Translate

الاثنين، 16 مايو 2022

الدوامة بقلم / زهيه نكاع - الجزائر/ سطيف


 الكاتبه:زهيه نكاع

البلد:الجزائر/سطيف
قصة قصيرة بعنوان:الدوامة
نص القصة(الدوامة)
كان سيد علي يمشي بخطى متهالكة يجر جسدا ثقيلا نحو المجهول,تتصاعد أصوات السيارات المارة أمام عينيه كأطياف لخيالات مجسمة...حتى لم يعد يراها لتختنق معها أنفاسه اللاهثة تحت وقع أشعة شمس العاصمة الحارة,وتتسبب في تلك الرطوبة المختلطة ببخار البحر..فيتصبب لها جبينه بل وكل جسده عرقا يلتصق بملابسه..بإصرار مثير للقلق...
اختنق الشارع من الدخان الذي كان يخترق كل شيئ في المدينة وفيه,ويلوث الجو...كل شيئ في ذهنه كان ملوثا ويدعو إلى الضجر..
يدعوه لأن يشتم ويتذمر ويسب..لكنه كان يتمالك أعصابه لاعتبارات عديدة..لماذا؟لماذا أصحاب السيارات هؤلاء والذين كان كثيرا ما يهتم بالنظر والتحديق الى وجوههم الباهتة وأجسادهم الضخمةوملابسهم الفاخرة..يبدو عليهم الغنى..ولكنه كان لا يحسدهم الا على شيئ واحد...لعله الجهل الذي كان سببا او طريقا لثرائهم الفاحش ذاك..فسيد علي إطار جامعي منذ سنوات..بحث وبحث وبحث...عن عمل يسد به رمق اسرته ويملا به فراغه..بحث عن العمل مرارا وتكرارا ودق عدة أبواب..لكن الحظ لم يحالفه مرةواحدة,فاستسلم هو وأسرته إلى مصير البطالة برضاءاوعلى مضض...ومازالت خالتي خديجةتدعو له بالتوفيق..كلما خرج او سمع له طرق باب...
مرت كل هذه الأفكار في رأسه وهو يعبر الشارع تائهانحو بقال الحي الذي امتلأ عنده دفتر الديون على عاتق سيد علي المغبون..ليشتري بعض الاغراض للبيت...
مرت سيارة مسرعة لحد الجنون فبللت ثيابه وكادت ان تدوسه...انتبه اليها وكانه صحا من غيبوبه...ليبصر سائقها المتهور وهو يكاد يشتاط غضبا...لقد عرفه...انه زميله عصام..ذلك التلميذ الذي رسب في دراسته وطرد من المتوسطه منذ ماينيف عن خمسة عشر عاما....
ياللهول!يا لسخرية القدر...يالها من مزحة ثقيلة يا كسول المتوسطة!
آه!دارت الأيام وانقلبت الموازين وأصبحت اليوم تسخر مني وتتخذني هزوا..هنيئا لك هنيئا.
أذكر جيدا كم كنتُ اضحك منك هازئا من كسلك حينا وناصحا لك حينا آخر اذكر جيدا..ولابد انك انت ايضا تتذكر دروسي في الاخلاق ومحاضراتي الملتهبه بنار حب العلم وحماسه الطموح ..وكم انتَ إذاك تضحك مني ومن مثاليتي والتي كنت تنعتها بالسذاجة التي لا تليق بزماننا ولا تماشي عصرنا..عصر الماده والسرعه وعصر البزنس والزافيرات...
مرت تلك الايام بسرعه وتحالفت كلها جميعا..لتقف في وجه سيد علي...الطالب الجامعي المتخرج بلا وظيفه...ترى..هل هو الوحيد ؟؟؟كلا بل هناك الكثيرون مثله..
اما الذين لم يكونوا يولون للدراسه اهميه كبيره في هذا البلد...هم الان تقريبا كلهم ذوو مناصب واصحاب اسماء لامعه في عالم المال والتجاره وفي مجتمع الدولار...
ماذا بوسعك ان تقول يا سيد علي....؟؟
وبزفره حسره وتنهيدة عميقه...قطعتها سياره اخرى واخرى واخرى...كلهم ذوو وجوه مألوفه...وماض باهت في عالم العلم والمعرفه...وهو لا يزال يجر اثقال جسده الهزيل المتهالك على جسر للمجد الحالم...وآخر للحلم الهالك..يحمله نحو الدوامة نفسها...والشارع ذاته والبيت نفسه والوجوه ذاتها.. يا سبحان الله!عصام كاد ان يدوسني هازئا مني عابثا بقيمتي ومستواي...اتراني في نظره لا اساوي قرشا في سوق النخاسه...سوق الدولار الذي دخل اليه هو من باب واسع...!!
اراد ان يستفزني...ويهينني....تبا ...تبا له...بل تبا لي!!ياااالله..سامحني..
قاطعته خالتي خديجه والحيره بادية على وجهها:
-سيد علي ولدي...مع من تتحدث .ماذا تقول؟؟؟ماذا جرى لك مع عصام هذا؟
-امي...كاد ان يدهسني...بسيارته الفارهه...وانا اعبر الطريق....
رد عليها دون وعي بعد ان القى بجثته علىأريكة الصاله المهترئه...
-اتعلمين يا أمي...؟؟؟عصام هذا هو أكسل تلميذ عرفته في حياتي...اكسل تلميذ...
كاد ان يدهسني ليقول لي:هذه نتيجة اجتهادك وهذه نتيجة كسلي...
تركته امه لتذهب الى المطبخ وتفرغ كيس الاغراض التي جلبها...ثم عادت اليه بكوب من الماء البارد...لتجده قد عاد..
من جديد الى دوامته المفرغة ويحرق آلامه بسيجارةقديمة أمسكها بين اصابعه ثم رمى بها ارضا وداسها كما كان يتمنى انه داس عصام...
هنالك رن الهاتف:الو..الو...من معي..هل انت سيد علي؟؟هههههههههه
انا عصام...اما عرفتني؟
المهم على فكره سمعت انك تبحث عن عمل ههههه
حسنا اريد مساعدتك..عملك عندي متوفر...
هل تقبل العمل في شركتي كموظف؟؟؟
انه عمل بسيط لكنه بالنسبه اليك باب كبير للربح..
هاه..ماقولك؟
اموافق انت يا سيد علي؟؟اثق جدا في قدراتك ..ههههه
هيا اجبني حالا..والله انك اولى من كثير ممن تقدموا الى المنصب..وذلك باعتبارك زميلي السابق ..اعرف انك ستوافق...
آه اضحك كلما تذكرت دروسك الاخلاقيه..ههههه يا سيد علي..هل تذكر؟؟؟
ولم يتوقف عن الكلام...
كان سيد علي يستمع اليه...وهو يغوص في دوامته...
عصام ايضا كان جزءا من الدوامه...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة