Translate

الجمعة، 17 ديسمبر 2021

دوائر الألم قصة قصيرة بقلم / المصطفى الصغوسي - المغرب

 


قصة قصيرة

دوائر الألم
بعد طول انتظار جاء وأنار، لكن شمعة الفرح كانت ضئيلة، وسرعان ما التهم اللهب الفتيلة الواهنة، الأقران تعلموا المشي أبكر، قالوا الكلمة السحرية التي ينتظرها الآباء بكل شوق العالم: ماما، هو ما يزال يبخل علي بها.. عندما أحاول أن أتصيد نظرة من عينيه الغائمتين دوما، يسافر بهما نحو كل العالم إلاي. سيتكلم وسينطق مثل البلبل، قلن لي. وحكين لي عن ابن فلانة الذي تكلم باللسان الفصيح بعد أن ظنوا لأربع سنوات أنه سيظل أخرسا، وحكين عن ابن علانة الذي حارت والدته كيف ستدخله المدرسة ولما يتجاوز ما ينطق به الكلمة أو الكلمتين، وكيف عملت بنصيحة الحكيمات المجربات وطفقت تزور الأضرحة والأولياء، تقدم القرابين والدماء، وتستسقي من نفافير عيساوة وهداوة ومن مزاميرهم، وتسقيه ، وهو الآن، ما شاء الله ، حافظ لكتاب الله بالتجويد وبالقراءات العشر..
في البداية كنت أجد في كلامهن عزاء وسلوى، كنت أدفن همي في جلساتهن، وكنت أعود لزوجي برسائل أمل تعيد بعض الوهج إلى حياة زوجية عششت فيها الكآبة وأرخت سدولا من القنوط ..لكني الآن وقد عيل صبري وأنا أرى من رأوا النور بعده قد نطقوا وسحروا آباءهم، وأراه وقد هجر عالمنا نحو عالم أثثه بصمته وانكسار نظراته...أناديه فلا يرد ولو بالتفاتة أو إشارة، أختفي عنه لساعات.. أراقبه من بعيد، لا يفتقدني ولا يبكي لغيابي!. ذات مرة وأنا أراقبه خلسة بعدما اختفيت عنه، كما سبق أن فعلت، رأيته ينهض من مكانه، بنظره المنكسر، طاف في أرجاء الغرفة، ربما يبحث عني، فرحت ، حلقت إلى سابع السموات، كدت أخرج من مخبئي، تخيلتني، اظهر أمامه فجأة مثل لعبة الغميضاء، وأنا أقول ها أنا ذي، فيزقزق دهشة ومتعة ويجري نحوي فاتحا ذراعيه ليحضنني وأنا مشرعة ذراعي لأحضنه وأحضن العالم معه، استرجعت اللحظة تجمدت جفوني عن الرف وأنا أراه ما يزال يدور حول الغرفة ويطوف راسما دوائر من الألم والفراغ!. علا وجهه نوع من الحبور، اتسعت عيناه وطغى بياضهما على سوادهما خشيت عليه من الانهاك، خرجت من مخبئي، لم تستقبلني زقزقة ولا ضمني حضن.. اقتربت منه، تجاوزته، صرت في مركز دوائره، نظر إلي بذلك الحبور أو هكذا خيل إلي، ومثل درويش منجذب إلى قوة مغنطيسية لا تقاوم، انجرفت عن المركز، ألفيتني ادور في دوائره، عيناي نحو الأعلى وقد فاضتا وأغرقتا، ذراعي كذراعي مصلوب تحاولان عناق الفراغ، قدماي تغادران أرضا زلت بينما انضمت الغرفة وكل أثاثها إلى دوراننا المحموم.
**********
إلى كل أطفال التوحد وأسرهم.
المصطفى الصغوسي من المغرب

هناك تعليق واحد:

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة