Translate

الأحد، 4 سبتمبر 2022

قصيرة قصيرة... بقلم : صالح عزوز / الجزائر - موعد لم يكن في الحسبان -

 قصيرة قصيرة...

بقلم : صالح عزوز / الجزائر
- موعد لم يكن في الحسبان -
جلست تراقب حزنها الذي غطى المكان، حتى ضاق عليها بيتها بما رحب، تتوسد شوقها كل ليلة، وتغوص في عطر حضن، بقيت ماعدا اطلاله تغازل ملامحها ونهايات شعرها، تتخبط بين اضلع ماض مرهق، أطفأ النور من حولها، وقتل ألوان يومياتها، وهزم ربيعها، قبل أن تفترش وروده المروج و يزين أوراق الأشجار..
سمعت طرق الباب، وهي غارقة في التفكير، نادت على ابنتها "رشا" التي كانت تداعب دمية متسخة جلبتها من قمامة الحي، فهرولت إليها مسرعة:
- ناديتني أمي؟
- نعم اذهبي وانظري من يطرق الباب
رجعت إليها مسرعة بعد ثوان ..
- ماما، صاحب العمارة يطلب منك الحضور..
- أحست كمن شد رقبتها، حتى انقطعت أنفاسها، انكمشت ملامحها فجأة، شعرت بدوار يريد أن يسقطها، لكنها تشجعت تقدمت نحو الباب ..
- لم يرد عليها السلام، أشار إليها حينما وقفت أمامه، أنه الشهر الثالث الذي لم تسدد ثمن الكراء، ارتمت عند قدميه، فابتعد منها خطوة للخلف كمن يتجنب الدوس على الدنس أو الأوساخ،
- لم يعد ارتماؤك عند حذائي ينفعك سيدتي، أعطيك مهلة أسبوع واحد كي ترحلي.. وعاد ادراجه وغاصت قامته الطويلة بين السلالم وهو يتمتم بشتم مسموع..
التهمها الحزن بعد هذا التهديد، بكت بكاء ثكلى، فقدت ابنها في ساحة الوغى، ولم يصلها بعد رحيله إلا وسام الشرف تذكارا لشجاعته، تعُد أيام أسبوعها الأخير في هذا البيت، و تفيق على كوابيس ترى نفسها تحت الجسور، تفترش الأرض الباردة وتتغطى بأغطية رثة، تفوح منها رائحة الفضلات و الأوساخ، تراقب ابنتها ترتجف من البرد وتتلوى مثل أفعى في جحرها من أثر الجوع ..
أصبحت لا تستطيع النوم، فتحرك سكون الليل بالدعاء والصلاة، حتى تطرق أبواب أوقات السحر، تراقب حالها
وهو باسط مخالبه أمامها، يريد أن يشوه محياها، وسياط العوز والفقر تضربها كل يوم، حتى جفّت عروقها، وذبلت ابتسامتها، وارتمت ملامحها في الإرهاق الشديد، هزل جسدها، وفقدت شهيتها وغرقت بعد هذا في دجى ليل طويل...
لم تصبح حزينة على حالها، فقد اعتادت على وضعها مند اليوم الذي هجرها زوجها مع امرأة، كانت من المفروض أنها صديقتها لكنها اختارت سرقة زوجها منها في لحظة ثقة.. لكن حزنها كان على فلذة كبدها، كيف تحميها في شوارع لا رحمة فيها، وهي لا تستطيع حماية نفسها، فهناك المتربص بجسدها الهزيل رغم صغر سنها، وفيه من يبقى يتربص بها من أجل بيعها كسلعة، بدراهم معدودة ولو لشراء قطعة صغيرة من المخدرات أو قنينة خمر في ساعة العسر..
كانت ترى زوجها هائم في حضن امرأة أخرى، يتعطر بهمستها، ينام على موسيقى ضحكاتها، في المقابل تنام هي، مكسورة البال والخاطر، تبيت تصارع الكوابيس التي تتربص بها طول ساعات الليل..أما بنتهما فهائمة ببراءتها في هذا العالم المخيف، لا تدري ما يدور حولها وما ينتظرها....
لما حانت ساعة الحقيقة، لم تجد الكثير مما تحمله، ماعدا بعض الثياب القديمة تغير لونها الأصلي، خاصة بها وببنتها وصندوق من خشب، قضت الفترة الصباحية كلها على شرفتها، تراقب المارين في الشارع كل يهرول في اتجاه، وترى نفسها مستلقية تحت الأقدام تتوسل الشفقة من الغرباء.
كانت تنتظر طرق الباب، لكي يقذف بها الى خارج محيط بيت لم يكن بيتها يوما، بل كانت فيه مثل متشرد، يأويها وهي وابنتها من البرد والحر لا غير..سمعت طرقا خفيفا فتقدمت بخطوات ثقيلة كمعطوب حرب، وهي تراقب بنتها الصغيرة التي ما تزال متمسكة بدميتها الممزقة وهي تبتسم. فاض دمعا ساخنا حتى أحرق وجنتيها، فسالتها " رشا" ببراءتها:
-ماما لماذا تبكين؟ قبلتها وهي تمسح آثار الدموع بمنديل من ورق، ولم تجب.
حين فتحت الباب، وقعت عيناها، على نظارات زوجها هو يبتسم، يحمل بين يديه، أكياسا من كل الألوان، ويطلب منها التنحي جانبا، لكي يدخل بعض الخدم، يحمل كل واحد منهم، قطعة من زينة البيت، لم تكد تصدق ما يجري حولها، فمن المفروض هي مطرودة إلى الشارع في هذا اليوم، لكي تختار مكانا يليق بها، الى جنب المتشردين، لكن القدر أراد غير ذلك، فهي مدعوة الى مائدة من كل ألوان الطعام، وحينما جلس إليها هذا الهارب، كانت بداية سهرته معها :
- آسف حبيبتي، وقبلة من الزمن الجميل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة