Translate

الخميس، 13 يوليو 2023

قراءة الأديب / عبدالله النصر، في رواية (مع سبق الإصرار والترصد) للروائية / سهام مرضي


رواية (مع سبق الإصرار والترصد) للروائية سهام مرضي، الصادرة عن نادي حائل الأدبي، السعودي.
رواية تحكي قصة الأم التي بعد أن فقدت زوجها تاركاً لها ثلاث بنات وولد، لم يكن في وسعها إلا أن تخنع للرجل العنجهي الجاهل المتخلف الذي يتمسك بالدين قشرًا وماهو بالدين، ويتشدد فيه، فيطبقه على المرأة التي تم تجهيلها وحبسها في عادات وتقاليد مجتمع صلف جاهل يخترع أخلاقه من منبع القبيلة المتعجرفة والفخوذ المتعصبة وما تقضيه التقاليد والعادات وحب الذات والمصلحة الخاصة، ومن تفسير للآيات والأحاديث حسب الهوى وما يوافق الأهداف الظالمة المتعسفة.. تخنع و تستسلم لمزاج أخيها ذي الجبروت الذي يعمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحفل منه على نهايات سيئة لبناتها الطموحات. وتقود، وهي محنية الرأس صامتة، بيتها برفعة الرجل وإعطائه منزلة لا يستحقها ولو كان مخطئاً جاهلاً أحمقاً وتُدني المرأة ولو كانت صائبة متعلمة واعية. كما تُسيِّرُ بناتها خانعة مستسلمة وفق قوانين منحدرة خاوية يسنها أخوها المتدين ورجالات عائلتها وقبيلتها، قوانين عزل وتهم وتخويف وترهيب وتغريب، لتردي بنفسها وبناتها في الحضيض والمآسي والألم والانحدار والضياع، فعوضاً عن ضمها واحتوائها لهن وإعطائهن منزلتهن وقدرهن، تُكبر وتؤثر ابنها أصغرهن عليهن وهو في سن المراهقة بل الجاهل الذي لم يتعلم والعاطل السكير اللوطي وصاحب السجون وتتخذ منه ولي أمر عليها وعليهن إلى جانب أخيها خال البنات الثلاث..
تُطبق عليهن قوانين العبودية والسجن في البيت والخنوع والتذلل والمسكنة وعدم الحصول على أي حق من حقوقهن المشروعة في الحياة، التعلم، مخالطة المجتمع، المشاركة في الرأي والقرار، وقيادة السيارة من أجل تلبية شئون الحياة، وعدم الحب، وعدم الاختيار، وعدم الرفض، حتى حقها في أخذها للعلاج والاهتمام بها كإنسان لم تحفل به، الخ.. مما تتطلبه لأسباب الحياة والمشاركة فيها مع الرجل على حد سواء في البناء والتنمية والتقدم، إلا أن تخرج من البيت إلى بيت الزوج وربما يمارس عليها ذات القمع والترهيب حتى تقبر، وإن كان متعلماً ومبتعثاً، أو تبقى في ذل حتى ينزل عليها لطف من السماء ويخرجها من الظلمات إلى النور.
وتبين أيضًا حال فئة من المجتمع السعودي الذي تحول بأفكاره المستعارة من جهات الكفر والزندقة والإرهاب والمشردين إلى أناس إرهابيين دعاة للموت والقتل والتنكيل بمن يخالفهم في الرأي والفكر والدين ويجب قتلهم، ولاسيما من طرف النساء اللاتي انجررن بسذاجة وحمق لأولئك الحمقى فغدون يسمون الذي يفجر نفسه في الناس بأنه شهيد بطل.. كما تبين بأن هذه المآسي صارت في عين الغرب وجعلته ينظر إلى المجتمع السعودي بأنه مجتمع منغلق مسكون بالتخلف والسذاجة والحمق، بل ومضطهد وغير مقبول في وجوده على أراضيهم، حتى أصبح الفرد السعودي يتخفى خلف جنسيات أخرى.
كما تبين مجتمعاً تعتبره الكاتبه من الرعاع لأنه (نمطي لا يحب الخروج من نسقه) و(كأن الخروج معصية) ، هذا المجتمع يعتبر المرأة هي حق للغير، وخادمة للرجل لاقيمة لها، وليس لها ما للرجل أبدًا.. تبقى مقموعة حتى تنحدر إلى الشذوذ وتلبس شخصية الرجل وتمارس السحاق والرذيلة مع مثيلاتها بل وتطلب الزواج منهن.
وقباله هذا هناك الابنة الكبرى التي تتصدى لهذا الفكر التعنت رغم القسوة والاضطهاد والألم والضرب والشتم والتنكيل والحرمان والتغريب .. تتصدى بما لديها من قوة، وتواجه القوى الكبيرة التي تتشارك وتجتمع عليها مرة واحد، ليست فقط الأسرة، بل كل فئات المجتمع.. مناشدة في كل عبارة من عباراتها المؤلمة الوطن بأكمله بل وولي أمره ثم الواعين من المواطنين.. للخروج من هذا المأزق القذر والخندق الموحل..
رواية تزيدك ألما فوق ألم، لكنني كسارد أشيد بهذه الرواية من جانبها الصياغي الجميل، المليء بعبارات المتعة والروح الإنسانية، أشيد بأسلوبها المفعم بروح الشاعرية التي تبينها خواطر الألم والمناشدة وهي كثيرة بثت في أرجاء السرد ولو كانت عنوة أو غالبة على السرد ذاته، كما أشيد بالحوار المتشضي الذي يرفع منسوب المعاناة، وكذلك اللغة السهلة التي لم تتعالى على القاريء، فضلاً عن الحدث الذي يتفجر بنشوة التشويق حتى ليشدك إلي النهايات لكل شخصية من الشخوص. علماً بأن شخصية (سحر) وهي الابنة الكبرى، هي الراوية، ويدور حولها الحدث، وهي التي تلعب في كل الأدوار وتفجرها، وتبين رأيها ووجهات نظرها، وتظهر أنها البطلة الفاهمة الواعية المثقفة البناءة، وهي الوحيدة التي تهتم بالببت وتساعد وتراعي أخواتها وأمها والعطوف الودود اللطيفة عليهم، وتخدم أخاها رغم تلقي الصفعات منه، أما أخواتها (سناء وإيمان) ليس لهن دور في تفجير الأحداث وحلها، فقط يأتيان حسبما تتطلب الراوية إتيانهما، وكذلك الأخ سعيد له فقط جزء بسير جداً في تحريك الحدث في البداية وإلا يبقى بعيداً في المنتصف ثم يعود ويؤزم الحدث ويوصله إلى نهايته المفجعة، أما شخصية الأم رغم أن الراوية تتحدث عنها بأنها مصدر لكل الآلام والوجع والظلم والخنوع والذل والمهانة، إلا أننا لا نجدها تتحرك وتتحدث وتقول وتسير الأحداث كما ينبغي، أما شخصية الخال فهو الشخص الذي يلعب الدور الكبير بجانب البطلة يواجه كل تحركاتها بالصد والمنع والتحريم والشتم والضرب والمهانة وغيرها، حتى أنه ليكون هو الشخصية التي تجتمع فيها كل مساوىء العالم الوقح والمقيت وهو الرجل الذي له الكلمة الكبرى والمشورة حتى في وجود الأخ العائل، وأما شخصية الجد الذي لم يتضح لي بأنه جدٌ من جهة الأب أو جدٌ من جهة الأم، فهو شخصية رجل تركته زوجه لتهمة ما، وبقي وحيداً، تلجأ إليها البطلة لتأخذ منها العطف و المدد والتصبر والقوة لتكمل مشوارها، حتى يتوافاه الله، وأما مرام فهي الشخصية المساعدة لسحر ظهرت بعد فقد جد سحر حدها، تعينها على زواجها من أخيها فيصل الذي هو الحلم والأمل الذي تحاول التشبث به على تخوف للخروج به من النفق المظلم.. أما بقية الشخصيات فتحضرها الراوية لتظهر لنا بعض المظاهر السلبية المجتمعية وقبحها وسقوطها وترديها، ثم تغيب بلا أثر بالغ.
الفكرة والموضوع اللذين أعتقد أنني أبنتهما في عرض المقدمة، ليسا في عالم الكتابة الروائية بجديدين، فكثير من الروايات والقصص القصيرة والمقالات السعودية تناولتهما بما هما ضرب من الألم والجور والسلطة المجتمعية العمياء، للخروج بفكرة التحرر والخلاص، تحديداً، للمرأة المستعبدة الضعيفة المسكينة المرغمة، التي غُيِّبَتْ خلف الإسمنت، وعلى مقاعد الدراسة، وقبرت بذريعة المحافطة والغيرة عليها.
النهاية تخسر البطلة أحلامها وطموحاتها وامنياها وحقها في التعلم والوظيفة، والزواج ممن تحب ، بل تزوج قسرًا، وفتهرب إلى جبال مكة وتتوه وتموت، وتخسر الثانية كليتيها وتداوم على الغسيل، والابن بعد أن قضى مدة سجنه خرج وأصبح داعية وتزوج، وأمه بعد لم تزل تقدسه وتجله.
هذا غيض من فيض، تحياتي للكاتبة ولكم.
الكاتب السعودي / عبد الله النصر
قد تكون صورة ‏نص‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة