Translate

الأربعاء، 6 أكتوبر 2021

الرّاعيان والعجوز: بقلم / محمد جعيجع من الجزائر – 30 أوت 2021

 




الرّاعيان والعجوز:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من بين الصراعات الأسرية اختلاف الكنّة مع زوجة ابنها الأمر الذي دفع "رابح بن اسعيد" إلى البحث عن حلّ للمشكل، وهو الابن الوحيد لوالدته "صخرية بنت الولهي"؛ كان يستغلّ كوخا من طين وجريد كسكن لعائلته في إحدى ضواحي المدينة بمنطقة تسمى "حريفيشة" غير بعيدة عن السلسة الجبلية "القطّار" سوى بعشرين دقيقة سيرا بالسيّارة عبر طريق نصف معبّد، يملك سيارة قديمة من نوع "Beugeot404"، يستغلّها في التنقّل بين الأسواق من حين لآخر لبيع وشراء بعض المَواشي له ولغيره، حيث كان يمتهن تربيتها بعدد يلبّي احتياجاته المعيشية إلى حدّ ما ...
وبعد تقليب المشكلة في رأسه مرارا وتكرارا ارتمى في حضن نفسه التي أمرته بالتخلّص من أمّه كحلّ وحيد وأوحد لمشكلته "ويقطع العرق وايسيّح دمه"، وما عليه إلّا أن يبحث عن الكيفيّة ويخطّط لتنفيذ فكرته دون أن يترك أثرا يدلّ عليه ودون أن ينكشف فعله؛ أيستعمل بندقية الصيد التي كانت بحوزته وينسب فعلته إلى الخطأ؟، أم يستعمل السكّين ثمّ يخفي الجثّة تحت التراب؟، أم عن طريق الخنق وينسب الفعل إلى القضاء والقدر؟ أم يقتلها بالسيّارة ويدّعي بأنّ حادث المرور كان هو السبب وعن طريق الخطأ؟ ، أم ماذا؟.. وأخيرا تبادرت إلى ذهنه حيلة ضنّ أنّه بها يفلت من العقاب...
أخذ زوجته وابنتيه وابنه لزيارة أهلها القاطنين بمنطقة "سدّ الجير" وعلى غير العادة صباح يوم الأربعاء مصطحبا أمّه بحجّة أنّه يخاف عليها إن تركها وحدها في الكوخ، وعاد إلى كوخه رفقة أمّه؛ وبعد ثلاثة أيام وكان يوم سبت بعد العصر طلب من أمّه مرافقته للإتيان بأهل بيته وعليها أن ترافقه، ركبت إلى جانبه وانطلقت السيّارة تسرع الخطى قاصدة جبل "جدوڨ "؛ وصلت الوالدة وابنها إلى المكان، نزل وتفقّد المكان جيّدا، ليتأكدّ من خلوّه من الرعاة، فلا أحد يراه خاصّة وأن وقت مغرب الشمس يقترب.. عاد واِدعى أمام والدته أنّه نسي أوراقا مهمّة في الكوخ وعليه إحضارها "أوراق السيّارة" وعليها أن تنتظر عودته إليها؛ أنزلها وطلب منها الجلوس على صخرة هناك، اقترحت عليه أن ترافقه ولكنّه رفض وأصرّ على بقائها والانتظار...
عاد إلى كوخه وركن سيّارته في أعلى منحدر ليتسنى له تشغيل محرّكها كالعادة، ثمّ قام بإفراغ الهواء من جميع عجلاتها، وبإحراق حذائه طمسا للأثر الذي يكون قد تركه في المكان؛ ثمّ بدأ يسأل عن أمّه التي غادرت البيت إلى وجهة يجهلها ويبحث عنها رفقة عدد من الناس في مناطق "عين الجراد" و"البوَيرة" و"المطاڨ" دون جدوى من العثور عليها.. عاد الجميع إلى بيوتهم وذهب "رابح" إلى مقرّ فصيلة الدرك الوطني ليبلغ عن اختفاء والدته، أخبرهم بأنّه عاد إلى بيته مساء ولم يجدها وقام بالبحث عنها رفقة عدد من الأشخاص ولم يعثروا لها على أثر، وبعد تحرير محضر الإبلاغ عاد إلى كوخه ضنّا منه أنّه نجح بفعلته...
المكان لم يكن خاليا كما صوّر له بل كان هناك راعي غنم يسمى "قدور بن السماتي" في مكان شبه مخفي، وكان يراقب ما يدور أمامه من بعيد؛ السيارة معروفة "Beugeot404" ذات صندوق بغطاء أزرق، وبعد مغادرتها المكان دفعه الفضول إلى الاقتراب فوجد اِمرأة عجوزا في عقدها السابع تجلس على صخرة واضعة يدها اليمنى على خدّها ؛ "مساء الخير لعجوز"، "مساء الخير يا وليدي".. ماذا تفعلين هنا؟ ، أنتظر عودة وليدي "رابح" ، قال لي: "نجيب أوراق ونرجع لك".. فهم الراعي "قدور" القضية وبأنّه لن يعود وتعمّد تركها في مكان مخيف كهذا؛ ثمّ عرض عليها الذهاب معه إلى بيته والمبيت عندهم تلك الليلة، ولمّا يعود ولدها سيخبروه بأنّها عندهم.. رفضت مغادرة المكان وهي تردّد "وليدي قال لي نرجع ليك.." تركها الراعي "قدور" بعد محاولات كثيرة والليل يكاد يرخي سدوله وعاد إلى بيته الكائن بمنطقة "الدّار البيضاء" الغير بعيدة عن المكان نصف ساعة على الأكثر" سيرا على الأقدام، وبعد العشاء ولخطورة المكان الجبلي رجع الراعي "قدور" إلى المكان ضنّا منه أنّه سيجبر العجوز بالقدوم معه إلى بيته، أو يبيت معها إلى الصباح.. وبوصوله إلى المكان لم يعثر على العجوز عدا أشلاء متناثرة هنا وهناك ولباسها الممزّق وحذائها البالي؛ أصيب بالذهول وندم كثيرا لعدم إجبارها في البداية؛ عاد إلى بيته خائب الرجاء ولم يخبر أحدا بما حدث، لم ينم في تلك الليلة ينتظر انبلاج الصبح ليذهب إلى فرقة الدرك الوطني ويبلغ عن الحادثة.. وصل إلى مقرّ الدرك الوطني وأبلغهم بما حدث، اصطحبوه معهم إلى عين المكان بعد إخبار السيّد وكيل الجمهورية الذي أمر بمعاينة المكان وفتح تحقيق حول الحادثة وملابساتها؛ وصلت الفرقة إلى المكان ومعهم كلّ المستلزمات، وبعد البحث عثروا على زر كبير مميّز لـ"قشّابية" وقاموا بأخذ أثر لحذاء ولعجلات السيّارة بواسطة عجينة الجبس، جمعوا في أكياس بلاستيكية الأشلاء والملابس والحذاء ثمّ عادوا إلى المقرّ ...
بعدها تنقّلت الفرقة إلى كوخ "رابح" ليتابعوا التحرّي ولما سألوه عن السيّارة اِدعى بأنّها متعطّلة وقادهم إلى مكانها، وبمطابقة الأثر المأخوذ من مكان وقوع الجريمة مع العجلات تبيّن التطابق التّام، وبأنّ غرف الهواء بالعجلات سليمة بعد نفخها بواسطة مضغاط هوائي فيما بعد، وبملاحظة "القشّابية" التي يرتديها "رابح" تبيّن نقص في أحد أزرارها والمطابقة التّامة بين الزّر الذي عثر عليه في مسرح الجريمة وبقية الأزرار، وبقي الآن البحث عن الحذاء وبعد مدّة زمنية عثروا على بقيّة من الجزء المطّاطي للحذاء في المزبلة وقد احترق بعضه لكنّ العلامات التي يحملها لا تزال ظاهرة للعيان على جزء منه...
اقتيد "رابح" إلى المقر وتمّت مواجهته بالأدلة فأنكر ضلوعه في الجريمة، ثمّ بشهادة الراعي "قويدر" فأصرّ على إنكاره، عرض عليه حذاء والدته وبعض من لباسها الممزّق وعليه دماء.. اِنهار واعترف؛ ثمّ أخذ إلى مسرح الجريمة وأعاد سرد فعلته من الألف إلى الياء...
بعد اكتمال محضر التحقيق الابتدائي وثبوت الأدلة تمّ تقديم المتّهم رفقة المحضر الابتدائي للامتثال أمام السيد وكيل الجمهورية لاستجوابه واستجواب الشاهد ثمّ أعطى التكييف القانوني بإدانة المتّهم "رابح" متلبّسا بالجريمة وذكر المادة من قانون العقوبات، حيث حرّر محضر استجواب وأصدر مذكرة إيداع ليحال المتّهم إلى المحكمة خلال ثمانية أيام...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد جعيجع من الجزائر – 30 أوت 2021
أعجبني
تعليق
مشاركة

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا جزيلا لحضرتكم الكريمة الفاضلة عن نشر وتوثيق القصّة ... ممنون

    ردحذف

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة