Translate

الجمعة، 13 مايو 2022

علبة دواء بقلم / فضيلة نويقس ( شمس الأصيل) - الجزائر

 شمس الأصيل

على وقع دقات الساعة التاسعة، هزتني تيارات الهواء المتسللة عبر النافذة مع أشعة شمس باهتة، فترنحت على الطاولة القابعة جانب السرير؛ كم كنت أسعد طوال شهر بهذا الموعد ونظيره في المساء! أنتظرهما أكثر من رفيقي الذي تمتد يده متحدية الألم، تتعلق عيناه بي بملء الأمل، فأقدم له واحدا من أبنائي قربانا لراحته.
منذ أسبوع، تقهرني نظرات الاستجداء التي بات يرمقني بها، ويتسلل منها عجزه إلى خوائي. ككل يوم تمتد أنامله، ترفعني ببطء، تحتويني كفاه بعطف ينضح من قلب عاقر على طفل تعثرت به في زاوية خالية بطرف الشارع، يقلبني عدة مرات، يعيد تأمل حروف اسمي المطبوعة بخط عريض قاتم، يزفر هواء ساخنا مثخنا بأوجاع ليل طويل عاشه يتقلب بين مناشير الألم، يرقص على سمفونية الأنين الصاخبة، فتتململ رفيقته، تتنهد بعمق، ترمقه بعجز كعجزي، تخرج حروفه متقطعة من بين أنفاسه الملتهبة، تسمعها بصمت لتحمل وسادة ولحافا وتغادر بخطوات فارة، فتتحرر دموعه من مرقدها، تغرق وجهه فيدفنه بين الوسائد هاربا من نفسه، وأهرب أنا بعيدا أتساءل عن مصير أخواتي اللائي خرجن معي من نفس المخبر إلى المصنع ثم مركز التسويق! أستذكر كلمات عمال الشحن بعد أن تم تقسيمنا إلى مجموعات تتفاوت كما -كنت أنا في أقلها عددا-، أحاول فك شيفراتها؛ إن كنت مع من معي نصيب صيدليات الشعب، فلماذا شحنة أحياء أبناء الذوات أكبر؟! ترى أين تقع هذه الأحياء؟ ومن يسكنها؟ هل هم بشر يتألمون مثل صاحبي الذي تخفت أناته رويدا رويدا؟! هم كذلك بكل تأكيد؛ لقد صنعني البشر لأعالج أجسادهم، لابد وأن أبناء الذوات شعب أيضا، ولا بد أنهم كثر! أنا دواء باهظ تكاليف التصنيع لذا فأنا نادر ومن الطبيعي ألا أكفي الجميع. لكن مهلا! هل العراب أيضا شعب آخر؟! ولم قال العامل أنه رئيس بورصة الليل؟! غريب أمر هؤلاء البشر! يتمايزون بالألقاب والأسماء رغم تطابق خلقتهم، ربما يرجع ذلك لاختلاف مشاعرهم، تشتعل هذه الأسئلة كل ليلة ثم تهدأ مع هدوء أنفاس رفيقي عند بياض الفجر، لتغفو عيناه المنهكتين وتنتظم حركة صدره في سلام.
بعد ساعات من هذه الجلسة التي أدمنتها، تدخل علينا رفيقته بابتسامة منهكة مصفرة، تخرج علبة أخرى بنفس ثوبي، تمد يدها الخالية من خاتم ذهبي كان يزينها صباحا، تضعها بمكاني، تنتزعني من بين أصابعه فتجتاحني رعشة برد، ثم يلفني سواد ينغلق ببطء خانقا شعاع النور.
تمت بحمد الله.
فضيلة نويقس/ الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة