بداية
******
قصة قصيرة
عبدالله محمد حسن
مصر
الشرقية
فاقوس
************
كان صوت الهاتف مزلزلا لسكون الغرفة النائم كصاحبه في مخملية من الأحلام.. إمتدت يد النائم نحوه دون بصيرة من صاحبها الغا رق في أحلام الشهرة ..إنه رشدي عبدالسلام.. في العقد الرابع من عمره... طويل.. ذو بشرة تميل إلي الإسمرار... يرتدي نظارة طبية.. شعره مجعد... يقضي وقته بعد عودته من عمله بهيئة السكك الحديدية في مطالعة الأفلام وقراءة المجلات الأدبية... والكتابة ومراسلة الصحف والمجلات..
-آلو...
لم ينتظر كثيرا... كان صوت أنثوي ناعم... تكاد الزهور من سماعه أن تنسي خريفها...
-رشدي أنا آسفة علي الإتصال في هذا الوقت المتأخر من الليل
وكما يصعد البخار من آنية تغلي تبخر النوم دفعة واحدة من عيني رشدي... إعتدل في جلسته... وقال في غير توقع:-
-أستاذة منيرة واصف!! الكاتبة الصحفية المشهورة!! منذ أن هاتفتك لم أتوقع أن يأتي يوما تهاتفيني فيه..
-رشدي إنك إنسان رائع بحق... أنت أنت في كتاباتك في سلوكك العملي. ..لقد لمست ذلك بالفعل من خلال لقائي بك... وأحاديثي معك عن الفكر والأدب ورؤيتك للحياة.. وخاصة الحياة المصرية...
قال رشدي متلجلجا:-
-أستاذة منيرة أنا... أنا
تعثرت الكلمات علي شفتيه.. تعثر الطفل حال تعلمه السير علي قدميه أول مرة.. ويداه ممدوتان تحتضنان إبتسامة بريئة يشارك بها فرحة من حوله...
ضحكت كما تضحك الأزهار لربيعها ثم قالت :-
-هل تعلم لماذا هاتفتك؟
دق قلبه شوقا إلي المعرفة.. لم يستطع أن يسألها تجاوبا معها من شدة تلك الانفعالات النفسية التي غزت أحاسيسة ونشرت جنودها وضربت خيامها فوق أرض التعبير لديه...
أكملت قائلة مدركة مدي مابه من تلعثم:-
-هل تذكر آخر زياراتك لجريدتنا؟
هل تذكر تلك القصة التي تركتها لي علي مكتبي طالبا مني المساعدة في نشرها؟أظنك تذكر ذلك
قال بعد أن إستطاع أن يجمع شيئا من شتات نفسه:-
-نعم.. أذكر ذلك.. وأذكر أيضا ثناءك عليها
-من حسن الحظ لم يكن هذا رأيي فقط... بل كان أيضا رأي مخرجنا العالمي نبيل سيف
وتسآءلت سؤال من يعرف الرد جيدا:-
-ألا تستحق هذه المفاجأة إيقاظك ليلا ؟
سقطت السماعة من يده فوق فراشه...
هل واتته الفرصة أخيرا؟
ولم لا
فالإستحسان يعني الموافقة الشفهية
جاءه صوتها مرة أخري
-رشدي... رشدي.. أين ذهبت؟أعلم أن للمفاجأة عواقبها من الذهول وعدم التصديق.. أرجوك عد لواقعك ولتسمعني حتي النهاية..
قال بصوت مبحوح:-
-ت... فضلي.. إني أسمعك
-لقد قدمت القصة كاملة إلي رئيس التحرير.. ليتم الموافقة علي نشرها... وتم بالفعل. ..صادف ذلك مجئ المخرج العالمي كعادته زائرا لجريدتنا وحال جلوسه أمام مكتب رئيس التحرير صديقه منذ زمن بعيد... وقع نظره علي قصتك ممهورة بإمضاء رئيس التحرير... أخذه الفضول أيما مأخذ ولعب برأسه رغبة الإستطلاع عليها... وما أن إنتهي من قراءتها إلا وأخذت أسئلته تنهار إنهيار الجليد إثر طلق ناري...
لمن هذه القصة؟
وأين هو ؟
وغير ذلك من الأسئلة.. الأمر الذي جعل رئيس التحرير يطمئنه ويرسل لي ساعيا يخبرني بحاجته لي في مكتبه علي الفور... قلت في نفسي... ماذا جري ؟أوقع مكروها ما لاقدر الله في مكان ما بمصر...
و.... طرقت الباب
فوجدت المخرج جالسا متأهبا للسؤال
وسأل.. وأجبته بما أعرفه عنك...
حتي قال لي:-
-هل يوافق الكاتب علي تحويل قصته إلي عمل سينمائي؟
إن بها رؤية غير مطروحة من قبل عن واقع الحياة المصرية...
وكان ردي عليه متحمسا:-
-أري أنه لن يعارض علي الإطلاق
-حسنا فليقابلني غدا في فيلتي بالمعادي... أنا في إنتظاره بعد الظهر.. وهذا كارتي الخاص... ولسوف أتر ك أمرا للأمن بإدخاله حال وصوله
وسكتت برهة.. ثم قالت وهاأنذا إتصلت بك..
هل أنت جاهز؟
جاوبها الصمت...
ضحكت
ثم أغلقت الهاتف
لكن دنياي لم تغلق عينيها.. حتي الصباح...