فتاة الغموض
بقلم الكاتب المبدع / الحسن سنداني
المملكة المغربية
أظنني جننت، جمال هذه الفتاة أوقعني وأكيد سأعاني.
كانت معتادة القدوم إلى المقهى كل مساء، تنزوي في ركن بعيد عن ضجيج العامة، تضع أمامها كومة كتب، تحتسي قهوتها بنشوة ،فتحسبها تقبل كل قطرة منها،كأنها تمارس طقس خلوة بين الذات ووحي العقل، عجيبة تلك الفتاة !تبدو من عالم آخر، شاردة دوما، صامتة ونظراتها تنم عن حزن دفين.
رغم قصرها، تمتلك جل مقومات الجمال، شعر سبسب حريري، عينان كبيرتان ينبعث منهما شعاع الإغراء ، جذابة تسر الناظرين، قوية متحصنة يصعب اختراقها من المتربصين، تقطر أنوثة يحرسها عنفوان الكاريزميين،وأظنها لا تميل إلى منطق القلب و تحكّم منطق العقل، فلا تبدو عليها صفات المحبين المغرمين ،الحب و الغرام يولدان دفق أحاسيس ترسم معالمَ على الوجوه و تفضحها حركات.
بعد تردد طويل ،اقتربت منها في رهبة خوفا من ردة فعلها.
أقرأتها السلام، ردته علي باقتضاب ،نظرت إلي ،فغرقت في لجة عينيها..
أردت أن أقول لها كم هي جميلة لكني نطقت:
- آنستي هل ترغبين في كوب قهوة ثانً؟
بخجل و سرعة شكرتني على لطفي.
وساد الصمت بيننا، حولت نظراتها إلى دفاترها المبسوطة أمامها، التقطت قلما
وبدأت تكتب شيئا.
تماديت في جرأتي ولم أستسلم، سألتها عن اسمها.
أجابت وهي مطرقة:
- هدى.
- إسم رائع آنستي الجميلة!
أصابها إطرائي بارتباك، احمر وجهها خجلا واحتدت نظراتها.
انتهى الكلام بينا بابتسامة مكسورة و نظرة مبثورة و تمتمات متقطعة و تحية وداع ، عدت إلى مكاني، أستعيد الشريط القصير الذي دار بيننا ،وأنصبت نفسي بطله ،تذكرت اسمها وغموضها، تزاحمت اللقطات مع الكلمات في مخيلتي ، استيقظ الشاعر التاوي بين ضلوعي ، فهمست شفتاي :
قالت اسمها هدى و سكتت يا ما أحلى لحظة بهدى أشرقت!
نهضت لتنصرف فتبعتها، وددت فقط أن أتنفس بعض الهواء الذي يحيط بها ويحمل لي أريج عطرها..
توقفت فجأة فتوقفْت، خفق قلبي وظننتها استشعرت وقع خطواتي.. أخرجت من حقيبتها ثوبا أسودَ وأسدلته على الجينز والتي شيرت، وعلى رأسها وضعت طرحة..وعند ناصية أول شارع كانت هناك سيارة اجرة صغيرة ينتظرها !
بقلم الحسن سنداني
المملكة المغربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق