Translate

الأربعاء، 12 يوليو 2023

قراءة انطباعية للكاتب المغربي المبدع محمد سحبان في نص " تقزم" للاديب المصري / إيهاب خضر

 

قراءة انطباعية في نص " تقزم" للاديب و القاص المصري #إيهاب خضر
تَقَّزُم
اعتلى قمة دائرته، تزاحمت أذنابه تقطف شهدًا، زاد الوهج، ارتمت الفراشات في حضن البريق، تصارع النمل على سكاكره المره، زاحم الضباب الضياء، فارتوى الجميع بعدما فاض العلقم.
... "تقزم" صراع طبقي يتمثله المعجم الدلالي المكون من الأفعال التالية:اعتلى/ تزاحمت/زاد/ارتمت/تصارع/زاحم/فارتوى).. ولعل تعالق العنوان مع فصول هذه القصة المرموزة هو ما قد يمكننا من فتح مغلاقها وفي يدنا معلم يقودنا للدليل على المعنى الأقرب إلى الصلب الاستعاري للنص .. وبقليل من التأمل ندرك أن الصور الملتقطة بحرفية وبعناية تجسد الواقع الممجوج والمتخم ألما وفسادا دون تزييف بلغة رمزية شفافة تعيد فتح دولاب الأسئلة الحارقة والمقلقة ...
التقزم عدا أنه حالة مرضية توصف بقصر القامة فهو تعبيز مجازي قد يراد به الانكماش والانحسار والتقلص والضعة والضياع وغيرها من المعاني الدالة.. وقزَّم الشّيءَ أو الشَّخصَ: قلّل أهمِّيَّته أو حجمه، صغَّره وهوّن من شأنه...
شخصية رئيسة عملاقة تعتلي القمة لتتصدر المشهد وهي صانعة الحدث على المسرح والمتحكمة في خيوط اللعبة.. في مواجهة طبقات تتراتب وتتفاوت في درجة القزامة ( شخصيات ثانوية) مجردة من الأحاسيس والمشاعر وتتحرك بطريقة آلية ووفق خطة مكيافللية ممنهجة لهدف معين.
/الشخصية الحيوانية :
-(الاذناب): المنتفعون الاسافل الذين يتزاحمون عند الاعتاب السامية ابتغاء الحلاوة والامتيازات ...
- (الفراشات): واغلب الظن أن العبارة لرقتها قد ترمز للانثى المنحرفة أو الإنتهازية أو المغرر بها التي تنجذب بشكل طوعي وممغنط للأضواء البراقة وتستسلم للاغراءات وإن كانت الفراشة تعني كذلك الرجل الخفيف الرأس / الطياشة ...
- (النمل) الشغال وهو يقبع في أسفل الهرم في تصوير ميكروسكوبي عن قرب للطبقة الكادحة التي تتصارع في القاع وعلى الهوامش على الفتات ( لقمة عيش) وعلى ما فضل عن أولياء النعمة وارباب العمل ( كسرة خبز) مثلما تتصارع جحافل النمل على قطعة سكر أو حلوى معسولة في مشهد كاريكاتوري ساخر ولاذع..
( زاحم الضباب الضياء)..حركة شعرية فارقة، تغلق الستار عما تتالى من أحداث مشكلة بؤرة دلالية تتقاطع فيها العلامات البصرية لهذه اللوحة في انزياح دلالي بليغ .. والضباب إذا كان ظاهرة طبيعية تحجب الرؤية فانه يحمل في اللغة المحكية معاني اللاشيء/ السراب /الفراغ/ الخواء و قد يومئ بذلك إلى المعنى الدارج : (زاحم الفراغ الضياء)..في تلميح شفيف لسياسة الالهاء التي تنتهجها القيادات المعاصرة لتغييب العقول وتبليد الأذهان ...وقد يقودنا التأويل إلى معان أخرى : (الضباب: الغموض / في مواجهة الضياء : الحقيقة )... في إشارة لحماة الفساد وكذا لصحافة التفاهة والاعلام الموالي ولسياسات اخفاء الحقائق والتستر والوساطات ..
(فارتوى الجميع بعدما فاض العلقم)..قفلة دراماتيكية صادمة، لكنه سيناريو محتمل جدا بل وحتمي ما لم يتم فتح الدائرة المغلقة على آفاق مستقبلية جديدة . ..ولعلها بايجاز مأساة الغرق الجماعي بفعل التيارات الجارفة وطوفان التبعية والتغريب ..!
والسارد هنا شاهد وناطق بلسان حال الجماعة المغيبة، وهو الاخر لا يخرج من السياق الممتنع وقد تجرع من نفس الكاس المرة التي ارتوى منها الجميع...وتماهيا مع هذا المطلب يحضرني قول بليغ لابي القاسم الشابي ( ..لا أعـنّـي نـفـسـي بـأحـزان شـعـبـي فـهـو حـيّ يعـيـش عـيـش الـجـمـاد!
نص يمتزج فيه الشعر بالمسرح؛ والرسم بالتشكيل والطبيعة بالتجريد والرمز بالواقع ويمكن تصنيفه رغم شساعة حقوله الدلالية ( اجتماعية / سياسية / اقتصادية / تاريخية / نفسية)ضمن أدب "الديستوبيا" الذي طفا على الساحة العربية من جديد، بعدما حدث من إخفاقات في السنوات الأخيرة وبالاخص منها ما تلا الربيع العربي من انتكاسات ونكبات،..
فهل هي قصة سوء لا تنتهي كما يقول عبد الرحمن الكواكبي في وصفه للاستبداد ؟!
"التقزم" كمحور ليس بنظري اختيارا متعمدا، أو صورة مشوهة أو وصفا مبالغا في النقل بقدر ما هو قراءة منهجية صريحة للذات الراهنة ، في استحضار واع لمجموعة من التراكمات والتناقضات والتجاوزات التي يحفل بها المشهد الحياتي بوجه عام غايته التوق المستقبلي..
ومن خلال هذا اللمسة الفنية الرائعة، يمكننا الوقوف بجلاء على بعض السمات اللغوية والتخييلية والرؤيوية المميزة والعميقة في تجربة الأستاذ والقاص المبدع ايهاب خضر.
تقديري.
#محمد أبو الفضل سحبان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة