ألف ليلى في زاوية
بل لا وجود لألف إلا بليلى واحدة في تلك الزاوية ولا حتى ذلك العاشق إلا نادل طقوس عشقية، يبدو كنازع الأرواح من وسائد أسِرَّة قلبين، لكن رداء وجهه مألوف لدم الطين. لا، لا.. هو القائم والواعد والنابه. بل ويَخاله العاشقُ نديما بين عينيهما في لوحة رسمتها أبخرة متصاعدة من فنجاني قهوة يتحدثان بسرمدية ذاتية لا انقطاع لها.. ثم ويكأنه يصرخ لولا نادل الأرواح ذاك الذي يتلصص ريبة في الصدر.. في لحظة أصبح يشك حتى بقداسة المكان أَن لا وجود لأحد فيه إلا من عينين متقابلتين كل بزاوية تتكلمان بمناجاة المستحيل، صوت لغتيهما لا يرتفع عن صوت اصطدام الرمش بالرمش، ولا عن صوت خافقيهما.. تماما كأنهما عينان بشفتين دون لسان بل بأهداب تعيا الألسن بمثل حديثهما.. أ هما مجرد فنجانين يتبادلان خواطر العرافين وحكايا الأنفس المنزوعة من أصفاد عقلها؟ حقا هي لغة فنجانين، على وجه كل منهما، عينان نضاختان.. ثم على حين غِرَّة، يَسوَدُّ الطقس، يمطر الرصاص وتفترقان.. حلقت عينها غيمة بيضاء في السماء تنتظره؛ ويستفيق العاشق بيد أبيه يركضان إلى عراء رصيف ويحتضنان، وهي لا تزال في السماء يبصرها وتبصره.. فجأة يميط النادل الكوفية عن وجهه الملعون ويشير ويؤكد ثم يستتر خلف الميركافا.. لينزل القناص وبسبابته المعقوفة يضغط وبحنق.. وهي من فوق تمد لهما من أهدابها جناحين ويعرجان.. وله تغمز هناك خلف البرزخ... وعينه الأخرى تبصرُ بوضوح آلاف النوادل يفترشون طين الأرض.
أسامة الحواتمة/الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق