان يعلم أن الحياة ليست فسحة، ولا هي رحلة استجمام على ضفاف الوادي، وهي التي أغوت والده كذلك ورمت به بعيدا يتجرع شراب البعد مرا، لكنه يجاهد نفسه ويمهد الطريق لفلذة كبده كي يجنبه ويلاتها ، يدعمه، يسلك به الطريق االآمن إليها على حد زعمه، لكنها كانت قد كادت كيدها و أسست جيشها، فخابت آماله على كبر سنه ومرضه الذي أقعده عن الطلب.
، ييسعي لمواجهة صروفها وأحابيلها، فهي كخضراء الدمن ، حسناء في منبت سوء ، يراودها عن نفسها وهي تتمنع ، كان مهرها غاليا طوحت به بعيدا، تختبر ولا ءه لها ، لا يستطيع إرضاءها وهي اللحوح .
الأبواب مغلقة والطرق الموصلة عليها عسس، أطياف قد طوعتهم لخدمتها ، وهي الرؤوم لا تعرف عطف الأم ولا لهفتها على وليدها، مخاتلة لعوب، كم من أناسي رمت بهم في أتونها ، ضربت بسوط القهر ظهورهم، وعلى أسماعهم وأبصارهم، وقلوبهم ألقت بغشاوتها تراهم كالهيم وإن شربت نهرا لا ترتوي أبدا.
لم يكن له من خيار، وهو الذي تفرس في وجهها ، يعرف لؤ مها، فآثر مفارقة الديار على معاقر تها ، آثر ألم الإجتثاث من الجذور على أن يكون الكلب العقور، ركب الصعب ، فقد كتب عليه كما على جده وأبيه أن يكون الطائر المهاجر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق