Translate

الثلاثاء، 7 يونيو 2022

عمـّو الشرطي سامي نعسان آغا، سوريا


 قصة قصيرة 

عمـّو الشرطي

الشرطي أيام الستينات من القرن الماضي، يختلف بالطبع عن شرطي القرن الواحد والعشرين. ليس فقط في موضوع الـ 25 ليرة، إذ لا فرق كبير إذا وضعنا في الحسبان سعر الصرف في أيامنا هذه، وإنما في مواضيع أهم. كان شرطي الستينات له صولةً وجولةً، وله سطوةً قانونيةً، يهابه الكبار قبل الصغار. في أحد الأيام كانت أم محمد تتجول في سوق الخضار، معها ابنها محمد، بعمر 5 أو 6 سنوات، (حمّودي،) كما تناديه أمّه، مدلل، صبي على 5 بنات، كلمته عند أبيه ما تصير كلمتين، كان يبكي بدموع سخيّة وأنف يسيل، يرفض أن يمشي، مجحرناً، كما نقول في إدلب، يشد ملاءة أمه السوداء ويصيح بها أن تشتري له لعبة. لكن ما تبقى معها من نقود بعد شراء لوازم طبخة اليوم لم تكن كافية. إذ أن أبو حمّودي لم يوفّق اليوم حتى منتصف النهار سوى بنقلتيّ ماء، ينقل الماء على ظهر دابته إلى البيوت في صفائح من تنك، من الحنفيّات العامّة في ساحة البازار، وقد قلّت مؤخراً أعداد زبائنه لأن بعض الناس، كما يردد دائما أبو حمّودي، (ما عاد يعجبهم نقل الماء، صاروا يجيبوه على بيوتهم في بواري حديد). عجزت أم محمد عن إسكات ابنها، ماذا تفعل؟ رأت الشرطي قادما باتجاهها، ببذلته الكاكي ذات الأزرار النحاسية اللمّاعة، وعلى رأسه قبعة من نفس لون البذلة، والمسدس الحكومي على خصره، نظراته صارمة وملامحه جادة. وجدت أم محمد فرصة للاستنجاد بالشرطي من أجل إسكات الصبي. صاحت:
ـ يا عمّو الشرطي تعال خذ حمودي عالحبس لأنه عمّا يعذّب أمه.
التفت الشرطي ونظر باتجاههما، استوعب الموقف، وعلى غير عادته ابتسم في وجه الصبي، هو أيضاً عنده ولداً آخر العنقود، من عمر حمّودي تقريباً، ويعرف كيف يتعامل معه. قال له مداعباً:
ـ ليش يا حبيبي يا حمّودي عمّا تعذّب أمّك؟ مو أنت شاطر وحباب؟
جلس الشرطي القرفصاء، أصبحت عيناه بمستوى عينيّ الصبي، الذي بقي متمسكاً بملاءة أمه السوداء، متمترساً خلفها، ينظر في حيرة ممزوجة بالخوف، يحاول التنبؤ بما سيفعله هذا الشرطي. خلع الشرطي قبعته ووضعها مداعباً على رأس الصغير، ثم نظر إليه وقال:
ـ يا سلام، يلبق لك يا حمودي يا عين عمّك أن تصير أحسن شرطي.. (سكت، فكّر أنه لا يريد لهذا الصبي أن يصبح شرطياً بائساً براتب 180 ليرة سورية، لا تكفيه لإطعام نصف دزّينة أولاد مفاجيع، يأكلون شعر الرأس، مثل أولاده). يلبق لك أن تصير أحسن رئـيس.. (ولم يشأ له أن يصير رئيس مخفر، كان يكره معلّمه لأنه يعامله بفوقيّة، (تعال يا شرطي خذ بابور الكاز من عند المصلّح وديه البيت، وشوف معلّمتك شو لازمها أغراض،) أنا عندي خدمة 20 سنة، ونصف دزينة أولاد، أعمل خادماً لرئيس المخفر!
لثوانٍ تخيّل أنه يخاطب ابنه، آخر العنقود، (لا، لن أقبل لهذا المسكين أن يكون مستقبله في سلك الشرطة). وجد نفسه يقول من غير تركيز:
ـ يلبق لك يا حمّودي يا عين عمّك، أن تصير أحسن رئيس جمهورية وتحكم العالم.
بنفس اللحظة كان، ولسوء حظ عمّو الشرطي، يمرّ بقربهم صدفةً، مُخبرٌ يعمل لصالح الجماعة له خط رقعي جميل، سمع الحديث.
أثناء محاكمة الشرطي، وَجَّه إليه النائب العام العسكري، تهماً لو تمّ تصديقها من الحاكم العسكري، لأدّت إلى الحكم عليه بالإعدام. وُجِّهت إليه تهمة التآمر لقلب نظام الحكم، وتغيير رئيس الجمهورية بالقوّة، وإشاعة الفوضى في البلاد، بمساعدة شركاء له هاربين ويتمّ البحث عنهم، خاصة المدعو حمّودي المجهول الهويّة، كما ورد في محضر اعترافات الشرطي، المدعو محمود محمد الحسين، والدته نزهة، من قرية تل بشمارون، المدوّنة في التقرير المرفق، والموقَّع عليها من قِبَله، أثناء التوسّع معه بالتحقيق في القبو.
ملاحظة: أي تشابه بالأسماء في هذه القصة، يكون محض صدفة، من خيال المؤلف.
سامي نعسان آغا، سوريا
اللاذقية 25 September 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة