Translate

الاثنين، 16 مايو 2022

المجهول بقلم / طالب غلوم طالب - دولة الإمارات العربية المتحدة


 قصة قصيرة (المجهول)

ينفثُ جمرُ الليالي سوادَه المرعبَ في جديلة الوحدة، ينتظر خطوطا بيضاء حُرّة لامعة من وهج النور.. (موسى) شاب صغير، يتقمص لغة ألف شاعرٍ طريد، ينتظر خطًا أبيض واحدًا منها فقط!.. يعتكفُ في صالة الانتظار ليطحن عيون القصائد مع حقائق غير منشورة... فهو منزوٍ لا يرتاد أعين المجاهيل والتفاصيل المغسولة بحوار الوجوم ولهجة الروتين، فما زالت كل الحقائق باردة كهذه القهوة العربية الباردة، أو كروح مومياء مُسجّاة في دهليز متحف مهجور ... مومياء مشبعة بالقداسة والأسطورة... مجاهيل ما زالت تسبحُ في فسحة عينيه الراحلتين... ارتجّ صدره، وانفجر باب الحوار الآسن... صرخ، صاح: الأقدام اللاهثة آتية، تحمل عويلاً ولعنةً. كلعنة براقش الغابرة آتية، ليست مثل كلبتنا الوديعة (ميمي)، إنها تحملُ دُموعًا مُوحشةً قادمة، انهضوا، اتركوا رأسي المقطوع هنا، ارحلوا، ودعوا الرجال النائمين يسخرون من جنوني... شرع (موسى) يصيح بجنونٍ رهيب، يبكي، ولغته يلفّها صمتُ القبور، فقد يضيع صوته الأول، وهناك أصواتٌ أخرى تتوالد، تصدحُ بالترانيم والأغاني الناعمة، ترتعش طرباً بعرسٍ جديد... عرس عجوز هجره العنفوان والأمل.. عشق ارتياد الفَورة ليبحر على شطآنه المائجة... قلب فتاة صغيرة، سيقت إلى مقصلة الذاكرة والمتعة الأزلية... سيقت مع أشياع القرابين النادرة.. عجوز يستلذ بحرقة ووجع وبطولة اليوم الأول والدمعة المكسورة الأولى.. وسيفرّ من الأيام الآتية الأخرى.. عجوز يحرق أجساداً خضراء في لحظة!.. (موسى) ابن التعب المنهك، مع أنين الليل وحده، تأكل عنوانه ديدان الصمت والفستان الأبيض والشعر الأبيض والكفن الأبيض.. محطات شاردة تُذكّره بخطوطٍ سوداء لم يعرفها بعد، ولغات باردة لم يفقهّا بعد.. والعجوز المتعجرف اللاهي لا يعبأ بثورة الزمن، سوى الاستمتاع بكلمات المباركة:
- مبروك يا (أبا موسى) على زواجك الميمون...
فعبارات التهنئة تمرّ مخدَّرة بإدمان اللوعة، تمر سكرى، والعجوز فرِح في موكبه السامي، يجرّ معه ألف أمنية، ويجرّر معه ألف عنوان ومصير مجهول!.. ضاع كل شيء و(موسى) يصيح، ينادي: أبي.. عرسك الموعود ليس ملحمة الشجعان!.. أضعت كل شيء، مات صوتُ القربان معك، موسيقاك الصادحة قتلت نباح الكلب المسعور، قتلت الصوت المموّه فقط، الكلب ما زال جاثمًا على جرح قريتنا الصغيرة.
أبي! قتلت حلمي القديم، أي جنون هذا؟!.. عرسك ليس حصادًا ولا جسدًا ولا انتصارًا، بل لعنة متسرمِدة أصابت نفسين في مقتل وجاءت الرياح لتشيعهما!..
لكنّ صيحاته ضاعت وسط عبارات التهنئة وزغاريد العُرس.
دولة الإمارات العربية المتحدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة