Translate

الخميس، 25 أغسطس 2022

زَمَنٌ جَميلٌ في الماضي. قصة قصيرة بقلم الأديبة : عبير محمود أبو عيد فلسطين - القدس

زَمَنٌ جَميلٌ في الماضي. قصة قصيرة
بقلم الأديبة : عبير محمود أبو عيد فلسطين - القدس

كُنْتُ في الصَّفِّ الخامِسِ عِندَما أَرسَلَني والِدايَ إِلى بَيتِ جَدّي لِأُمّي في عَقَبَةِ التَّكِيَّةِ في البَلدَةِ القَديمَةِ بِالقُدسِ. سَأَبقى في ضِيافَةِ جَدّي فُؤادَ يَعقوبَ المُهتَدّي (أَبي يعقوبَ) شَهرَيْنِ كامِلَيْنِ، لِأَنَّ والِدايَ سافَرا إِلى لُبنانَ.
أُخبِرُكُمْ عَنْ جَدّي الّذي كانَ يَعمَلُ في دائِرَةِ الصِّحَةِ، ثُمَّ تَقاعَدَ بَعدَ أَنْ بَلَغَ السِّتينَ مِنْ عُمرِهِ، أَمّا جَدَّتي، فاسمُها "شَكيبَةُ" وَهِيَ تُركِيَّةٌ مِنْ مَدينَةِ "أَسكودارَ"، وَلَكِنَّها مَولودَةٌ في البوسنَةِ. جاءَ بِها جَدّي مِنْ تُركِيّا، وَهِيَ لَمْ تُكمِلِ الرّابِعَةَ عَشْرَ مِنْ عُمرِها. وَكانَ يَسكُنُ مَعَ جَدّي وَجَدَّتي خالي وَعائِلَتُهُ.
وَفي اليَومِ الأَوَّلِ، لاحَظتُ أَنَّ لِجَدّي سَريرٌ وَلِجَدّتي سَريرٌ آخَرَ، وَلَمْ أَجْرُؤْ أَنْ أَسأَلَهُما أَوْ أَسأَلَ خالي أَوْ زَوجَتُهُ : لِماذا يَنامُ جَدّي في سَريرٍ وَجَدّتي في سَريرٍ آخَرَ؟
وَكانَتْ جَدَّتي تَصحو مَعَ جَدّي وَخالي وَزَوْجَتِهِ لِصَلاةِ الفَجرِ جَماعَةً، ثُمَّ يَعودونَ لِلنَّومِ ساعَةً مِنَ الزَّمَنِ، وَبَعدَها يُصبِحُ البَيتُ كُلُّهُ كَخَلِيَّةِ نَحلٍ لا تَهدَأُ وَلا تَمَلُّ. كانَ جَدّي يَحرِصُ أَنْ أَذهَبَ إِلى المَدرَسَةِ وَأَنا في كامِلِ الزِّيِّ المَدرَسِيِّ الجَميلِ. كانَ يَكوي لي قَميصَ وَمَريولَ وَبِنطالَ المَدرَسَةِ بِيَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ حِذائي، يَجِبُ أَنْ يَلمَعَ. أَمّا جَدَّتي، فَكانَتِ المَسؤولَةُ عَنْ شَعري (عَمَلُ جَدّولَتانِ مَعَ وَضعِ الشَّبَرِ الأَبيَضِ حَوْلَ كُلِّ جَدّولَةٍ )، وَعَمَلُ الشَّطائِرِ اللَّذيذَةِ لِلمَدرَسَةِ، ناهيكَ عَنِ الخِيارِ وَالتُّفاحِ وَالإِجاصِ. وَكانَ مَصروفي كُلَّ يَومٍ خَمسَةَ قُروشٍ يَضَعُها لي جَدّي عَلى الطَّاوِلَةِ في غُرفَةِ الجُلوسِ. أَمّا يَومَيِّ الجُمُعَةِ وَالأَحَدِ، فِإِنَّ مَصروفي يُصبِحُ ثَمانِيَةَ قُروشٍ، وَيُمكِنُ أَنْ يُصبِحَ عَشْرَةَ قُروشٍ حَسبَ عَلاماتيَ المَدرَسِيَّةَ. وَكُنتُ أَجتَهِدُ وَأُواصِلُ اللَّيلَ بِالنَّهارِ؛ كَيْ أَحصُلَ عَلى العَشْرَةِ قُروشٍ مِنْ جَدّي؛ فَهِيَ ثَروَةٌ وَكَنزٌ بِالنِّسبَةِ لي.
وَكانَ جَدّي مولَعًا بِشِراء جَريدَةِ القُدْسِ كُلَّ يَومٍ، مِثلَما كانَ والِدي يَفعَلُ. وَكانَ يُحضِرُ الأَغراضَ وَما تَطلُبُهُ جَدَّتي السّاعَةَ الثّالِثَةَ عَصرًا، وَأَكونُ قَدْ رَجَعتُ مِنَ المَدرَسَةِ. وَهُنا يَبدَأُ الصِّياحُ وَتَبدَأُ الحَربُ بَيني وَبَينَ جَدّي الّذي لا يُحِبُّ أَحَدًا أَنْ يَقرَأَ الجَريدَةَ قَبلَهُ، وَأَنا أُريدُ أَنْ أَقرَأَها أَيضًا. وَالظّاهِرُ أَنّي وَرِثتُ هذِهِ الصِّفَةَ مِنْ جَدّي، فَعِندَما تَكونُ جَريدَةُ القُدسِ في البَيْتِ، مَمنوعٌ أَنْ يَقرَأَها أَحَدٌ قَبلي.
وَكانَتْ جَدَّتي بارِعَةٌ ماهِرَةٌ في صُنعِ الكَعكِ بِعَجوَةٍ. وَذاتَ يَومٍ صَنَعَتِ الكَثيرَ مِنهُ، ثُمَّ ذَهَبَتْ لِتُصَلي العَصْرَ. تَسَلْلَتُ بِخِفَّةٍ وَرَشاقَةٍ إِلى المَطبَخِ، وَتَناوَلتُ صِينِيَّةً مُتَوَسِّطَةَ الحَجمِ وَمَلَأْتُها بِالكَعكِ، وَغَطَّيتُها بِكيسٍ كَبيرٍ، ثُمَّ صَعَدتُ إِلى السَّطحِ وَخَبَّأْتُها في زاوِيَةٍ بَعيدَةٍ. وَبَعدَ حَوالي السّاعَةِ، اكتَشَفَتْ جَدَّتي نُقصانَ الكَعكِ، وَدُهِشَتْ مِنْ ذلِكَ الأَمرِ؛ فَلا أَحَدَ يَستَطيعُ تَناوُلَ هذِهِ الكَمِّيَّةِ مِنَ الكَعكِ دُفعَةً واحِدَةً. وَكُنتُ كُلَّ يَومٍ، وَبَعدَ العَودَةِ مِنَ المَدرَسَةِ، أَصعَدُ إِلى السَّطحِ وَأَتَناوَلُ ثَلاثَ أَوْ أَربَعَ كَعكاتٍ، وَأَحرِصُ عَلى مَسحِ فَمّي قَبلَ النُّزولِ. وَظَلَلتُ عَلى هذا الوَضعِ خَمسَةَ أَيّامٍ، ثُمَّ وَضَعتُ الصّينِيَّةَ مَكانَها، وَلَمْ يُلاحِظْ أَحَدٌ ذلِكَ.
وَفي يَومٍ آخَرٍ، استَيقَظْتُ مِنَ النَّومِ السّاعَةَ السّادِسَةَ صَباحًا. يا لَلهَولِ، جَميعُ مَنْ في الدّارِ نائِمون. ارتَدَيْتُ الزِّيَّ المَدرَسِيَّ لِوَحدي وَذَهَبتُ إِلى المَطبَخِ وَعَمِلْتُ شَطيرَتَيْنِ عَلى عَجَلٍ. وَلِأَنَّني كُنتُ خائِفَةً أَنْ أَتَأَخَّرَ عَلى المَدرَسَةِ، نَسيتُ أَخْذَ مَصروفي مِنْ جَدّي. لا أَعرِفُ كَيْفَ كُنتُ أَركُضُ في سوقِ خانِ الزَّيْتِ ثُمَّ بابِ العَمودِ. وَصَلْتُ المَدرَسَةَ وَكانَ البابُ مُقفَلًا؛ فَالسّاعَةُ ما زالَت السّادِسَةَ وَالنِّصفَ صَباحًا. بَكَيْتُ مِنَ الخَوْفِ، وَأَخَذتُ أَطرُقُ البابَ بِشِدَّةٍ. فَتَحَ الحارِسُ البابَ، وَطَمأَنَني أَنَّ السّاعَةَ ما زالَتْ السّادِسَةَ وَالنِّصفَ صَباحًا. وَبَعدَ حَوالي النِّصفِ ساعَةٍ، جاءَ جَدّي إِلى المَدرَسَةِ لِلإِطمِئنانِ عَلَيَّ، وَأَعطاني مَصروفي. وَفي تِلكَ اللَّيلَةِ، خَبَّأَ جَدّي مِفتاحَ البَيتِ تَحتَ وِسادَتِهِ، كَيْ لا أُكَرِّرَ ما فَعَلتُهُ في ذلِكَ الصَّباحِ.
وَكُنتُ أَنامُ عَلى فَرشَةٍ عَلى الأَرضِ بَينَ سَريرَيْ جَدَّتي وَجَدّي. وَكانَ يَحرِصُ جَدّي أَنْ أَنامَ السّاعَةَ السَّابِعَةَ مَساءً، ما عَدا يَومَيِّ الخَميسِ وَالسَّبتِ، فَالنَّومُ يَكونُ السّاعَةَ الثّامِنَةَ مَساءً؛ لِأَنَّ المَدرَسَةَ تُعَطِّلُ يَوْمَيِّ الجُمُعَةِ وَالأَحَدِ. وَذاتَ يَومٍ، كُنتُ نائِمَةً، فَسَمِعتُ جَدّي يَقولُ : "ابنَةُ ابنَتي عَبيرُ لا تُحِبُّني؛ فَهِيَ تُديرُ لي ظَهرَها". وَبَعدَ حَوالي الأُسبوعِ، سَمِعتُ جَدّتي في اللَّيلِ تَقولُ : "أَهَذِهِ عَبيرُ الّتي أُحِبُّها؟ لِماذا تُديرُ لي ظَهرَها"؟ فَاحتَرتُ في أَمري وَكَيفَ أُرشي جَدّي وَجَدَّتي. وَكانَ الاتِّفاقُ أَنْ يَكونَ وَجهي مُقابِلًا لِجَدَّتي في ذلِكَ اليَومِ، وَيَكونُ وَجهي مُقابِلًا لِجَدّي في اليَومِ الّذي يَليهِ. وَهَكَذا فَرِحَ الجَميعُ بِخُطَّتي الّتي تَنِّمُ عَنِ الذَّكاءِ وَحُبّي الكَبيرَ لِجَدَّتي وَلِجَدّي.
وَعادَ والِدايَ مِنَ السَّفَرِ بَعدَ حَوالي الشَّهرَينِ، وَعُدتُ إِلى بَيتي وَالدُّموعُ تَملَأُ عَينايَ. رَحِمَكُما اللهُ يا جَدَّتي ويا جَدّي وَجَعَلَ مَأْواكُما الجَنَّةَ.
بَقِيَ أَنْ تَعرِفوا، أَنَّهُ إِذا مَرَرتُمْ بِمَقبَرَةِ اليوسُفِيَّةِ بِالقُربِ مِنْ بابِ الأَسباطِ، هُناكَ عَلى جِهَةِ اليَسارِ، وَأَنتَ ذاهِبٌ إِلى المَسجِدِ الأَقصى، شَجَرَةُ سَروٍ طَويلَةٌ جِدًّا. هذِهِ الشَّجَرَةُ مِنْ عُمرِ جَدّي، رَحِمَهَ اللهُ، وَهُوَ وَجَدَّتي مَدفونانِ تَحتَها.
May be a closeup of 1 person, headscarf and flower

حكايات منفصلة متصلة قصيدة نثر بقلم / محمد فتحي شعبان وطن

 حكايات منفصلة متصلة

قصيدة نثر
بقلم / محمد فتحي شعبان
وطن
تخترقني الحكايا
ووجوه العابرين
دميانة ها أنا أعود
أبحث عن وطن احكي
له حكايا غربتي
لكن الجميع هنا غريب
لا وطن سوي الغربة
سقراط والفضيلة
ظل يتغني بالفضيلة
حتي سقوه سما
لكني ابدا لم أتغني بها
لكنهم سقوني سم كلامهم
موناليزا
أنا لست دافنشي
لكن إن كنت أستطيع
الرسم لرسمت وجهك
علي وجه القمر
تتراقص حولك النجوم
في حفل زفاف سرمدي
أرسطو
ذهب المنطق سدي
في زماننا هذا
فلا شئ منطقي
نم قرير العين
الحياة
أهدتني الحياة ألما كثيرا
حتي سقط قلبي سهوا
فلا أدري أين ذهب
أمنيات
الكثير من الأمنيات
تبقي أمنيات
حبيسة صندوق الحكايا
حتي لا تفقد بريقها
مرآة
أنظر في مرآتي كثيرا
حتي تظل صورة وجهي
في رأسي كي لا أنساه
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏لحية‏‏ و‏منظر داخلي‏‏

قصة قصيرة جداً كبرياء بقلم / محمد شداد

 قصة قصيرة جداً

***********
كبرياء
بقلم
محمد شداد
****
كلما رأوها تسارعتْ خطى اللهفة، توددوا إليها، تمادتْ في سفر الغفوة و الأحلام، حين استيقظتْ... أوشك قطار الفصول تجاوز محطة الربيع.
**********
محمد شداد

وجه بدون ملامح بقلم : مراد العمري

 وجه بدون ملامح

بقلم :

مراد العمري

في غرفته المتواضعة التي سكنها منذ زمن طويل وكان الهدوء والصمت قد خيم على المكان بعد يوم من المتاعب وشاق من كثرة الضوضاء ، دوما كان يحب الجلوس هنا ونفسه تشتاق للعيش بعيدا كذلك عن هذا الضجيج الذي عكر صفوة المكان ، كان يحب أن ينظر من خلف نافذة الغرفة للحياة وللناس وللعالم الذي يتغير بسرعة ، يسترجع ذكرياته، وكل تلك السنوات التي مرت فجأة وهو يحاول بصعوبة أن يتذكرها ويتذكر كل شيء مع ذاكرته التي ضعفت وأتبعها الزمن وخانها النسيان لم يتوقع بأن قطار العمر قد فات بهذه السرعة ،وفجأة تذكر أيام الحرمان والشقاء ،أيام لم يستطع نسيانها أبدا، إنها حياته البائسة وأيامه الماضية التي جعلته يغادر وللأبد لايريد العودة لأنه خسر كل شيء حتى زوجته فقدها وللأبد . وأصبح سجين هذه الغرفة بل سجين كل الذكريات ، التي لم يستطع نسيانها رغم المسافات البعيدة وكل هذا البعد إلا أنه لا يزال مشتاق للعودة مرة آخرى إلى وطنه .

قصة قصيرة جدا فتوة بقلم / مهدي الجابري.. العراق

 قصة قصيرة جدا

فتوة
بقلم
مهدي الجابري.. العراق

انبجست عيون الخير بوادٍ غير ذي زرع،؛ صلحت أحوال الرعية... سيطر الولاة؛ عاثوا في الأرض فسادا، ثم أطلقوا سهام التفرقة!!
لازلنا نقتتل على الإسم.
مهدي الجابري.. العراق

حكاية صبي عصامي ============ ناجح صالح / العراق

 حكاية صبي عصامي

============
ناجح صالح / العراق
أسوأ يوم في حياته يوم وفاة أبيه ، وأسوأ منه يوم دخل الدار رجل حل محل أبيه .
نظر الى أمه بازدراء الا أنه كظم غيظه وأزمع أن يرحل رغم أنه كان في سن لم تتعد العاشرة .
وذات صباح حمل متاعه ميمما وجهه الى المدينة تاركا القرية وراء ظهره .
واستقر في بيت تربطه قربى مع أبيه ، تعاطف أهل البيت مع محنته فحسبوه واحدا منهم .
كان له عقل رجل رغم أنه صبي ، وراح يشق طريقه في معترك الحياة بلا هوادة .
وقف مع رب البيت يؤازره في مهنة النجارة ، وفي غضون شهرين أتقن الصنعة ، فأعجب به الرجل اعجابا شديدا وتوجس فيه مستقبلا يتفوق فيه على أستاذه .
وحاول الرجل أن يلحقه بالمدرسة لكنه رفض بعناد ، اذ آثر ألا يكلف الرجل أكثر من طاقته وأن يسدد دينه معه بالعمل دون غيره فتكون اللقمة التي تدخل جوفه من عرق جبينه .
ما أمر هذا الصبي ؟ وفيم كان يفكر ؟ وهل تركت أمه في نفسه جرحا لا يندمل ؟
الا أنه كان طويل الصمت لا يشبه أقرانه في هذه السن .. السن التي هي ليست أكثر من لهو ولعب غير أنه كانت له رؤية أخرى .
وكبر الصبي فبات رجلا وطارت شهرته في أرجاء المدينة كنجار حاذق لمهنته بعد أن أوكل صاحب الدار له مقاليد العمل ، ثم أكرمه باحدى بناته لتشاطره حياته الزوجية ، فاستقل بيتا صغيرا متواضعا هو بمثابة عش دافيء لحياته القادمة .
ومع كل هذه السنين الفائتة لم ينس يوما الجرح الذي خلفته أمه في أعماقه ولم تغب عنه ذكراها ..
ذكرى أم آثرت نفسها على ولدها ولم تكن وفية لزوج كان كريما معها كما لم تنازعها نفسها يوما بالسؤال عنه فقابلها هو بدوره بالقطيعة .
......................... ......
ومرت السنون يلحق بعضها بعضا .. وكبر أبناؤه الأربعة الذين رزق بهم ، وكان لهم شأن في مدارسهم حتى دخل أكبرهم كلية الحقوق .
شعر الرجل بالارتياح لأول مرة في حياته ورأى في أبنائه الحلم الذي كان يراوده في رحلته الطويلة .
ذات ليلة ربيعية اجتمعت الأسرة كعادتها في الحجرة الكبيرة وراحوا يتحادثون ويتسامرون ، وفجأة تساءل الابن الأكبر الذي كان يستمتع باجازة عن دراسته :
- أراهن يا أبي أن وراءك قصة تخفيها عنا .. فما هي يا ترى هذه القصة ؟
تركت آثار الزمن بصمة واضحة على وجه الأب فقال مستفهما :
- أي قصة يا بني ؟
- أنت تعرف ما أعنيه .. أين هم أهلك ؟ لم تحدثنا يوما عنهم .
وجد الأب نفسه محرجا وسط أولاده فتمتم :
- دعنا من هذا الحديث الذي يثير المواجع .
- لا يا أبي ، لقد آن الأوان أن نفهم القصة التي تثير فيك هذه المواجع ، فأنت ليس كأي أب ، لقد كدحت طويلا وأثرتنا على نفسك ، فهل تبخل علينا أن نشاركك همومك ؟
- حسنا يا ولدي ، لقد تحملت أعباء الحياة وحدي منذ غادرت القرية وأنا صبي ، أيسرك أن أقول لك أنني عانيت اليتم في أقسى صوره بعد وفاة أبي ، أما أمي فلم أر لها وجها منذ أن استبدلت أبي برجل آخر .
- ما أبشع ذلك .. أي أم هذه التي تترك فلذة كبدها في مواجهة الحياة لوحده في سن كان يجب أن تأخذه الى صدرها !
نظر الابن الأصغر الى أمه نظرة ذات معنى متسائلا :
- أكنت تعرفين وقائع القصة يا أمي ؟
أومأت برأسها قائلة :
- لقد رواها لي في أول عهدنا بالزواج بعد الحاح طويل من جانبي .. ان أباكم هذا خير مثال للرجل في صبره وتجلده .
استرجع الابن الأكبر القول :
- حقا ليس مثل أبي نظير ، اني أحيي فيه هذه الروح الشجاعة .
فقال الأب بعد صمت وهو يرمق أبناءه بنظرات تحمل في طياتها الحب والحنان :
- لا يكون الرجل رجلا الا حين يضع قدمه على أول الطريق وألا يحني رأسه للعاصفة مهما كان وقعها وشدتها وبأسها ، ومع ذلك فاني لا أرى موقفي من أمي هو موقف العقوق بقدر ما كانت هي عاقة معي ، أجل لقد طردتني من حياتها مقابل رجل غريب آثرته علي بعد وفاة أبي بستة شهور ليس غير .
كان من الممكن أن أضيع وأن يأخذني الشارع اليه غير أن الله أعطاني عقلا رصينا رغم صغر سني آنذاك ، كما هيأ لي القدر أسرة أمكم التي تمت بصلة القربى مع أبي لألوذ في حماها في تلك المحنة المفزعة ، ولعل ما كان يزيدني غيظا كنت أكتمه طيلة الوقت أن ما تسمى أمي تركت في نفسي انطباعا سيئا لذا لم أحترمها ولم أوقرها لأنها تجاهلتني تماما ولم تلق النظرة علي يوما وكأنها تناست أنها حملتني في بطنها تسعة أشهر ، أرأيتم أي أم هي ؟
ومما يحز في نفسي وهو أخطر ما في الأمر أنني كنت أتساءل كل يوم ألف مرة : هل أنجبت هذه الأم أخوة لي من بطنها ومن صلب ذلك الرجل لتخبرهم أن لهم أخا طردته من حياتها في أول امتحان لقدسية الأمومة ؟
كان الحزن باديا على وجهه وهو يتحدث .. حزن عميق أكل من عمره دهرا .
قالت المرأة وهي تتعاطف مع زوجها :
- كفانا التحدث عن هذه السيرة التي تجرح المشاعر ، كفانا التذكر عن صفحات قاتمة ليس وراءها الا ما يوجع القلب .
فقال الرجل وهو يجاهد في طي تلك الصفحات :
- هذه أمكم هي من وقفت معي ، تشد أزري حتى قبل أن أقترن بها ، كانت هي النسمة العليلة في حياتي ، هي من أعطتني جرعة من التفاؤل كي أمضي في الطريق ، ولن أنس فضلها علي ما دمت حيا ، حقا شتان ما بين امرأة وامرأة وبين قلب وقلب .
فقالت المرأة وهي تواسي زوجها :
- أنت من كنت متحمسا على شق الطريق ، أنت وحدك الذي كنت تقوم بمهام رجل وأنت صبي ،
وفيما بعد كنت لي زوجا هو أهل للوفاء والاحترام كما كنت أبا وفر لأبنائه كل مقومات النجاح .
حيا الرجل امرأته بابتسامة قائلا :
- لقد تأخر بنا الوقت فلنأخذ قسطا من النوم حتى نصحو على يوم جميل لا منغصات فيه .
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

أزهارنا تذبل بقلمي سيدة بن جازية تونس

أزهارنا تذبل
بقلمي سيدة بن جازية تونس

أزهار ارتوت ماء عذبا فرات
ترعرعت في تراب أرضي الندي
فاح عطرها وانتشر
بين الورد الطري
و الريحان الشجي
بيد أنه اختار قبل قطفه
إن يندثر
وسط الأجاج المكفهر
روح النسرين
في أيلول في تشرين
في مارس في أبريل
في كل حين
تشتم رائحة فقد
وحنين
ٱن أوان الياسمين
أن يدفن في بطن التنين
مخلفا حسرة وأنين
للوهم قد باعت النضال
واستثمرت في الظلام
كل الٱلام
والٱثام
تعب أعوام و أعوام
تلهثأزهارنا
وراء الأوهام
زورا وبهتان
ضاع صواب
وانعدم جواب
عندما طردوا البواب
وكشر لهم عن الأنياب
ضاع اللباب و المرساة
والأحباب
وادعوها ثورة الطلاب
والعمال و المحرومين
والغلاب
نعتوها بالربيع
وانبتوا على جوانبها
الشوق و الضريع
ضوع الياسمين
يبيع
زيف الحقائق للجميع
للعرب في الربيع الوضيع
رقصت على جماجم
المظلومين و المساكين
كل الثعالب و التماسيح
و ذبحوا للشيطان
القرابين
مدنسة برحيق الياسمين
ونحيب شقائق النعمان
الحزين
وانحناء الصنوبر والفلين
ليحتفلوا بتورة الياسمين
الحزين
أزهارنا تذبل في صمت
المقهورين
تخطط للرحيل
وبين الحين و الحين
يلوح بصيص ضئيل
لصحوة الضمير
لكن بعد اندحار الياسمين
بعد انتحار الأزهار بين شاطئين
يتلاعب بها
الموت واليأس الأليم
ويبقى التنين المليم
كالغربان على فوهة العدم
الحسير
لازلنا نحتاج أزهارنا للتعبير
فثمة أمل تحت الركام الدفين
ونور ساطع يحرق اللعين
وتعود أرضي
لأناسها الطيبين
بين البساتين و الرياحين
مثلما كنا مستبشرين
بالمطر و الريح و العرين
لسماء أرضنا العريق
نبارك دماء كل شهيد
في ذكرى ربيع الياسمين
في ثورة ألفين
تبقى الأزهار بشرى الأمل
بعد اندثار شيوخ العلل
فدوام الحال من المحال
وكلما نزل المطر أينعث
أزهار الريحان
لتبث الروح في الأجيال
و ترفع راية السلام
بقلم
سيدة بن جازية
تونس

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة