Translate

الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

" مكابدات الأستاذ صيهود" للكاتب المبدع / حميد محمد الهاشم - العراق

 " مكابدات الأستاذ صيهود"

جلس المحققان،كانا قد وصلا تواً، الأستاذصيهود تصطك أسنانه،يبلع ريقه بصعوبة وتفاحة آدم تشي بذلك.
_ماذا جرى أستاذ صيهود في مختبر الكيمياء؟
دقيقة كاملة حتى يلملمُ حروف الكلمة الأولى.
_لاشئ ..سقطت الانبوبة.. ف.. ف..
_فماذا..؟ فماذا أستاذ صيهود؟
_رميت نفسي عليها.!
_على أيهما رميت؟!!.. الأنبوبة.. أم..؟!
صيهود لم يتزوج وقد تجاوز الثامنة والثلاثين ، شعره ممشط ،مبللول بالماء وربما ممزوجا بزيت ما، لحدِّ بداية بلعومه؛ قميصهُ مُطبق الأزار،ساعدهُ مكشوف عن شعر غزير؛ بعد طويات ثلاث لكُمّ القميص القهوائي اللون.
_ يا سيدي، الأنبوبة بالطبع وليس..
_ ليس ماذا.. ليس مَن؟
قال ونفَسَهُ وصدره يعلوان.
- ليست ست نبيلة عُبيَد ،..طبعاً.
مزمز المحقق الثاني،التفتَ إليه الأول و الأعلى منصبا ؛ليوقف المزمزة الماكرة,ثم عاد لصيهود.
_ لكن,قيل أنك رميتَ الأنبوبة ثم تَبَعْتها بنفسك,ولا بأس.. لنعرف إنْ أنتَ كنتَ أولاً أم الانبوبة؟نحن هنا لنعرف.. فا..
_ليس صحيحاً هذا.
قاطعه صيهود ورمشات عينيه راحت تتسارع.
_ فما هو الصحيح؟ وماذا حدث؟ هل أردتَ حرقها,أم ماذا؟
فرك صيهود شعره المزيت..مسح عينه اليسرى بأصابعه.
_ كان في قعر الانبوبة قطرات من حامض مركز،ألتفّتُ لأكلّمها , وكانت قد دخلتْ قبل لحظات, كونها مدرسة كيمياء؛ فلا بأس أن تحضر معي تجربة تحضير هذا الأشتعال،جلستْ على كرسيّ خلفي، التفتُ ولم أعرف أنها وضعت ساقا على ساق.
توقف صيهود وليبلع ريقه مرة أخرى.
_حصيلة ألالتفاتة الأولى ،أن ذيل التنورة قد انحسر فوق الركبة،ليس كثيرا سيدي، لكنه فوق ب..،
قهقهه الرجل الثاني واضعا ظهرَ يده على فمه؛ ليخزرهُ رفيقهُ مرة أخرى.
_ثم ماذا يا صيهود؟
_الألتفاتة الثانية؛ كانت من دوافع الطبيعة،حينما تعصف ريح ب.. ب..،لا أعرف بمن تعصف سيدي،ولكني التفتُ لأرى ؛أن كانت المساحة البيضاء مازالت عارية.. ولا أعرف أي الدوافع هو سبب مصيبتي الآن، وكان قد تفاعل الحامض وطفح الفوران.
_أي حامض واي فوران يا صيهود؟
مزمزَ كلا المحققين هذه المرة.. وأكمل صيهود دون أن يمرّ على سؤال المحقق الأخير.
-سيدي...أرتبكتُ.. خشيتُ طفحَ الفوران ،قذفتُ الأنبوبة، كنت قد خشيتُ حريقاً ما، والحوامض قريبة من بعضها، ومواد قابلة للأشتعال،لكن اللعينة..
_ أيّ لعينة منهما؟
_ الأنبوبة بالطبع، اللعينة سقطت قرب ساقي اللعينة الأخرى.
_ من هي اللعينة الأخرى؟ كن دقيقا؛ فهذا تحقيق وليس مزاحا.
_ ست نبيلة سيدي....
كان أبوها يدعى عُبيد، وقد أحبَّ الممثلة المعروفة ، في الليلة التي اندفعت أبنته إلى الدنيا كانت عشيقة شاشتهِ بطلة تلك الليلة، فمنحها ذلك النُبل بذلك الإسم النبيل ،وقيل أن لها أختا تدعى سعاد حينما انتقل عُبيد بأعجابه الى ممثلة أخرى.
هل استمر مسلسل الأسماء مع نزواته السرية والعلنية مع النجمات الجميلات ، لا أعرف..وحتى الأستاذ صيهود الذي يبلع ريقه الجاف الآن لا يعرف ،
_ ست نبيلة سيدي..رميتُ بنفسي وكأنني سبايدر مان،لكي أطفىء حريقها.
_ هل احترقت هي، ياصيهود.؟!
_ كلا ،سيدي لكني بفطرتي البلهاء توقعت حريقا لم يحدث، محاولا اطفائه، فانقلبتْ على ظهرها،مع كرسيّها،وكرسيّين قربها،ومواد أخرى، أما أنا فقد أصبحت فوق الجميع،الكراسي ،والحوامض،وست نبيلة بسيقانها العاريتين،العاريتين جدا هذه المرة.
صمت الثلاثة،وراح أستاذ صيهود وبلا إرادة ينظف أحد منخرييه.
يبدو أن صراحته أعطته ثقة أكبر.
قال المحقق الذي شبع قهقهة ومزمزة.
_ لكنها قالت لنا شيئا آخرَ..قل لنا الحقيقة لكي نعرف كيف نفهمك ونساعدك...أنت رميت الأنبوبة لتسقط في حُجِرها_ حضنها_ ،هاجمت حجرها وتركت الأنبوبة تسيل،أنت تركت حريقها مشتعلا ولم تطفأهُ ،كما تدعي هي، وهذا يفسر اختلاط لعاب فمك المخفف مع حامضك المركز.
أبتسم الرجلان بريبة.
عاد شحوب الوجه لصيهود ،بيدَ أن ثقتهُ لم تنفد تماماً جرّاء آخر الاسئلة الهجومية المباغتة.
_ ماذا تقول سيدي؟! لا اختلط مركز مع مخفف ولامخفف مع "ساعة السوده"،والأبخرة هي من أسالتْ لعابي.
كانت قد اشتعلت الأبخرة، وكانت نبيلة قد انقلبتْ مع الكرسيّ على ظهرها. أصبحت قوائم الكرسي الأمامية مرفوعتين؛ فيما علقت سيقانها المرفوعتان أيضا بتلك القوائم، في الوقت الذي هجم صيهود كما يدعي على حُجِرها لإنقاذه من الأحتراق وسط تفاعل مواد أخرى اختلطت نتيجةً لهذه الهزة الارضيه؛ لتتصاعد أبخرة بيضاء وصفراء وبنفسجيه.
مناخ مخملى من الأبخرة ،وكراسٍ ساقطة، وسيقان عاريه ؛ يقتحم هذا المشهدَ السيد الناظر.
_ وحتى الناظر كاذبا حين أَلَفَنَي وقد فَتَحَ باب المختبر.
حكّ صيهود شعره وبعض الزغبِ في ذقنه.
صمتَ المحقق قليلا بينما كان يتلاعب بقلمه بين أصابعه.
_ مممممم ..لقد وجدك وقد خلعتَ قميصك،كنتَ في الفانيلا البيضاء فقط يا أستاذ، ماذا كنت تفعل بفالنيتكَ ودون قميص يا صيهود؟
لم يتافجأ صيهود ،بل قهقهه عاليا.
_ بماذا كنت تريدني أن أشتت الأبخرة التي غطتْ سماء مختبري، ،بماذا..بماذا..؟هىء هىء..قل حضرة المحقق. كان الناظر نذلاً حين أَلفَيتهُ وقد فتح الباب، فربما هو من أرسلها؛ لكي توقع بي،فأوقعهما الله حينما أوقعَ الانبوبةلكي تكون حجتي واضحة، فهو رجل قذر بقذارة ماء حنفياتنا، حينما تحلل دفائنهُ ترى أوساخ الزمن والحياة كلها.
مزمز المحققان.
_ من تعني أوساخ الزمن،الماء،الناظر أم...ولماذا يفعل ذلك الناظر ؟!
في الثامنة صباحا،يوم خميس العلم، أكثر من ثلثمائة طالب والبراءة كالشمس،الحقيقة دافئة مثل ذلك الصباح،الناظر يلقي خطابه الأسبوعي.
صوت مشاكس من أعماق الطلبة" بريء، بريء أستاذ صيهود
آخر.." يعيش أستاذ صيهود".
الأساتذة يترّقبون،الناظر يقطع خطابه ويرفع نظارته فوق حاحبيه،" أسكت ،هذه رفعة علم".
جرأة اخرى" بل يعيش أستاذ صيهود" ..وترتفع الأصوات..ترتفع..ترتفع.. وإذا بفضاء الساحة يمتلأ..يعيش صيهود..يعيش صيهود...يعيش...يعيش..يعيش...
مشاكس يتفكه مع زميله.
_ يا أستاذ صيهود..لو كنتَ..قد أطفأت حريقها..وانتهى الأمر.
ذنبُ صيهود الوحيد أنه لم ينتبه لحامضه المركز...قرار اللجنة مع القهقهة.
كلما تذّكر صيهودنا ذلك يمد طرف لسانه،ويلعق شفتيه وكأنه يلعق عسلاً.
حميد محمد الهاشم/ العراق.
* القصة فائزة في المركز الأول في منتدى المشكاة الأدبي November 2022 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة