Translate

الثلاثاء، 7 يونيو 2022

حرب باردة أريج الحمدي تونس

 حرب باردة

في لحظة غير معلومة تنشب حرب من أكثر الحروب دمارا وفتكا قد يمكن أن تصيب الإنسان، حرب مضمرة من الجميع، الجميع كان سببا في تأجيج لهيبها وزيادة سعيرها، كل متورط فيها، لم يكن ذنبه غير أنه تساهل في التعامل مع عالمه الخارجي، لم يأبه قطعا للذئاب المتوحشة التي تعم المكان ولا لأصحاب الأقنعة... كان صديق وسند للجميع، لم يخذل أحدا ولم يهجر أحدا، لم ينقض عهدا، لم يهدم سعي وأحلام أحدهم، كذلك لم يخيّب أمالا، يطل بإشراقيته البهية وعلى ثغره قد ارتسمت ابتسامة جذابة تشد الحشد إليه، بحلوله تعم البهجة المكان، وتسعد الأعين برؤياه، وتعذب الآذان لصوت تلقاه، وتشدو الأصوات بنعيم الحديث، الجميع في تنافس لنيل اعجابه وإثارة انتباهه... وكيف لرجل أعمال متواضع مساعد للجميع محسن لمحيطه أن ينبذ؟ كيف لرجل وسيم مثله أن يكره؟ وإذ كان الحال فيه ضربا من الواقعية فإنه لا يبشر بالخير الباتة، كل ما يتبادله الجميع من أحاديث وأخبار لم تكن توحي للسامع بغير أن ذاك الرجل ملاك يمشي على الأرض، والمعلوم أن الإنسان مهمى بلغ من الزهد مراتبا لن يكون ملاكا وإنما إنسان جيد... انقلبت الموازين فأصبح ملاك الجميع شيطانا كريها، بغيضا، حقودا على يعني جنسه... ليس ما في الأمر غير أنه وقع من العلا في المحيط غير الملائم، فقد ثروته وجاهه بين أناس عملتهم المال، والكثير من المال، وميثاق صداقتهم من وهن قد نسج... فقد الجميع دون ذنب فقط لأنه عادلهم مالا وعلاهم أخلاقا، حقيقة ليس من السهل على الإجتماعي أن يتكيف مع الوحدة مرغما، ولا أن يفقد مكانته بين ليلة وضحاها، كانت فترة من أصعب فترات حياته، شهد فيها الأسى والحزن بألوانه الدامسة، كان يتألم بشدة في شيء من الإستياء، لم ير حلا مناسبا غير مغادرته المدينة، مغادرة العقول الصغيرة، مغادرة وهجر ما يقيده ويكبل سعادته ويمنعها عن الخروج... وما حدث كان خير قرارا، وجد نفسه بعد الإحباط والخوف إنسانا مختلفا تماما، يحركه دافع الشغف والأمل، وجد قوة في باطنه لم يشعر بها من قبل ليس أنه لم يعتد على الكفاح وإنما لأنه كان يجهل قيمة ذاته واِستسلم إلى النمامين وسمح لهم بتدميره، اِكتشف مؤخرا أنه كان من الضروري تغيير نمط حياته، وأن الحياة تستحق المجازفات وبعضا من الجنون، اكتشف أن لكل إنسان محيط خاص يمكنه من النمو والتحليق عاليا والمضي قدما... ليس مهما ما مر به من عثرات بقدر أهمية فوزه على تلك الحرب المضرمة في قلبه، كخطوة جريئة قد أغلق جميع نوافذ الضعف، وقتل الذكريات ببشاعتها، ليس سهلا اخماد نار حرب كاملة بوجود تلك العتبات والعثرات... ليس سهلا إعادة نبض قلب ميت، إعتاد الحزن والكآبة... لكن لابأس، الحياة تستحق المجازفة ببعض الأحاسيس، بعض الأشخاص والكثير من الذكريات، إنما تستحق الجنون وإطلاق العنوان للِاندفاع... لا يعرف نكهة الحياة إلا من جازف وغامر وقلب الموازين لصالحه، وحول الفشل إلى قوة ونجاح، والإحباط إلى أمل، واليأس إلى تفاؤل...
أريج الحمدي
تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة