Translate

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

قصة قصيرة سارق أم مسروق ؟ بقلم الأديب المبدع / د. سعد جبر عميد كلية الإعلام بجامعة باشن

 قصة قصيرة

سارق أم مسروق ؟
أخذ شهيقاً كبيرا وهو يرتدي قفازات حديثة لا يمكن معها تتبع البصمات ، شد الرحال لبيت جاره الوحيد الذي لم يسرقه، كان يراه كل يوم يجر قدميه القصيرتين مقلدا السلحفاة البرمائية حين تزحف على الشاطئ وتدعي أنها تسير، كان يعرف أن وجهته واحدة من اثنتين إما المسجد أو المقهى، إنه رجل لا يحتاج لمراقبة فمخطط حياته وحركاته مرسوم بهدوء يتحرك فيه بعناية وحذر لا يكاد يخطئه كأنما هو لعبة القطار السريع الذي فرغت بطارياته الجافة فكاد أن يتوقف لكنه لم يفعل،
حمل حقيبة فارغة ولف رأسه بلفافتين سميكتين أغلقتا نوافذه السبعة فلا نعرف كيف يسمع ولا كيف يرى ، فالجو بارد جدا والليلة حالكة السواد محق سوادها قمر الليالي وتنتظر الدنيا هلالا جديدا بأقرب وقت،
انسل بلا صوت ولا صورة، كان يحفظ مداخل بيت جاره ومخارجه ولا يحتاج لدليل ولا لوقت للتفكير في أي شيء، لكنه استطاع الدخول من المدخل الكبير بكل سهولة فالباب عتيق يمكن فتح قفله بمعظم مفاتيح الدنيا
هدوء رهيب لا يخشى منه، وظلام دامس يضطره للبحث عن مفتاح الضوء، تجرأ ففتحه، وليته ما فتحه ..تفاجأ بجاره العزيز يقف أمامه لا يكاد يظهر منه شيء سوى جبهة عريضة بها بصمة مميزة معروفة وتجاعيد ترسم خريطة العالم كله بطريقة مختلفة ، لم يكن يفصله عنه إلا بوصة أو بوصتين، ولبرهة فكر في إغلاق مفتاح الضوء مرة أخرى لكنه ضرب الأخماس في الأسداس فوجدها متساوية، ماذا عساه أن يفعل هذا المسكين ؟ لكن تفكيره طال لأكثر من برهة، كيف ومتى وصل هذا الرجل عندي؟ كاد أن يصرخ من شدة الدهشة فجاره الهرم كانه لم يره تحرك ببطء عائدا لفراشة في غرفة النوم الصغيرة مفتوحة الباب، قتل الفضول صاحبنا ليتابعه خطوة بخطوة في مشهد درامي ساخر نسي معه هدفه ومقصده، وصبر دهرا حتى دخل الرجل غرفته والتحف بطانيته ونام، لقد سمع غطيطه بعد أن اختفى داخل البطانية بثانيتين اثنتين، جال السارق ببصره مقتحما كل شبر يمكن رؤيته بالغرفة الضيقة فلم يجد شيئا رجع خطوتين للخلف أخذ يقلب كل ما يراه أحدث جلبة وقعت الأطباق وأدوات الصيد القديمة ومنضدة لا شيء فوقها ولا شيء تحتها، رفع رجله ليتعدى بعض الكراكيب ثم لم ينزلها تسمر مكانه واقفا على ساق واحدة ما هذا؟ سجادة الصلاة ؟ رباه ماذا أفعل؟ ترى هل يدوس بحذائه المتسخ على السجادة ؟ لا وألف لا ؟ إلا الصلاة لقد تربى على أن لا يمر من أمام أبيه عندما كان يصلي وكان يقبل المصحف والسجادة ويرفعهما بأعلى رف في البيت، كان أبي يصلي كل يوم، نعم كل يوم .. رحمك الله يا أبي، حاول أن يقفز بخطوة واسعة كان متدربا على القفز العالي وتخطي الحواجز، وبكل قوة فعلها أحس بفرحة غامرة أنه استطاع احترام السجادة وأنه لاتزال به قوة للقفز حتى ولو على ساق واحدة، ولكنه لسوء أو حسن حظه ركل بقدمه مطهرة الوضوء أحس ببرودة الماء تصل إلى مخ عظامه حين تبللت قدمه من مائها ، ارتعش قلبه وهو يقول كيف يكون هذا ماءً للوضوء؟، استطاع أن يدركها قبل أن تغرق بمائها المسكوب كل شيء، فكر في التأكد بنفسه من برودة الماء التي صدمته ، خلع القفاز الأيمن، توقف الزمن وتجمدت أصابعه حين لامست أنامله الماء البارد، في صفحة الماء ظهرت صورته متخفيا عن نفسه، الضوء لا يكفي لرؤية التفاصيل لم يخرج يده من الإناء الفضي اللامع النظيف أسرته زخارفه القديمة لكنه استطاع أن يقرأ كلمتين على الغطاء الذي تنحى جانبا ليظهر له جمال الماء وبرودته، أعاد قراءة الكلمتين مرتين أو ثلاثاً، قال في نفسه ربما لا يملك هذا العجوز أغلى من هذا الإناء إنه غنيمتي الليلة، لا تزال يده هناك نسيها وتذكر أمه حين كانت تتوضأ لصلاة الفجر كل يوم، نعم.. كل يوم، ترددت عينه بين المطهرة والسجادة المخملية السميكة ، فكر في ضمها للغنيمة، أخرج يده من الماء نسي شدة البرودة بمجرد ملامسة أهداب السجادة المحكمة النسيج، مر بيده عليها مرة أو مرتين ثم غاب عن الوعي لم يدر أين هو إلا بعد دقائق، فتح عينيه ليجد قفازاته ملقاة عن يمينه ولفافات رأسه عن يساره ومعظم جسده يتقاطر ثلجا لا ماءً، كانت قدماه مصفوفتين في أدب جم على السجادة المخملية الخضراء، وهو متجه للقبلة، يحاول أن يقول كلمتين خفيفتين كانتا على ذلك الغطاء المزخرف القابع فوق المطهرة، كان ينظر لكفيه المرفوعتين للسماء ينتظر شيئا جميلاً لكنه لا يدري ما هو.
بقلم د. سعد جبر عميد كلية الإعلام بجامعة باشن
ديسمبر 2022م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة