Translate

السبت، 1 أبريل 2023

قصة قصيرة ( القلعة ) للكاتب السوداني أحمد عجيب





طلقانة يابخيتة

قالها ببساطة وهى تصب له كوبا من الشاى

واصلت فى صب الشاى كأن الطلاق يخص احدى جاراتها

ولم يحمل وجهها الطفولى اى تعبير سوا كان غضب او تذمر

تقبلت الامر ببساطة وقامت بما تقوم به عادة كل صباح

من عواسة للكسرة وطبيخ والاهتمام بالصغار

ثلاثة اطفال هم حصيلة زواجها من الفاروق

والواقع ان الفاروق لم يطلق بخيتة وحدها فقط طلق والديه ايضا وقريته الصغيرة

فهو الان ليس ذلك الفاروق العاطل الذى يرابط فى المواقف مستجديا اصحاب الحافلات والبصات ليعمل لديهم

الان هو فاروقا اخر حتى انه طلق الالف والام من اسمه ليكون فقط فاروق

فاسرتة الصغيرة والكبيرة لم يستوعبوا نقلته الاجتماعية والاقتصادية المهمة واجتهد معهم ليرتقى بهم وفق تصوره

بناء لهم منزلا فخيما منزل لا يشبهه منزل فى قريتهم وملابس من الماركات العالمية واغدق عليهم بالذهب والمال

بيد ان كل هذا لم يحرك فيهم ساكنا فبخيتة مع كل هذا الذهب والثياب السويسرية والعبايات الخليجية ظلت بخيتة كما عرفها وتزوجها

ووالده لم تغير فيه الجلاليب الفاخرة والشالات المطرزة والجزم الجلدية من هيئتة شيئا

فهو مازال غفير المدرسة الثانوية

حتى بعد ان اجبره فاروق على الاستقالة

مازال الرجل غفيرا

ينادى الاعيان بسيد فلان

ويتنازل من كرسيه فى مناسبة لكبارهم كدأبه دائما

رجل بسيط محبوب قانع وقنوع

لم يتفاعل مع ثروة ابنه المفاجأة

بل يراها كارثة حلت بهم

ويتحاشى نظرات وتساؤلات القرية الصامتة

نفث فاروق دخان سجارتة الفاخرة وهو يسأل سائقه الخاص عما اذا اقتربوا من وجهتهم

: قربنا ياريس

ضحك فى سره من ريس فهو ايضا كان حتى وقت قريب سائقا لريس اخر

وقفت عربة حرسه الخاص امام منزل عتيق يبدو انه من الطراز الفكتورى

منزل يطلق عليه الاهالى القلعة

أسسه الجد عبدالحفيظ التاجر المعروف

رجل عصامى اسس امبراطورية تخصصت فى تجارة المحاصيل

ولا نشاط اخر له الا ان اسرتة لم ترضى بهذا الوصف المقل

فصنعت له تاريخ نضالى وكيف انه دعم الثوار ماديا وحتى انه قلعته استضافت بعض اجتماعاتهم

وبعض متطرفى الاسرة يدعون انه اعتقل وسجن نتيجة مواقفه من الاستعمار واكتشافهم لدعمه للمقاومة

والحق لم تصمد ثروة عبدالحفيظ كثيرا بعد وفاتة فقد تلاشت وتوزعت بين اولاده الذين لم يحسنوا ادارتها وتخطوا خط والدهم ليدخلوا عوالم اخرى غير المحاصيل

من معارض سيارت والشقق وكل استثمار يرونه مربحا وسريعا لتنتهى ثروتهم اسرع مما يظنون ولم يبق الا هذا المنزل العتيق كشاهد على النعمة والعراقة

نعم فهى اسرة عريقة ومعروفة ولم تضع هذة الصفة مع ما ضاع

ولذا قصدهم السيد فاروق فهم ينقصهم المال وهو تنقصه العراقة وفق ما يعتقد

وقد اشار له احد مسشارينه بهذا الراى

ان الزواج من عائلة عبد الحفيظ حماية له ومركز اجتماعى جيد

وقبل ان يتخذ هذة الخطوة استعان بخبراء فى مجالات شتى

فهناك كورس للغات فقط بعض الكلمات ليطعم بها كلامه متى ما استدعى الامر ثم كورس اتكيت تقوم به شابة

فى كيفية استعمال الشوكة والسكين وربطة العنق وتناسق الالوان

وحتى لون الجراب يجب ان يتسق مع القميص

السيد فاروق لم يكن تعجبه هذة التفاصيل صحيح انه يبحث عن نقلة توازى مركزه المالى لكن بدون هذة التعقيدات المملة

رحبت الاسرة بضيوفهم واجلسوهم على هول داخلى مطلى حديثا

فاروق يعرف تفاصيل المنزل من الداخل

يعرف انه لا اثاثات ملائمة عدا هذا الهول واغلب الغرف فارغة تحتلها الجرذان فقط الهول هو واجهتهم لاستقبال ضيوفهم او رصفاؤهم فى طبقتهم

مع عربة عتيقة اجتهدوا فى ان تكون مقبولة لحد ما

وكثيرا ماقررت الاسرة التخلص من المنزل فهو ثروة لا بأس بها يمكنها ان تعينهم

بيد ان خوفهم من الزحف بعيدا من طبقتهم لغى الفكرة

وهم يعيشون فقط على الاسم والتاريخ

فاروق يعرف كل شى فقد اشترى احد احفادهم ليكون عينه ويمده بكل صغيرة وكبيرة ولم يكلفه الحفيد اكثر من ان يفتح محفظته

تنحنح عم نجلاء والتى طلبها فاروق بالاسم وهو طبعا لا يعرفها ولم يراها بعينه

فالاسم والتفاصيل من المستشارين

وحسب مارشح انها مقبولة وعلى اعتاب الاربعين

تلقت تعليما اكاديميا جيدا وقد رفضت الاسرة مجموعة من الخطاب العاديين

لا يمكن ان يقدموا عراقتهم مجانا

تنحنح العم

وابتدر فاروق متسائلا

: لا قيت نجلاء وين؟

القى بالسؤال وقصد ان تكون رقبته لاعلى ناظرا لفاروق من اعلى

فاروق لم تفته هذة التمثيلية ويعرف ان العم لا يملك ثمن البنزين ليقود عربته

وانه يحتال ليختار شوارع امنة من الدائنين وانه متخفى من البنك بعد عجزه عن تسديد مرابحة

يعرف كل ذلك

ولذا لم ينزعج بل اشعل سجارة فاخرة ونفث. دخانها فى وجه العم مباشرة

: طيب ياجماعة نحنا نتكلم على بلاطة

غمز له مستشاره الخاص

وهى اشارة بأن ثمة خطا فى تصرفه

تجاهل غمزة المستشار وواصل

انا جيت لصفقة

لكن نقول زواج

وجاهز لطلباتكم كلها

من تسديد ديون الاسرة

واعمل معاكم مشاريع مشتركة

وعمنا ده عنده خبرة فى الشركات

امسك لى شركة بالنص

لازم نسابتى اكونوا فى مستواى الاقتصادى

تدخل عم اخر متهلل الاسارير وحاول ان يكون طبيعيا

ولا يليق ابدا بابناء الاسر العريقة ان تبهرهم المادة

تدخل قائلا

ده كله مابهمنا نحنا بهمنا الراجل واصله

: من الاخر ماعندى اصل

ولا ابوى شيخ قبيلة ولا عندنا اطيان انا اول زول فى حلتنا اشب لفوق

تدخل العم الاول منقذا الموقف

: كلنا لادم وادم من تراب

شخصيا بهمنى الرجل الدوغرى العصامى

: شوفوا ياجماعة

انا اكون صريح معاكم

عشان ماتقولوا لى ادينا فرصة نسال منك انا حاقول كل حاجة ونحسم الموضوع اليوم

موافقة او رفض

انا ما عصامى ولا دوغرى

ولو سالتو منى حيقولوا ليكم كده

انا انتهازى

يعنى بتاع فرص

كنت سواق للسيد مرين

دخلت معاه الكوميشن

عرفت نافذين

لاقيتهم فى المزارع الليلية كنت بسوق لمرين

المهم العالم ده دخلت معاه فى كل شى

من تهريب لمخدرات

: مادام حاسى بالندم ربنا غفور رحيم

هكذا افتى العم

: لا لا انا لا ندمان ولا تبت ولا ناوى

انا يادوب اتعرفت على اجانب ومسكت السكة الصاح

: لا حول ولا قوة الا بالله

رددها العم الثانى

وهو ينظر للمستشار الذى اعيته الحيلة ولم تجدى كل غمزاته فى اسكات فاروق

فتدخل المستشار

: فى تقديرى الشخصى....

ليقاطعه فاروق

اسكت.... انا عايز اسمعهم هم

واهو عرفونى على حقيقتى

عشان مابعدين غشانا والكلام ده

: ادينا فرصة

: والله لو مشيت تانى مابرجع

اجتمعوا الان وقرروا

اجتمعت الاسرة داخل هول اخر به فقط كنبات عتيقة وكرسى بثلاثة ارجل

كان اجتماعا صاخبا المشترك فيه الدفاع عن فاروق

وانه ضحية ظروف وربنا وحده من يحاكم الناس وليس من حقهم محاكمته

ثم انهم ومن خلال خبراتهم يمكنهم اصلاحه وتقويمه وينالون ثواب استقامته بدلا من طرده ليتمدد اجرامه

ان واجب اسرتهم كاسرة وطنية عريقة هو حماية امن البلد الاجتماعى والثقافى وحفظ عاداته وتقاليده

والواجب الان احتواء فاروق حتى لا يكون شرا مستطيرا

ارتاحوا جميعا لهذا الراى وانتخبوا العم الاول ليتحدث بأسم الاسرة

حمدالله العم وشكره واستهل خطابه بموافقتهم المشروطة على قبوله عضوا فى اسرته

وهو ان يترك تجارة المخدرات

اعترض فاروق على الطلب وليس من حق احد اى احد ان يفرض عليه رايه

ثم انه له التزامات فى السوق

استفسر العم الثانى

فى اى نوع من المخدرات يعمل!؟

ان كان الحشيش فهو لا بأس به صحيح يعاقب عليه القانون لكنه اعشاب مثله مثل اى عشب

وكثيرا من الدول تسمح باستعماله فى القهاوى

اراد فارق ان يؤكد انه يعمل على كل الانواع ولم يختار تخصصا محددا بعد

الا ان المستشار تدخل مباشرة ولم يكتفى بالغمز

قال المستشار

نعم نعم السيد فاروق يعمل على الحشيش فقط

مسح العم الاول على جبهتة بعصبية

وتحركت شفته ليقول شيئا ما

الا ان غمزة من المستشار اسكتته

لتنطلق زغرودة من داخل القلعة العتيقة

 









 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة