العَجوزُ الشّمطَاءُ ...
إتّجَهتْ نَحوي تَخطُو خُطوةً وتقِفُ أخرَى ، تَمشي ببُطءٍ ، إحدَى فردَتَيْ نَعليْها مُقطّعةٌ ، نِصفُها ذَهبَ ، تَحملُ كيساً تبدُو عليه أثارُ الإهمالِ والتّمرُّدِ والتّشرّدِ ، شعرُها إلى الشّيبِ مائلٌ ، عَينُها اليُسرى جاحِظةٌ ، وقَفتْ هُنيهةً تتَأمّلُني ، إنتَابَني خوفٌ ملأَ جوارِحي ، إرتعَشتْ رُكبتَايَ ، خفقَ قلبي خَفقانَ الهاربِ من الأسدِ ، خِلتُها سائلةٌ أو عابرةُ سبيلٍ ، وقفتُ وقفةَ جُنديّ يَستَعدّ لأيّ هُجومٍ مِن مسَافةِ صِفرٍ ...
وضعتُ يَدايَ على صَدري أترقّبُ ردّةَ فعلِها بعد أن صارَحتُها أنه ليسَ لديّ ما قد تَطلبُهُ مِن مُساعدةٍ مهما ضؤُلَتْ ، إستَغلّت خَوفِي وتَرقُّبي وتوجُّسي ، لتَنقضّ عليّ بكِلتا يديْها ثمّ شلّتْ قوّتي ، حاولتُ أن أتخلّصَ منها ، لكنّها كانت لي بالمِرصادِ ...
لم أستَطِع الإنفكاكَ منها ، تَمكّنتْ منّي ، وكأنّنِي بين فَكّي كمّاشةٍ ...
حاولتُ جاهداً التَّخلّصَ من قبضَتِها ، زادتْ قوّتُها ، وضعُفت قوايَ ، أحسَستُ وكأنّني فريسَةٌ ، زُرعَ في جِسمي سُمٌّ شَلّ جوارِحي ولم أعُدْ أقدِرُ على الحَركةِ ...
صرخْتُ بأعلى صوتِي ، أستَغيثُ لعلّ أحداً يسمعُ ندائِي في تلكَ اللحظةِ العَصيبةِ، لم يتَجاوزْ صُراخي حُنجُرَتي ، وبدأتُ أتَمتِمُ بكلماتٍ مُتَقطّعاتٍ ، وأتلُو آياتٍ من الذّكرِ الحكيمِ ، فلم يجدِ ذلكَ نفعاً ، توهّمتُ أنّها جِنّيّةٌ ، من عالمٍ آخرَ !
شمَمتُ فيها رائحةً كريهةً لا تَقبَلها طبيعةُ الإنسانِ ، تزكمُ الأنوفَ ...
زادَ صُراخِي ، وهي تعصُرُني ، تجُرّني إلى مكانٍ ضَيِّقٍ شبهُ مظلمٍ ، وبِشِقّ الأنفُسِ ، أخرَجتُ يَديّ من بينِ يَديْها ، خنَقتْني بصَدرِها المُتعَرّقِ ، أمسَكتُ وجهَها أدفعُها لأبعدَها عنّي ، ضغطْتُ على عينِها الجاحظةِ حتى كِدْتُ أفجّرُ مُقلتَها ، فٱبتعَدتْ عني قليلاً ، حينئذٍ شعَرتُ بثِقلِها يَضعُفُ ، بدأتُ أتنفّسُ بيُسرٍ .
وبعدَ لحظةٍ إختَفتْ ولم أجدْ لها أثراً ...
سقطتُ أرضاً ، والعبراتُ تَخنُقني ، وركبتايَ ترتَعشانِ ، وقلبي يدقّ بسرعةٍ وبِصعوبةٍ قمتُ من تِلك الإغماءةِ لأجدَ أُناساً لا أعرفُهم تَحلّقواْ حَولي يَتَحَوْقَلُونَ !!!
بقلم : فريد المصباحي / المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق