Translate

السبت، 16 يوليو 2022

قصة قصيرة مقابر متنقلة بقلم / سلوى الإدريسي المغرب


 قصة قصيرة

مقابر متنقلة
بقلم / سلوى الإدريسي 
المغرب

كنا ننتظر سماع آخر الأخبار ، ملتصقين بالمذياع ،(أمي ،أبي، أنا، قطتنا سوسو)

ضرب أبي المذياع بيديه ،كأنه يضرب المذيع كي ينطق،مرت تلك الدقائق كأنها عمر كامل ؛بدأت أمي تجهش بالبكاء وتعانق أبي ،كأنها طفلة في الرابعة ، لم أستوعب ما كان يحدث ،إلا عندما بدأت أمي بجمع الحقائب ، او ربما لم أدرك عواقب ذاك الخبر رغم أني استوعبته جيدا ،...بحث عن قطتي سوسو ، في أرجاء المنزل محاولة الإستئناس بوجودها ، كانت تختبئ تحت طاولة الطعام ، إنها عادتها عند سماعها صوت الطائرات الحربية ، كان يوما هادئا إلى حد ما ، فلم نسمع دوي انفجار، أو صفارة إنذار ..
بدأت ملامح ذاك الخبر ترتسم في الأفق ، أمامنا أربع وعشرين ساعة لإخلاء البلدة ، ووقف إطلاق النار ، سمعت أبي يقول لأمي وهي منهمكة بجمع ذكرانا من منزلنا الحبيب : "منذ متى وهؤلاء الأوغاد يلتزمون بالهدنة"
لم أسمع إجابة أمي ،رأيتها فقط تمسح دموعها بقطعة قماش ،كانت تضعها على رأسها عندما يطرق أحدهم الباب...
بعد مرور نصف المدة المحددة أصبحنا جاهزين ، حقيبتان وصندوق "سوسو" لاغير ، تركنا أغلب أشيائنا ،علها تستفيق يوما وتدافع عن هذا المنزل الصامد...
الشمس ترسم قرصا ينقصه التوهج ، وتغرق في بطن الأرض محاولة الإختباء من أشباح الظلام، ،تجمع جميع سكان البلدة ، او ما بقي منهم ...(بعض اليتامى،نساء حائرات، معطوبون )، حملنا أمتعتنا ، وغادرنا البلدة كطيور مهاجرة ،تبحث عن قطرة ماء ،ونحن نبحث عن قطرة أمل...
مشينا كيلومترات طويلة على أقدامنا ،لنصل إلى المكان الذي سنجد فيه الحافلة التي ستقلنا، ...طلب منا أحد سكان البلدة أن نستريح قليلا لناكل بعض الطعام، جلس الجميع على الأرض ، وبدأنا نتقاسم قوتنا ، رائحة الطعام كانت غريبة بعض الشيء ، أمسكت حصتي من الطعام أعطيت القطة بعضا منه ،لكنها لم تأكله ،كانت محشورة في زاوية الصندوق كأنها تشعر بخطر قريب ...
ماهي إلا لحظات حتى ظهرت قيامتنا في الأفق ، طائرات سوداء ومروحيات ، تسلط أضواءها فوق رؤوسنا ، كأننا سجناء هاربون من العدالة ، تفرق الجمع ، كل يفر في اتجاه ، كبيت نمل دهسته أرجل عابرة ...
احتمينا بالصخور، بالشجر ، بالتراب ، كان البعض ينادي ،يارب السماء ، يا رب السماء...
غادروا وتركونا نتقلب في ضوضاء خوفنا ،هل نكمل المسير؟ أم ننتظرهم هنا ، لأننا نعلم جيدا أنهم لا يوفون بالعهود. ...
لا أدري لماذا لم يقتلونا ؟ أم أنهم تركونا لنعيش الألم أضعاف مضاعفة ،ألم فراق الوطن ، وألم الحياة بلا مصير ...
وصلنا أخيرة إلى الحدود ،حيث توجد مخيمات النازحين ، إستقبلتنا الصحافة ،لتلتقط لنا صور العار ،التي ستبث في جميع القنوات ، ...لقد رأيت صوتي مع أبي في إحدى القنوات ،كانت المذيعة تقول :(كم هي جميلة عيون الفقراء)......لسنا فقراء ،بل نحن أبناء عز خذلنا الأذلاء .
قصة قصيرة
مقابر متنقلة
بقلم / سلوى الإدريسي 
المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة