Translate

الخميس، 15 ديسمبر 2022

الثمن بقلم الكاتب المبدع / إدريس الزياتي - المغرب

 الثمن

جهز وليد أحصنته ،أسرجها لم يكن اختياره اعتباطيا ولا جزافيا ، اعتمد في ذلك على حسه الثاوي في كيانه منذ سنين عديدة ، كان طموحه القديم أن يخوض الغمار بنفسه، لكن الأقدار حالت دون ذلك ، لم يستسلم الطفل الحالم في كيانه ، الساكن في بدنه الممشوق، كان يحثه دوما على خدمة العشيرة التي تنفس أريجها وتشرب سحرها ، لم تغره الألوان ولا الأضواء، ، الإصرار الذي بداخله يفتت الجبال الرواسي، يجعلها تلين ،بكلماته الواثقة ،ونظرته الخاطفة، يدرع المكان ذهابا وجيئة ، لا تستقر له حال على حال ، لا تحركه الرياح الآتية من كل اتجاه ، كالطود يقف يراقب المربع الأخضر الذي يراه ميدانه القديم ، فكم داعب عشبه ، واختلطت حبات العرق التي قفزت من صلعته كالجواهر لتروي الأرض فتنشق عن شتلات جميلة .
حل كالنسيم العليل على الأعشاب اليانعة التي تلفحها شمس الهجير ،سمع للأحصنة صهيلا وهملجة، ما أن رأت طلعته، كانها بفراستها الأصيلة عرفت قدره وهمته ، همس في أذانها ، أسر لها وجهر ، كمن مدها بطاقة جديدة، لربما أيقظ في داخلها ذالك المارد الذي يسكن في جوفها ، سمع بقبقته وجلجلته ناداه بأعلى صوته فلبى، طفقت الوشائج تنسج مشكلة فسيفساء لا مثيل لها ، خرجة الأحصنة من مأواها ولها زئير كالأسود ، لا تهاب الصعاب ،تمشي في طريقها يثبات وتترك الأثر الكبير في كل من رأى أوسمع ، حتى استطاعت بضبحها إحياء تلك الروح القتالية التي خمدت جذوتها من سنين .
اشعلت فتيلا لن ينطفئ أبدا ، بلغت لظاها الآفاق ، ولسعت كثيرا من الأفئدة ، كشفت المستور ، وكشر ت الذئاب عن نابها تريد النيل من إيمانها القوي بنفسها ، يقوي سطوتها رهط من بني جلدتهم لا هم لهم سوى الاغتناء على حساب جراحهم ، يتغنون بالوطنية ثم يقطعون جذورها في غفلة من الوطن ، وآخرين يدعون الأخوة والجيرة مالهم منها إلا ما كان في قلوب إ خوة يوسف من حقد قبل أن يكيدوا له كيدا ، أما العدو فقد هاله مارأى قطفق يصطاد في الماء العكر باحثا عن ما يثم به الخيول الأصيلة لجعلوها في عيون الناس هجينة لكن هيهات هيهات .
كانت شمسهم قد أصابت كل أطراف الأرض وسطعت في كل ضاحية بنورها الوضاء ،لتملأ جنبات الكون دفئا بعد أن كاد الصقيع أن يلتهم أطرافه،خرجوا من المعركة كالذهب الأحمر مرفوعي الهامة بعد أن علموا العالم ومنحوا جرعات كافية من الأمل لكل المقهورين ، لكن الحظيرة لا زالت تعج بالخيول الهجينة ، فلا نامت أعين الجبناء والمتملقين ومن باعوا الذمم ورضوا بالدون ليصعدوا في الأعالي نجوما من ورق .
إدريس الزياتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة