Translate

الخميس، 14 سبتمبر 2023

قصة قصيرة (بيت الجد) بقلم/ محمد نمر

 قصة قصيرة

(بيت الجد)
فى أحد أيام شهر أغسطس، بينما الشمس تتوسط السماء، رأيت سيارة سوداء اللون تقترب مني، توقفت أمامي، ترجل منها ثلاث أشخاص.
ما أن وطأت أقدامهم الأرض، حتى أقتربوا مني، مستظلين بي، من أشعة الشمس الحارقة.
تحدث أحدهما قائلا:
- عجبا .. إن المكان هنا به نسمة هواء باردة من الصعب الحصول عليها فى مثل هذا الوقت.
رد عليه المعلم(موسى) السمسار قائلا:
- بالطبع فالبيت تطل واجهته على الجهة البحرية.. وفى أشد الأوقات حرا لن تشعر بذلك مطلقا.
تعجبت من أجتماع هؤلاء الثلاثة أمامي، خاصة المعلم(موسى)السمسار، بدأ القلق يساورني، تري ماذا هناك ؟
أصغيت السمع إليهم، لاتمكن من معرفة سبب تلك الزيارة المفاجأة.
تحدث نفس الشخص قائلا:
- أهم شئ أن تجد مشتري فى أسرع وقت يامعلم ..فأنا بحاجة للمال لأستكمال المشروع.
رد المعلم (موسى) قائلا:
- لا داعي للقلق يا أستاذ "طارق" فى غضون أسبوع على الأكثر سيكون كل شئ على مايرام.
وجه الشخص الثالث حديثه لذلك الأخير قائلا:
- وكما أخبرناك.. غدا سوف يحضر العمال لأزالة البيت .. ليعود قطعة أرض حتى يسهل بيعه.
رد المعلم (موسى) قائلا
- هذا أفضل بكثير يا أستاذ "رامى".
أنتابني الفزع الشديد، مصحوبا بدهشة، هل يمكن أن يكون ما أستنتجته حقيقة ؟
إنهم يتحدثوا عن إزالتي، وحسبما فهمت سيحدث ذلك فى الغد.
لكن من هؤلاء ؟
بدأت ذاكرتي تعمل بسرعة، هل يمكن أن يكونا هذان الشابان هما (طارق) و(رامى) أحفاد(مكاوي) صاحبى والذي قام ببنائى قبل ستون عام ؟
لقد تبدلت ملامحهما كثيرا !
كانا يلهوان فى فنائي الخلفي، حينما كانا أطفالا صغار، ترى ما الذى يدفعهما لفعل ذلك بي !
لقد كنت شاهدا على مولدهما، رأيت الفرحة تطل بقوة من عيني(مكاوي) وهو يحمل أكبرهما بين يديه، رأيتهما يكبرا أمامي يوما بعد يوم.
كانت جدراني ملاذ آمن لهما من برد الشتاء القارس، ومن حرارة الصيف القائظ، أثناء جلوسهما فى حجرتهما وقت الظهيرة، يطالعان تلك القصص المصورة التى كان يحضرها لهما صاحبي فى الأجازة الصيفية.
كنت شاهدا على فرحة (طارق) وأنا أراه يركض من بداية الشارع مسرعا، ليخبر والدته بأنه تخرج من كلية الطب، وكيف أن زغاريت والدته ملئت جناباتي، لتجعلني أرقص فرحا سعيدا بما حققه الصغير الذى كان يحبوا على أرضي.
أستمعت لحديث(رامى) الهامس ليلا، أثناء محادثاته الهاتفيه لحبه الأول، التى أصبحت زوجته فيما بعد.
كيف لهما أن يتناسى كل تلك الذكريات السعيدة التى حدثت لهما هنا بتلك السهولة !
أعلم أن للمال مفعول السحر، ولكن هناك ماهو أهم وأقيم بكثير منه.
هناك ذكريات لا تقدر بثمن، لو دفعت فيها اموال الدنيا ما أستطاعا أسترجاعها، والتى أعد الشاهد الوحيد عليها.
ياللعجب لم أشعر، بحنينهما لتلك الذكريات، فلقد تركوني بمفردي منذ زمن طويل.
بعدما توفي والداهما، أغلقوا أبوابي، وذهبوا للعيش فى المدينة، أصبحت وحيدا، لا يضاء بداخلي مصباح، ولم تطأ أقدام أنسان درجاتي التى تهشمت وكستها الأتربة من قلة الأهتمام بها.
أصبحت خربا، صرت مرتعا للفئران والكلاب الضاله، وأحيانا بعض اللصوص والمدمنين الذين وجدوا بين جدراني المتهالكة، والتي تساقط طلاءها، مكانا مناسبا للأختباء.
انا الذى كان يضرب بي المثل فى السابق، عندما شرع (مكاوي) فى تأسيسي، أختار لي موقعا تحسدني عليه جميع البيوت المحيطة، والتى قام أصحابها بتشيدها فيما بعد بجواري.
عندما كانت تفتح نوافذي المطلة على الأربع جهات، تتسلل إليها أشاعة الشمس منذ أن تشرق حتى تغيب، بالإضافة للهواء العليل فى أشد أيام الصيف حرارة والذى كان مضرب الأمثال فى كافة أنحاء القرية.
رائحة الطعام التى كانت تنبعث من مطبخي، لتسيل لعاب كل من يشمها، أجتماع أفراد الأسرة فى المناسبات والأعياد والفرحة تعلو وجوههم، وصدى ضحكاتهم التى تتردد بين أروقتي.
جدراني المطلية بالأحمر الداكن، التى كانت محط أعجاب الجميع، المصابيح التى كانت تحيط بي من كل جانب، لتؤنس وحشة المارة فى الليالي المظلمة.
أصبحت الأن خربا، مهدم النوافذ، تشققت جدراني، بسبب عدم الأهتمام بي،
عدت من ذكريات الماضى البعيد، على صوت محرك السيارة التى أتوا بها وهى تغادر منصرفة.
جلست ليلتي لم يغمض لي جفن، أفكر فيما ينتظرني فى الغد، متمنيا أن يعدلوا عن قرارهم الذى أتخذوه، ولكن ليس كل ما نتمناه ندركه.
تفاجأت فى الصباح الباكر بالكثير من العمال الذين جاءوا، مصطحبين معهم الآلات الهدم، لم أصدق ما يحدث.. لقد جاءت النهاية أسرع مما توقعت بكثير.
و ما أن رفع أول العمال معولة الذى أصطدم بجدراني، لم أستطع تحمل ما يحدث لي، لم تعد جدراني تقوى على حملي، سقطت رغما عني، محدثا دوي هائل، مصحوبا بغبار كثيف
بقلم / محمدنمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة