Translate

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 14 سبتمبر 2023

قصة : إجراءات.. بقلم / مصطفى الحاج حسين.

 

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏ابتسام‏‏
* مصطفى الحاج حسين.
قصة : إجراءات..
أعلنت وزارة الترببة مسابقة لتعيين مدرسين للّغة العربية ، فسارع " تحسين " وقدّم أوراقه .. لقد مضى على تخرّجه سنتان وهو دون عمل .
كان عليه أن يخضع لفحص المقابلة في العاصمة ، وحينما عاد كان متفائلاً ، لأنّ اللجنةالفاحصة سرّت من أجوبته ، ومما ضاعف من سروره ، إعجابها بقصيدته التي ألقاها على مسامعهم .. ذلك أنّ " تحسين " شاعر مشهود له في مهرجانات الجامعة .
بعد أيام جاء شابان إلى الحارة ، وسألا عن اتجاه " تحسين " السياسي وسلوكه الشّخصي وعائلته .
فأسرع السٌمان " أبو علي " وكعادته في المبالغة ، أضف إلى كرهه ل " تحسين " ، قال :
- أستاذ " تحسين " .. لحظة من فضلك .
توقف " تحسين " عن السّير ، بينما كان " أبو علي " يخرج مسرعاً من دكانه :
- أهلاً .
- سألوا عنّك اليوم .
- سألوا عنّي .. من هم ؟!.
- رجال المخابرات .
امتقع وجه " تحسين " واضطرب صوته ، واتّسعت في عينيه الصّغيرتين إشارة استفهام كبيرة :
- المخابرات سألوا عنّي ؟! .. لماذا
؟!!.
ولمّا أدرك السّمان أنّه سيطر على " تحسين" ، الذي يعامله باستعلاء دائماً ، ولا يشتري من دكانه ، قال بتلذذ :
- سألوا عن اتجاهك السّياسي !!! .
انبثق الذّعر كعاصفةٍ في أعماقِ تحسين.. ارتجف كيانه ، لم يعد يتمالك نفسه ، فحوّل الكتب التي يحملها إلى يده اليسرى ، وقال بصوتٍ مرتعش :
- وماذا قلت لهم يا " أبو علي " ، أرجوك طمئني ، شغلت بالي ؟؟.
وجاء درو " أبو علي " ليبالغ ويكذب كعادته دوماً :
- والله يا أستاذ ' تحسين " ، قلت بحقك كلاماًجميلاً ، أخ لا يقول عن أخيه مثل هذا الكلام .. نحن أخوة يا رجل ، حتّى وإن كنت لا تشتري من عندي .. ماذا تريدني أن أقول ؟ أمن الممكن أن أتفوّه بكلمة تؤذيك ، وتقودك إلى السّجن ؟!.
غارت الأرض من تحت قدميّ " تحسين" ، وردد مستنكراً :
- السّجن ؟! .. ماذا تقول يا " أبو علي " ؟! .. هل أنا مجرم ؟! .. أنا لا علاقة لي بالسياسة.
ضحك " أبو علي " بخبث ، وسدّد نظرته التي يعتقد بأنّها ذكية :
- أنتم الأساتذة لا أحد يقدر عليكم ، كلكم تدّعون البعد عن السّياسة ، لم أسمع من يعترف بعلاقته بها ، مع أنّه قد يكون من أكبر السّياسيّن .
ثمّ كرر ضحكته الخبيثة :
- معلوم أستاذ " تحسين " ، هذه سياسة وليست لعبة .
لام نفسه بشدّة لأنّه لم يكن يشتري من دكان " أبو علي " :
- أبو علي .. أنا فعلاً لا علاقة لي بالسياسة .
- الله أعلم .. وعلى كلّ حال خذ احتياطاتك، الحذر واجب .
وانتبه " أبو علي " على زبون يقف أمام الدّكان ، فانصرف دون استئذان .
دخل المنزل . نادته أمّه ليشاركهم العشاء :
- لا أريد .
ودخل غرفته ، أغلق الباب ، استلقى على السّرير ، أشعل سبجارة ، وراح يفكّر :
- لماذا يسألون عنّي ؟.. ما الأمر !!! .. ما علاقتي بالسياسة ؟! .. وأنا لم أتدخل بها إطلاقاً !! .. وما قال " أبو علي " عنّي ؟! ..
كلّ أهل الحارة يعدّونه مخبراً ، اللعة عليّ يوم قررت عدم الشّراء من عنده .. هل هناك شبهة تدور حولي
؟؟!! .. آه ... نعم .. نعم ..أصدقائي هم السّبب ، لا حديث لهم سوى السّياسة .. عدم توفر فرص للعمل .. استحالة الزواج في ظلّ هذه الظروف المعيشيّة .. غلاء الأسعار .. فقدان المواد التّموينيّة .. الحرّية .. الدّيموقراطية ..تكافؤ الفرص ...
رجوتهم كثيراً أن يتركونا من هذه الأحاديث ، التي لا تجلب لنا إلاّ الدّمار .. هل أخطأت ؟! .. وتفوّهت بكلمة تمسّ الدّولة ؟!.
ولكنّي حذر في هذه الأمور .. لا أثق بأي مخلوق على وجه الأرض ، فأصارحه بحقيقة مشاعري نحو السلطة ، لم أفقد أعصابي مرّة واحدة ، دائماً أنا يقظ ، منتبه ، حريص إلى أبعد الحدود .. ترى هل يكون " جمال " مخبراً ؟؟!! .. يجرجرنا بالكلام ويبلّغ عنّا ؟!..
يجب أن أحذره ، بل ينبغي أن أحذّر أصدقائي منه ، بل عليّ أن أبتعد عنهم ، فما نفعي من صداقتهم ؟؟!! .
نهض ينادي شقيقته ، طلب إليها أن تعدّالشّاي ، عاد إلى السّرير ، يدخّن مفكّراً :
- لكنّ المشكلة الآن ليست بأصدقائي
بل اللذين يسألون عنّي .. ماذا لو جاؤوا وأخذوني ؟!.. ثمّ ماذا
لو عذّبوني ؟؟!! .. أنا لا أحتمل الضّرب .. منذ طفولتي وأنا أخافه، كنت أدرس فقط خوفاً من عصا الأستاذ .. وخرطوم أبي .. سأعترف بكلّ شيء قبل أن يضربوني ، سأقول الأحاديث التي دارت بين أصدقائي ، لن أتستّر على أحد ، كلّ واحد منهم مسؤول عن كلامه .. أنا لا علاقة لي بالسياسة .. منذ شاهدت جارنا " أبا محمد " مكبّلاً قررت نسيانها .. ماذا جنى جارنا غير الدّمار ؟!.
تنبّه إلى رنين جرس المنزل ، انقطعت خواطره ، ووثب قلبه خارجاً :
- جاؤوا ليأخذوني ..
قرأ على روحه سورة الفاتحة .. انكمش على نفسه .. تراجع .. التصق بالجدار .. بحثت عيناه عن مخبأ .. قفز عن السّرير ..الهلع يسيطر عليه .. اقترب من الباب بحذر شديد ، تصاعدت دقات قلبه ، مع انبعاثِ الرنين مرّة أخرى :
- رباه أنقذني أرجوك .. بحقّ نبيك محمّد .. أنا لا علاقة لي بالسياسة .
عينه القلقة على العين السّحرية ، أبصر شقيقه الصغير ، تنفّس الصعداء ، حمد الله كثيراً ، فتح
الباب وعاد :
- من أين جائتني هذه المصيبة ؟! .. خائف أنا ، طالما أنّهم سألوا عنّي ، فهم لا بدّ سيداهمون البيت ، عليّ
أن أتوقّع ذلك عاجلاً أم آجلاً ، وبنبغي أن أرتب كلّ شيء ، أقوالي، أفكاري ، شخصيّتي ، بجب أن أكون
قوياً أمامهم ، متماسكاً .. والواجب أن أبلّغ أهلي حتّى لا يفاجأوا .
نهض وغادر غرفته ، جلس بجوار أبيه ،الذي يشبهه إلى حدٍ كبير ، لولا فرق السّن .
قالت الأم ، التي لا تختلف عن " تحسين"وزوجها في القصر والبدانة :
- هل أحضر لك العشاء ؟.
- لست جائعاً .. لا أشعر برغبة ..
سأل الأب بصوته الأجش :
- مابك اليوم ، لماذا تحبس نفسك في الغرفة ؟.
- عندي خبر سيء ، أودّ نقله لكم .
الأم :
- خير إن شاء الله ؟؟؟!.
قاطعها الأب بانفعال :
- دعينا نسمع .
حاول أن يكون هادئاً ، كي لا تكون المفاجأة كبيرة ، واختفت بسرعة أصوات أخواته وحركاتهم :
- اليوم سأل عنّي رجال المخابرات ، في الحارة .
- المخابرات ؟؟؟!!! .
هكذا انفلتت هذه الكلمة من الجميع
- سألوا عنّي السّمان " أبو علي " .
سألت الأم وقد بدأ الخوف يسيطر عليها :
- وماذا يريدون منك ؟!.
- يسألون عن اتجاهي السياسي .
- وما هو اتجاهك السياسي ؟ .. هل أنت مختلف عنهم ؟!.
- أنا ياماما لا اتجاه لي .. أنا حيادي .
قال الأب ، وفي صوته بعض الاضطراب ، وهو يحاول جاهداً أن يخفيه :
- جاء اليوم الذي كنت أخشاه .
- بابا أنا لم أفعل شيئاً ، يمكن أن يحاسبوني عليه .
- يكفي أنّك حيادي ، هذا أهم مأخذ عليك .
- أرجوكم ليس هذا وقت اللوم ، عليكم أن تتوقعوا حضورهم إلى هنا .
ذعر الجميع ، وصاحت الأم بحرقة :
- يارب من أين جاءت هذه المصيبة ؟!.
عاد إلى غرفته ، مخلفاً أمّه وأخواته يشهقن في البكاء ، بينما كان أبوه غارقاً في صمته .
جلس على حافة السّرير ، أشعل سيجارة وأخذ نفثاً عميقاً ، وفجأة اصطدمت عيناه برفوف الكتب ، وفكّر :
- المكتبة .. إنها تشكّل خطراً عليّ ، صحيح هي لا تحتوي كتباً سياسية ، لكن ما يدريني كيف تفسر الأمور
؟.. ينبغي اخفاء المكتبة ، ولكن أين ؟.. الكتب كثيرة ، واخفاؤها في البيت مستحيل ، وإيداعها عند الجيران غير ممكن ، وعند الأصدقاء ضرب من الجنون ، فأنا لم أعد أثق بأي صديق كان ، ومن المحتمل أن يكون بيتنا مراقباً ، بل ذلك في حكم المؤكد ، فما أدراني ... قد يكون " أبو علي " مكلّفاً بمراقبتي ؟ .. ليس أمامي إلاّ حلّ واحد ، نعم واحد لا غير .. وهو احراق المكتبة .. فالكتب غير مهمّة ، مهما كان ثمنها ، سلامتي هي الأهم .. فيما بعد ، إن خرجت من هذه الأزمة ، سأبكي على كتبي كثيراً .
وبسرعة .. ودون تردد ، نهض " تحسين"وحمل بعض الكتب ، واتّجه إلى الحمّام ، أوقد الطّباخ ، وأخذ يمزّق الأوراق ويدسّها للنار ، إلى أن أحرق جميع مالديه من كتب ، لم يبق عنده سوى كتب الدّبلوم الذي يدرسه ، وأحرق أيضاً كلّ مالديه من أوراق ورسائل خاصة ، وصور تجمعه مع أصدقائه ، ودفاتر كثيرة ، تحتوي على قسم عظيم من قصائده ، التي كتبها على مراحل عديدة ، وحين سألته أمّه عن سبب احراق مكتبته ، قال دون أن يلتفت إلبها :
- قد تكون خطرة في نظرهم .
وبينما كان يهمّ بالدخول إلى غرفته ، رنّ جرس المنزل ، وأسرع الجميع مذعورين إلى العين السّحرية ، من يكون في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟؟!!.
- إنّه رجل !!! .
قالها بصوت مرتعش ، خائف .
وعندما رنّ الجرس مرّة أخرى ... اقتربت الأم بجزع ، لتنادي من وراء الباب :
- مَن .. مَن ؟؟؟ !!؟؟!! ....
أجاب القادم :
- أنا .. أنا جاركم في الطابق الرابع .
سألته ، والكلمات تخرج بصعوبة من حلقها الجاف :
- ماذا تريد يا أخي ؟؟ !! .
- بسبب حمّامكم .. الدّخان أعمانا وخنقنا .
قالت الأم بعد أن استردت أنفاسها ، وكلّ من معها من أفراد الأسرة ، بما فيهم " تحسين ":
- حاضر يا أخي ... لقد أطفئنا الحمام ، قبل قليل .
كلّ ذلك والأب قابع في الصالون ، يسترق السّمع بانتباه شديد ، والعرق البارد يتسرّب من جميع أنحاء جسمه .
عاشت الأسرة تحت كابوس الخوف والذّعر الشديدين ، فما من حركة تصدر ، إلاٌ سمحت الأم لنفسها بالبكاء ، متوقعة قدومهم لآخذ " تحسين " فلذة كبدها .
وبعد أن غرق البيت في الظّلام ، وسبح كلّ واحد في خوفه منفرداً .. فكّر تحسين :
- لم يبق عندي أثر يدلّهم على شيء ، أقوالي جاهزة ، إنٌي جاهز .
وبرقت في ذهنه فكرة جهنّميّة :
- سأكتب بعض القصائد في مدح الرئيس ، سأمجّده .. وأسمّيه عظيم الأمة .. وصانع الانتصارات ، وسيّد العرب والمقاومة ، وأضع القصائد هذه ضمن دفتر أشعاري ، وعندما سيطّلع عليها المحقّق ، سيعتذر منّي ، ويقدرك مدى فداحة الخطأ المرتكب بحقّي ، ويعاقب" أبو علي " على كذبه ، وشهادة الزّور التي كادت تقضي عليٌ .
نهض من سريره ، أشعل الضّوء ، أحضر دفتراً وقلماً ، وكتب :
- (( في المساء ..
يد الرئيس تهدهد أجنحة الشّمس
وبراحة كفّه المباركة
يزيل الغبار عن جبهتها
يسقيها من حليب روحه
ويطهّر بدنها اللدن
من صناببر نوره
يد الرئيس بيضاء
تكفّن شهداءنا
تزيل الدّم عن أحلامهم
وتثري عويل اليتامى
في الشتاء يد الرئيس تقبض على الغيوم
وتمطر فوقنا
زخات من وعود
فتبعث في حقولنا قامات من صمود
ليس فيها إلاّ الرّعود
فتزهر على جباهنا
آيات السّجود
فويل .. ثمّ ويل
لمن بانت على سحنته
علامات الجحود .)) .
وبعد ساعتين صاغ عدداً من القصائد ، ووضع تحت كلّ قصيدة تاريخاً قديماً ، لكي يوهم المحقق بأنه من محبي الرئيس ، حتى أنه نوع بالأقلام لتنطلي الحيلة .
وهكذا تسرّبت الطمأنينة إلى نفسه بعض الشيء ، فأسرع إلى سريره علّه يستطيع النوم ، ولم تمض دقائق على غفوته ، حتّى استيقظ مذعوراً ، فقد شاهد حلماً غريباً وحين حاول أن يتذكّره ، وجد نفسه لا يذكر سوى وجه السّمان " أبو علي " ، وابتسامته المقيتة ، حاول أن يعود للنوم فلم يفلح ، فقرر أن يكتب بعض الأغنيات ، عن السيد الرئيس ، ليكسب ثقة المخابرات .. فنهض وعاد إلى دفاتره ، كتب العديد من الأغاني ، إلى أن شعر بشيء من الأمان .. فتوقف عن التأليف ، وقال في نفسه :
- غدا صباحا سأذهب وعلى الفور ، إلى أقرب مكتبة ، وأشتري أجمل وأكبر الصور لسيادته ،وكذلك ينبغي
أن أحضر بعض الأعلام .. وبهذه الطريقة ممكن أن أنجو منهم .
وظل على هذا الحال إلى أن بزغ الصّباح .
خرج من المنزل ، ليبحث عن مكتبة ، فتحت بابها ، وما إن وضع قدمه في الحارة حتى لمحه السّمان " أبو علي"
فناداه :
- أستاذ " تحسين " لحظة من فضلك .
وما إن توقف ، وشاهد السّمان خارجاً من دكانه ، ترتسم على وجهه الابتسامة ذاتها التي رآها في المنام ، حتى غذّ السّير ، غير عابئ بصراخ السّمان خلفه .
تناهى إلى سمعه وقع أقدام مستعجلة ، خلفه ، فشعر بالضيق والخوف ، في البدء لم يجرؤ على الالتفات ، ثمّ تشجّع ، فتراءى له السّمان يمشي خلفه ، فأسرع في سيره ، وعلى بعد خطوات ، وجد منعطفاً نحو اليمين فسلكه ، والمذهل أنّه خيّل إليه أنّ السّمان يتعقّبه ، فتيقّن أنٌه يراقبه ، فعبر بسرعة أوّل منعطف صادفه ، وأخذ يركض .
ركض أول الأمر بحياء ، ثمّ التفت ، فظنّ " أبو علي " راكضاً خلفه ، فأسّرع في ركضه، دخل أزقة لم يعرفها ... وحين أحسّ أنّ سترته تعيق ركضه ، خلعها ورماها وراءه ، أدار رأسه ، فتوهّم أشخاصاً يشاركون السّمان ملاحقته ، فزاد من سرعته ، راح يلهث ، وكلّما أدار رأسه ، اعتقد أن عدد المطاردين يتضاعف .
فجأة .. علت الأصوات خلفه ، ومن حوله ارتبك أكثر ، حين انضمّ إلى الأصوات ، صوت فرامل سيارة ... وحاول أن ينتبه ، أن ينقذ نفسه ، أن بتفادى الصّدمة ، أن بتوقف ، يتراجع ، ينجو ... لكنّ الوقت فات ... فقد أصبح كتلة لحم ، تحت العجلات .
بعد أيام ...
أعلنت نتائج مسابقة وزارة التربية ، وكان الخبر مثار ألم فظيع لأهله وأصدقائه ، حين عرفوا أنٌ ترتيب " تحسين " ، كان الأوّل على زملائه .
مصطفى الحاج حسين .
حلب..
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏ابتسام‏‏

الأربعاء، 12 يوليو 2023

شجرة اللبلاب والصدى للكاتب المبدع / ناجح صالح - العراق

شجرة اللبلاب والصدى
لم تكن شجرة اللبلاب الا نباتا طفيليا يتسلق كيفما اتفق سواء على الجدران أو على النباتات الأخرى .
غير أن ( شجرة اللبلاب )رواية امتدت جذورها الى أعماق الأرض ، رواية اتصلت بواقع الحياة، تصف بطلها وصفا دقيقا لما يعانيه من شك قاتل ، أشبه بالمرض المستفحل الذي لا ينجو صاحبه منه .
انها العقدة التي لازمته طيلة حياته ، فأصبح خائفا مترددا حتى من الفتاة التي وهبته قلبها ثم أعطته جسدها دون قيد أو شرط .
أجل أعطته كل شيء ولكنه خذلها ، تركها كالفريسة التي لا حول لها ولا قوة تلملم جراحها بصمت غير نادمة بما أعطت ، ولكنه أساء الظن بها واعتبرها كالنساء الأخريات ، مجرد امرأة لا أمان معها ، فقدت عذريتها في أول تجربة لها معه .
كيف يثق بها وقد تكررت الصورة في خيانة المرأة منذ أن كان صبيا رأى هذا المشهد أمام عينيه؟
ترى هل كانت عاطفته طيلة هذا الوقت مجرد نزوة ؟ ولماذا لا يلوم نفسه بعد أن وعدها بالحب وأغراها بالتسلل الى غرفته ؟
هل كان ثمة خطأ اقترفته وحدها أم أنه كان شريكا معها ؟ بل لعله تجاوز حدوده أكثر منها ،وان كان له عقل فلماذا لا يصون شرف حبيبته ؟ لماذا يخذلها في الوقت الذي هي في أمس الحاجة اليه والى حنانه وعطفه والى رجولته ؟ لكنه هرب في أخطر لحظة ، اللحظة الحاسمة التي وجب عليه أن يكون فيها المنقذ .
ان ( شجرة اللبلاب ) في النهاية رواية ذات بعد انساني ، أبدع مؤلفها ( محمد عبد الحليم عبد الله)
في تصويرها وصياغتها باسلوب شيق جذاب يأسر القاريء من أول صفحة الى أخر صفحة .
لقد كانت شجرة اللبلاب في نظري المفتاح الذي ولجت منه الى بقية روايات محمد عبد الحليم عبد الله التي لا تقل شأنا وعاطفة وعمقا عن هذه الرواية كما في غصن الزيتون وبعد الغروب .
وقد نجح المؤلف في رواياته جميعا في وصف الشخصية المصرية سواء كانت في المدينة أو في الأرياف ، بل لعل وصفه للفلاح في بيئته الريفية كانت أكثر وضوحا وقربا وعمقا .
لقد ترك المؤلف آثارا واضحة لها علامات لا تنسى ، منها على الأقل لغته الشفافة وفلسفته المتواضعة وأفكاره القيمة وأسلوبه المتماسك الرصين .

 

قصة قصيرة. ... وغابت للكاتب المبدع / م . شامي محمود - جيبوتي

 

قصة قصيرة.
... وغابت
بقلمي شامي محمود
سألت صديقتي عن حال مجموعتها التي أرسلت لنا نسخة منها لنقوم بمراجعتها الفنية قبل عام، ولم تقم بطباعتها إلى الآن:
أجابت بتفاؤل وفرح :
هي بحالة صحية ومعنوية جيدة ، تعيش مجموعتي عصرها الذهبي، وأياما جميلة،
أضافت صديقتي منتشية بفرح مسموع : تخيلي يا صديقتي مجموعتي يوم أمس عزفت للبعض هنا ألحانا بديعة أقرب للخيال من الواقع، البارحة سمعتها تغني لذلك البعض ويا له من صوت واداء ، ورأيتها ترقص تارة شرقي واخري كلاسيكي غربي ، وصباح اليوم أشرقت علينا بدل الشمس،، وقبل ساعة نثرت أريج عطرها في كل زواية بالمنزل ووزعت الابتسامات على الجميع، ثم قبلتني وخرجت .. و تحسنت مجموعتي كثييييرا ولله الحمد يا صديقتي والآن هي في طريقها الى دار طباعة ونشر عريقة و ...
فجأة لم تعد صديقتي معي، ظل الخط مفتوحا بيننا، وكأنها تتحدث مع آخرين، أسمع صوتها وجملة من الاصوات المزعجة في وقت واحد ،،
قلت بشيء من القلق والخوف عليها : الو الو هل تسمعينني ؟ هل انت بخير يا صديقتي؟
ماذا يجري؟ الوووووووو..
أسمع فقط بعض الكلمات المتقطعة وجمل غير مفهومة لصديقتي وآخرين :
مستحيل ،، لا لا، غير ممكن .. تكذبون . مروري ، لا حول ولا قوة الا الله ،، لم تمت، لا لا لا ... و آهات ، انين ، نحيب ، بكاء ، صراخ وفوضى ... و تيت تيت تيت ، فصل الخط.
النهاية
قد تكون صورة ‏طائر بحري‏

قصة قصيرة: "علامة فارقة" للكاتب المبدع / حميد الهاشم - العراق

 قصة قصيرة:

"علامة فارقة"
في لحظة واحدة ،كنت أرى الكل ، ليس لاني في مكان مرتفع ، بل لأنني هكذا ، أرى اللحظة كلها ، ميّتها وحيّها.
بلهفة دخلوا القاعة ، دخل بعدهم، نازلا من سلم جانبي ، نحن المعلقين كنا ننتظر أن يدخلوا ، ننتظر أن ينظروا لنا ،لم يأت أحد لي ، سوى هذا الرجل الذي وقف قُبالتي ، يدّعي أنه يعرفني ، بيد إني في نسيان منه.. خاطبني:
" لقد فعلتُ كل الذي تمردتَ أنت عليه، هربتُ بعدك إلى الغرب ، التجأت إليه ، حتى إني تزوجت فيما بعد هذا الغرب، وتزوجني".
ما زلت لا أتذكره، لكني أشتقتُ لمعرفة تفاصيل ادعائه صداقتي أو مرافقتي قبل أن أكون معلّقا.
هو يعرف مع من يتحدث ، أنا لا أعرف من الذي يتحدث معي الآن ، رغم أنه يبدو ليس متيقنا تماماً من أنني أنا أنا.
للوهلة الأولى كنت أجهله، أنْ أجهله ؛ذلك يخّلف عندي شلالا ً من الأسئلة، وأنْ عرفته أشعر أنه سيوّلد عندي تيارا من الندم...كل الذين عرفتهم بعد تحديقهم..أما شلالا وأما ندما.
اقترب مني أكثر ، عيناه تسمرتا في ملامحي ،أحنى رأسه الأشيب على كتفه الأيمن ، غرق في الذاكرة بعيدا ، كأنني لمحت بللَ دمعةٍ بدأ ينزّ من عينه، نعم..نعم، أنها دمعة، رفع يده لمسحها بكم جاكيته الفاخر.
دعها يا رجل ، يبدو أنها أجمل ما في لحظاتك الآن.
خاطبته دون أن أخاطبه.
أطلق آهة مع كلمات أربعة بينما هو يمسح دمعته.: " أنه..هو".. "أنه هو".
الآن تيقن من أنني أنا هو المُراد.
كنت قد تركتُ الزمن خلفي ، تركت الوطن لزمن هذا الرجل الذي يحدق بي ويحادثني منذ نصف ساعة أو أكثر.
بعد تلكم الكلمات ، أطلق جملة طويلة:
" ما كان الأجدر أن أن ترحل وتتركني..ما كان الأجدر أن تدخل الجنة وحدك وتتركني".
ثم أكمل، شيء أقرب للفضيحة:
لقد عاشرت امرأة شقراء ، تقطن إحدى ضواحي باريس ، عامان من الزنا العلني ، قبل الحب كانت مرحلة الخمر يا صديقي ، أعذرني ..ليس لي أن أنسى من إنك أحد أبطال الفضيلة."
أنا أرى الجميع في هذه القاعة المليئة بالجميع.
نصف هذا الجميع أموات ،نصفهم الآخر على قيد التأمل لما هو معلق ما فوق الجدران..صور كثير معلقة ربما بقدر المجازر الجماعية ، الأنين والحنين والحشرجات والآهات تتعالى في هذه القاعة ، قاعة الشهداء ، الشهداء ممن لم يعودوا إلى ذويهم ، لاخبرَ ، لاجثمانَ ، لا عزاء ،السكوت قبل ثلاثين عاماً مع حبس الأنفاس علامات العزاء العلنية ،ومن يخرق السكوت بدمعة ومن لم يلتزم بذلك يلتحق بهم.
الآن نحن معلقون ، صورا فقط ، بعد الأطاحة بمن أطاح بحياتنا.
أنا.. صورتي تلك ، وهذا الرجل يدُعي صداقتي والتي أنكرها عليه الآن، لا أعرفه ، هو مهمتي الآن ، وإلاّ ليس له الحق ادعاء رفقتي ، الأكثر من ذلك أنه يحاججني إني..تركته ومضيت إلى جنتي.
تذكرت أمي التي لا توحد في هذه القاعة، تذكرت أبي وأمي الذي ربما الآن في قاعة أخرى للبحث عني وهما يتفحصان الجدران المزّينة بنا.
إخوتي ، لا أحد.
صورتي دون ألوان، أسود وأبيض.. وصديقي مطاطيء الرأس مازال قُبالتي ويعلن أمام البياض متمتما:
" الأسود نحن.. والأبيض أنتم".
تحدث الرجل بصيغة الجمع هذه المرة.
ثم أردف بصيغة المفرد، مستعيناً بفقرة الأجدر:
" كان الأجدر بي أن أترك الجحيم.. الحياة..وألتحق بك..معك"
المتعاكسات التي أردفها والتي جمعتها منه.
مرة الجنة.. وأخرى الجحيم.
أنتم الأبيض..نحن الأسود.. يتوسط ما بين الجمع والمفرد.
"يا صديقي... أنني لم أعد أنا.. أنا قبلتُ القسمة على نفسي.. وأصبحت أكثر من واحد.. أما أنت فلم تكن كذلك..فمضيتَ إلى وحدك بوحدك."
هكذا الآن يخاطبني.
"أنا ذاك الذي كنت أشبهك..حين تم اعتقالك.. حين كنا طلبة في الإعدادية.. لا أدري لماذا لم أُعتقل وقتها..لم أكن أعرف الحكمة من ذلك..يبدو أنني أعرف هذه الحكمة الآن "
ويبدو أن ملامحه بدت تطفو في ذاكرتي ، تماشياً مع ادعائه في معرفة حكمته.
حسنا..حسنا..تذكرتُ..
القلب هو العلامة الفارقة ، حين كنا معا كنت أعرف قلبك، وحين ذهبت العلامة الفارقة لم أجد الطريق كي أعثر عليه، أو عليك.
أكمل مناجاته معي:
" أعرف أنك ستبصق على وجهي بعد ما سمعت، لا أخفي عليك أني أصبحت من المرابين الكبار ، الربا جعلني مليارديرا ، السياسة أعادتني إلى القمة حين عدت إلى بلادنا ، بلادنا التي اعتقلتكَ وأنت في ربيع العمر قبل سنوات وسنوات ،وذنبك الوحيد هو أنك تحب الحرية والفضيلة.
الغريب يا صديقي ، اني بكل آثامي وتحولاتي الآثمة صرت مديراً لميراثك، نعم صرت مديرا لكل ميراثك؛ كل ما تبقى منك، وماتبقى لك في دائرة الشهداء السياسين ، بعد أن عدتُ ، صرت مديراً لها... أنا المسخ.. أنا الذي لا أشبهك في شيء"
حميد الهاشم / العراق.
*( القصة فائزة بالمركز الأول في منتدى المشكاة الأدبي/ تموز 2023)
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة