الندم
أخاف أن أفقده يوما ما٬ فخروجه المفاجئ أثناء هطول المطر٬ بات يقلقني، ولا سيما بعد هبوط الظلام ٬ ها هو مجددا يقف تحت المطر٬ تمتد رعشة البرد المتسللة من أعلى ذراعه لأخمص عكازه، وقد نال شطر الرغيف الظاهر من تحت إبطه نصيبه من الرذاذ، تمتم بصوت خافت ببعض الكلمات الغير واضحة حين لاحظ اقترابي منه بعد أن ركنت سيارتي قرب رصيف المحطة، ترجلت منها حاملة بين يدي مطرية سوداء كبيرة، لتقيه البلل، دنوت منه وطرحت عليه السؤال المعهود:
_"ماذا تفعل هنا في هذا الوقت؟
_"ولدت زوجتي منذ قليل ولم تجد ما تأكله، فجلست تحت جدار المسجد أستعطف قلوب العابدين، فجاد أحد العابرين بهذا الرغيف، عليّ أن أسرع قبل أن تموت جوعا هي وطفلتها، تلك الحافلة اللعينة تأخرت كعادتها"
مددت ذراعي أحضن كتفيه٬ وطلبت منه أن يرافقني إلى السيارة..
وهمست في أذنه والدمع الساخن يغرق وجنتيّ:
_"قد أخذت الطفلة كفايتها من الحليب وكبرت الآن٬ ولم تغدق على نفسكة بعضا من غفرانك، قد كان مقدرا ما حدث لأمي عند الولادة ولا ذنب لك في موتها يا أبي".
حميدة الساهلي_تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق