Translate

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

حماقات مدينة بقلم / أحمد عبد الحميد

 (( حماقات مدينة ))

استيقظ صباحآ و بعد ان اكمل افطاره قام بتغيير ملابسه وارتدى ثياب منمقة و متسقة اكثر من سابقاتها ، قام بترتيب هندامه امام المرءاة وتهيء للخروج حيث قرر في قرارة نفسه ان يذهب للسوق .. فالعيد اصبح قريبا جدا وعلى الابواب لا يفصله عنه سوى ثلاثة ايام لذلك كان لزاما عليه شراء ملابس جديدة لاطفاله الاربعة ، هم ولدان و ابنتان بالاضافة الى زوجته فكيف لا يفاجئها بثوب جديد يكون هدية العيد اليها اذ يعتبر ذلك عهد وفاء و شرط لعشقها الابدي ، فهي رفيقة دربه منذ خمس عشر سنة خلت . فخرج من داره متجها نحو السوق انتظر قليلا في موقف الحافلات قبل ان يستقل سيارة اجرة اراد ان يختصر المسافات والوقت ليفرح عائلته فكر كثيرا و حدث نفسه اثناء الطريق سوف اشتري لزيد ذو الاثنا عشر عاما قميص ذو لونين سمائي وازرق و اشتري له بنطلون ازرق داكن ايضا ثم اشتري له حذاء اسود وحزام جلدي لماع اسود . اما صهيب صاحب العشرة اعوام ساشتري له سترتا عسلية اللون و بنطلون اسود اها انتهيت من الاولاد اما الابنتان نور ذات الثمانية اعوام ساشتري لها فستان وردي وحذاء ابيض واجعل البائع يعطيني حقيبة وردية مطخمة باللون الابيض اما رونق ذات الستة اعوام ساشتري لها فستان اصفر به اكمام جميلة وحذاء ايضا وحقيبة . انتهيت من الاطفال اما انت يا ام زيد ساشتري لك جبة و ربطة راس بالاضافة الى الحقيبة والحذاء هكذا اكون قد انتهيت منهم لك ارى ماذا سوف اشتري لي من ملابس جديدة بمناسبة العيد ، فجأة توقف تفكيره و قطعت سلسلة احاديثه الداخلية وخيم عليه صمت داخلي مطبق .. كأنه كان في رحاة حلم جميل داخل سنينه الماضية ، فهوى في بئر اظلم سحييق عند رؤيته لخراب المدينة القديمة و بيوتها المهدمة وطرقاتها المتكسرة نتيجة الضربات و الانفجارات حتى اصبحت كجبل من الانقاض يعلوه ليل كئيب اثناء عبور مركبة الاجرة التي يستقلها الجسر الواصل بين ضفتي المدينة الغافية منذ عقود في اوهام الحياة ، فعاد الى واقعه التعيس مرة اخرى وتذكر زوجته واطفاله الاربعة كيف قضوا نحبهم تحت القصف العنيف اثناء عمليات تحرير مدينتهم لتاخذه العبرة وتغرورق عيناه بالدموع فألتفت الى سائق مركبة الاجرة ،
وقال له ؛ ارجوك يا اخي الفاضل ان تعود بي الى ذات المكان الذي اقللتني منه قد يكون في يوما ما و مكان غير هذه البلاد و في زمان غير هذا الزمان استطيع ان اشتري ثياب جديدة لزوجتي واطفالي حتى افرحهم بمناسبة العيد .....

قصة قصيرة الظليمة بقلم / مهدي الجابري.. العراق

 قصة قصيرة

الظليمة
أحكمت أم حامد قبضتها على السنابل كأنها جمال صفر! أو كأنه خصلة شعر فتاة شقراء! وهي مزهوة بموسم وفير، آلت على نفسها أن تطعم عائلتها من رز( العنبر) (١)الجديد فرائحته الشهية يشمها القادم من بعيد.
عدلت عصابتها نهضت الى العمل وهي سعيدة تغمرها فرحة بنعمة حباها الله لهم من اكتفاء ذاتي للغذاء، وجهها الجميل المبتسم الوشم القديم الذي يزين جبينها ووجنتيها، في يدها عصا أخذت تضرب بها السنابل المليئة حتى تتفرد حباتها كأنها ذهب مصفى، وهي تردد:( من خيرهم حسنه ودسنة وبفي مكاسرهم أنعسنى)(٢) أمسكت المجرشة المصنوعة من الطين وهي تغرد بصوتها( أبعدو عنه وفاركونه.. أحبابنا يمكن نسونه )(٣)جرشت الرز، ثم أحالته الى( الجاون)(٤) لهبشه، أتمت تحضير الرز الجديد .
من بعيد جاء صوت ابن ابنها حامد؟
جدة لقد جاء أبي.
- " هله يمه گواك الله"(٥)
-" كان صيد سمك البني وفير"
-" غداكم اليوم مطبگ سمج وتمن جديد يمه"(٦)
-" هذه أمنيتي وأنا اصطاد السمك"
-" يمه روح نادي أبوك واخوتك يتغدون"(٧)
- " أجلب لكم التمر الخضراوي
-" يمه أخوك راح يجيب خضرة من البستان"
-" أبي كان صيده طيور حرة مهاجرة"
- " الطيور للعشاء، رحمة ربي خير ونعمة..لك الحمد يا الله"
بعصاها الطويلة أخذت تهش البط لتنزله الى النهر، بيدها توزع العلف على الأبقار والدواجن وهي مسرورة.
"الماء والخضرة والوجه الحسن"
تعيشها مع جمال طبيعة أقصى جنوب ذي قار، الأنهار الجميلة؛ ماء الفرات بكدرته الطينية الحمراء، ووجوه الفتيات الحسان حفيداتها وبنات جيرانها.
الأنهار تجري بماء عذب، كأنها بطون حيات، وعنده يكثر الصيادون.
كان هذا في العقد الثامن من القرن العشرين، حين كان يزهو الفرات ويتبختر دجلة، ويرفل الجنوب في أكناف الخير.
ولكن ، وعلى حين غرة داهم القرية مخطط التطوير، أفسد كل ماهو جميل، جفف الأهوار، قطع أوصالها، بنى سدوداً ترابية تعلو الهامات، مات الزرع والحرث والنسل، ضاع الإستقرار وأصبح الخوف يتراءى في عيون البشر، جوع،تهجير، قتل.
لوح حامد بيدة مسرعاً وهو عائد الى امه :
أمي ...أمي ..جاؤوا ....جاؤونا ، مدجين بالسلاح.
-" احملو سلاحكم وعتادكم"
- "سأدعو أبي وأخوتي"
- "وجهّوا سلاحكم على من يعتدي عليكم"
أمي اجعلي العيال في مأمن، نحن الرجال للقتال.
المقاومة شديدة، أزير الرصاص يعلو على أي صوت، المهاجمون لايميزون بين صغير وكبير، وبين إنسان وحجر ، همهم القتل والتدمير.
صرخت أم حامد
ابوك(٨) ياحامد، أبوك قُتل!
ركضت، حملت سلاحه، شدت حزامها، قاتلت قتال الأبطال، طوق المهاجمون الدار، فرّ حامد هاربا الى الهور، اقتادوا أم حامد وعائلتها للسجن،
سلّم نفسه حامد مقابل إخلاء سبيل العائلة.
هُجرت العائلة بعيدا
بكت أم حامد حنّت وأنَتْ:
لماذا حصل هذا وبأي ذنب؟! حضنت شجرة البرتقال في مدينة بعيدة وهي تئن ( أبعدو عنه وفاركونه.. أحبابنا يمكن نسونه)(٩) وجهّت وجهها صوب مدينتها، أجهشت ببكاء مرّ، وصاحت بصوت عالٍ:
" ياللظليمة".
. انتهت.
مهدي الجابري.. العراق
---------------------------------------
(١) نوع من انواع الرز.
(٢) اشبه بالمواويل ترددها النساء اثناء العمل وهي معناها: من الخير طرنا فرحا وسرور وجلسنا تحت ظل البيوت الجميلة للاهل.(3) موال حزين معناه: الاحباب اصبحوا بفراق بعيد.. وتقصد به الموت.
(٤) قطعة من الخشب محفورة من الداخل يوضع الرز ويضرب بعمود من الخشب ايضا لتخليص الرز من القشرة الداخلية بعد تتم ازالت القشرة الخارجية بواسطة المجرشة وهي مصنوعة من الطين بطوقين اعلى واسفل وتدار في اليد بواسطة قطب..
(٥) كلمة ترحيبية
(٦) تدعوهم الى غداء رز وسمك
والمطبق : بعد استواء السمك مقليا يوضع فوقه الرز .
(٧) ادعوا والدك واخوانك للغداء
(٨) والدك
(٩) موال حزين معناه: الاحباب اصبحوا بفراق بعيد.. وتقصد به الموت.
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏منظر داخلي‏‏

« قراءة في سكندريات الفنان التشكيلي د . خالد هنو» بقلم / سمير لوبه

 كتب سمير لوبه :

« قراءة في سكندريات الفنان التشكيلي د . خالد هنو»
تُعد الإسكندريةُ بتفردِها وتميزِها معشوقةُ المبدعين ومصدرُ إلهامٍ لا ينضبُ أبداً ، فقد أخذت ألبابَهم وملأت وجدانَهم فاستفزت بروحِها الفريدةِ إبداعَهم في فنِ الكلمةِ وفنِ الصورةِ ، والأسماءُ عديدةٌ لا حصرَ لها ومن هذا المنطلقِ نقدمُ قراءةً في سكندرياتِ أحدِ أعلامِ مصرَ في الفنِ التشكيلي عامةً وفي الإسكندريةِ خاصةً الفنان الدكتور " خالد هنو "
في العامِ 1990 قصرُ ثقافةِ الحريةِ ( الإبداع حالياً ) شارع فؤاد أعرقُ شوارعِ الإسكندريةِ قاعةُ " الأخوين وانلي " افتتح الدكتورُ " محمد شاكر " المعرضَ الأولَ للفنانِ التشكيلي " خالد هنو" ليشهدَ قصرُ ثقافةِ الحريةِ بزوغَ نجمِ أحدِ أبنائه ، والذي بدأ رحلتَه مع الفنِ التشكيلي بينَ أروقتِه هاوياً ؛ ومن ثَمَّ انطلقت موهبتُه الفذةُ ليصقلَها بالدراسةِ الأكاديميةِ ، حيث التحق بكليةِ الفنونِ الجميلةِ " قسم التصوير" ، وقد تتلمذ على يدِ أساتذةِ القسمِ وأبرزُهم الأستاذُ الدكتور" أحمد خليل و حامد عويس و حسين بكار و فؤاد تاج و محمد القباني و محمد شاكر " والذي افتتح له معرضَه الأولَ ، وعودٌ لبدءٍ فقد كان المعرضُ الأولُ لــ " خالد هنو " علامةً فارقةً أنبأت ببزوغِ نجمٍ ساطعٍ في سماءِ الفنِ التشكيلي ، حيث استوحى في كلِ لوحاتِه الفنَ الإغريقي السكندري من المتحفِ اليوناني الروماني ، ومزجه بالفنِ المصري القديمِ ، وإن غلب على اللوحاتِ الطابعُ الإغريقي فظهرت بصمةُ " هنو " الفنيةُ منذ معرضِه الأولِ ، والذي جمع فيه بينَ التاريخِ اليوناني الروماني والمصري القديمِ مع الحياةِ الشعبيةِ في الإسكندريةِ ، وقد ظهر جلياً في كلِ لوحاتِه عشقُه الجارفُ لمعشوقتِه – الإسكندرية - والذي تمثل في مخزونِه العاطفي تجاه الإسكندريةِ ، ويُعدُّ هذا المعرضُ من البداياتِ القويةِ التي ساعدت في بزوغِ نجمِ عاشقِ الإسكندريةِ الفنانِ التشكيلي دكتور خالد هنو .. اتبع " هنو " تقنيةً في لوحاتِه باستخدامِ الألوانِ الزيتيةِ على التوالِ وعلى الخشبِ ، وقد وظَّف "هنو" الألوانَ الزيتيةِ لخدمةِ فكرةِ معرضِه الأولِ ، فقد كان المعرضُ يحملُ فكراً لا صنعةً ، وجديرٌ بالذكرِ أن نوضحَ غلبةَ الألوانِ الباردةِ مثل اللونِ الأزرقِ بدرجاتِه مع الأبيضِ بدرجاتِه دونَ إغفالِ الألوانِ الساخنةِ ولكن بحذرٍ ، ويُعدُّ ذلك تيمةً في لوحاتِ "خالد هنو " إذْ نجدُه دائماً يميلُ إلى فصلِ الشتاءِ في سكندرياتِه ، وكأنَّه العاشقُ الذي ينتظرُ معشوقتَه حتى ينفضُّ من حولِها المعجبين ؛ لينفردَ بها ؛ يبثُها مخزونِه العاطفي مستخدماً الألوانَ الباردةَ دونَ إغفالٍ منه للألوانِ الساخنةِ والتي يستخدمُها بحذرٍ ؛ لخدمةِ الفكرةِ الرئيسةِ للمعرضِ ، ومن يتتبعْ الحركةَ الفنيةَ للفنانِ يجدْ فيضاً من الإبداعِ تجاه معشوقتِه الإسكندريةِ ... في سكندرياتِ " خالد هنو" ، والتي تناول فيها معالمَ الثغرِ البارزةَ إبداعٌ تشكيلي ذو طابعٍ تأثيري واضحٍ ومن أمثلةِ ذلك ( ترام المدينة – محطة الرمل – المنتزه – الأنفوشي – عامود السواري – ميدان الخرطوم – حديقة نوبار – كوبري استانلي – مظاهر الحياة السكندرية الشعبية والصيد والصيادين ... إلخ ) وكلُ ذلك ينطقُ بمدى عشقِ "هنو" لمدينتِه لا سيَّما فصلُ الشتاءِ السكندري ، ومن خلالِ لوحاتِ الفنانِ السكندري "خالد هنو " نلحظُ تطبيقَ الطلاءِ بلمساتٍ ذاتِ لونٍ تأثيري ؛ لالتقاطِ انطباعٍ خاصٍ بالألوانِ والضوءِ ، فكانت النتيجةُ التأكيدَ على تصورِ الفنانِ للموضوعِ بقدرِ ما هو الموضوعُ ذاتُه ، لذلك نستطيعُ أن نقولَ أنَّ " هنو " ينتمي في لوحاتِه عامةً وفي سكندرياتِه خاصةً إلى المدرسةِ التأثيريةِ ، فكما نعلمُ أنَّ للفنِ اتجاهاتٍ ومدارسَ ، اتجاهٌ تعبيرى واتجاهٌ تجريدي وظهر بينهما مدارسُ تعملُ بينَ الاتجاهين .
أما ونحن بصددِ الحديثِ عن الفنانِ التشكيلي " خالد هنو " كان لزاماً تناولُ مدرستِه الفنيةِ - المدرسة التأثيرية - توضيحاً لما بدأناه نؤكدُ على تكنيك " هنو " في لوحاتِه حيث أنَّه رسم الناسَ يفعلون الأشياءَ اليوميةَ ، فأحبَّ إظهارَ تأثيرِ الضوءِ ، فنجدُه مهتمًا برصدِ مظاهرِ الجوِ مستخدماً تقنيتَه الخاصةَ به مما يعطي اللوحةَ إحساساً أكبرَ بالحيويةِ عندَ رؤيتِها من مسافةِ بعيدةٍ ، لقد صور " خالد هنو " الحياةَ اليوميةَ بصدقٍ وأمانةٍ ، في سكندرياتِه ، والتي ترصدُ حركةَ الحياةَ السكندريةَ ، يختارُ موضوعَه من الحياةِ اليوميةِ ، فينفذُ بذلك إلى حياةِ الجماهيرِ، ويجعلُ من عملِه الفني على الإجمالِ وسيلةَ اتصالٍ بالجماهيرِ ، ويُعتبرُ الفنانُ التشكيلي " خالد هنو " من أهمّ أعلامِ الفنانين التشكيليين في مصرَ فقد صور في لوحاتِه ما يعكسُ الواقعَ المصري و السكندري ، ومن أشهرِها لوحةُ ( حلقة الأسماك ألوان زيتية على توال بتاريخ 2019 ) ، و ( محطة مصر ألوان زيتية على توال 2012 ) ويُشاهدُ بها مجموعةٌ من الأشخاصِ ، ولوحة ( محطة الرمل ألوان زيتية على خشب بتاريخ 2012 ) فالصورة تعكسُ إبداعاً صادقاً عند الفنانِ التشكيلي (خالد هنو) ،والجديرُ بالذكرِ أنَّ الفنانَ سكندري المولدِ ، قد بزغ نجمُه مطلعَ التسعينياتِ من القرنِ العشرين ، ومن لوحاتِه ( قلعة قايتباي ألوان زيتية على توال بتاريخ 1998 ) ، وقد أمتاز أسلوبُه بتوزيعِ الإضاءةِ في اللوحةِ ، ومن لوحاتِه ( شاطئ المنتزه ألوان زيتية على خشب بتاريخ 2020 ) ويُشاهدُ بها تيمةَ " هنو " الغالبةَ فصلَ الشتاءِ السكندري ، فنجدُ أزرقَ الشتاءِ المتمثلِ في ماءِ البحرِ تغلبُ عليه الدرجاتُ القاتمةُ ، كذلك ضوءُ الشمسِ في الشتاءِ تكسره السحبُ ، وألوانُ الطيفِ وغلبةُ الألوانِ الباردةِ دونَ إغفالِ الألوانِ الساخنةِ مع الحذرِ .
نجملُ القولَ أنَّ الفنانَ التشكيلي "خالد هنو" علامةٌ بارزةٌ في الفنِ التشكيلي ، ونجماً يزدادُ ألقُه وبهاؤه مع كلِ لوحةٍ جديدةٍ ، وفي كلِ معرضٍ من معارضِه المحليةِ و الدولية ِ .
من كتابي " قراءات .. إبحار في قراءات نقدية "

الاثنين، 22 نوفمبر 2021

قصة قصيرة البحث عن الحقيقة بقلم/ عاشور زكي وهبة

 قصة قصيرة

البحث عن الحقيقة
بقلم/ عاشور زكي وهبة
••••••••••••••••••••••••
هجرت موقعي الحالك وسط دغل ملتف الأغصان يابسها، حاملا حطامي القليل.
مررت على برك عطنة، ومستنقعات آسنة توردها السباع الظمأى، بينما يقف بعيدا قطيع من الغزلان الوجلة في ركن قصي تنتظر الورد الأخير الكدر، يتقدمها جمع من الحمر الوحشية المستنفرة في جبن أبكم...
طرق سمعي قرع طبول يصخب كلما تقدمت في سيري الحثيث على هذه الأرض المحتضرة التي ترضع أولادها قفرا أرهقها كفرا.
كما رآيت أيضا دخانا كثيفا ينبعث متصاعدا من قبل الدوي يزاحم السماء الحبلى بالسحب، ويؤرقها.
من بعيد، لاحظت قزما قابضا على حربة مسنونة يطارد أرنبا بريا يتقافز هلعا.
اقتربت من مصدر الجلبة والدخان، وجدت قوما يرتدون أسمالا، يتخذون من جلود الحيوانات لباسا، يكاد يستر هيئتهم القزمية اللاهية، يعكفون على طوطم لإنسان عابس ذي عينين جاحظتين بشعتين، يتزلفون إليه بقرابين بشرية، ويتوسلون في ضراعة العابدين، في حين يقرع أحدهما على طبلة عظيمة بغصن جاف في نشوة هستيرية، حوله مجموعة من الراقصات الكاسيات العاريات...
استوقفتهم بصوت صارخ:
_ ما خطبكم أيها العاكفون المتزلفون اللاهون؟!
ما أن انتهيت من سؤالي الصاعق الذاهل، حتى وثب على حشد من الأقزام كالقردة الماردة، كادوا أن يفتكوا بي لولا أن صرفهم كبيرهم متوعدا، يبدو من هيئته أنه ذو مكانة ومهابة لديهم، إذ زجرهم بلغة عصية الفهم، فانصرفوا إلى عبثهم طائعين إلى حيث يقبع وثنهم بغيض النظرة والمنظر...
حملق في مخلصي متفحصا متفقدا سحنتي الغريبة، ثم غمغم بلهجته العجيبة، فلم أفقه علام يرمي قوله الغائم. أومأ لي بعينيه الضيقتين الضائقتين مني، وأشاح لي بيديه القصيرتين كثيفتى الشعر. أدركت أخيرا أنه يدفعني إلى الإنصراف، قبل أن يأكلوني مثل الخروف، ونفدت بجلدي بعد أن تركت متاعي القليل غنيمة للأقزام المتكالبين...
لكنني عجبت لأمر لوجود هذا السيد القزم بينهم، وكيف أطاعوه بزجرة واحدة، وحين سمعت لهجتهم جال بخاطري سليمان الحكيم ومعرفته لمنطق الطير، وكيف استعصى على فهم آدمي مثلي...
وضعت طرف ثوبي في أسناني وعدوت حتى وصلت إلى جبل استظل به من القيظ، أمسح عرقي المنهمر من الرعب والحر. ازددت هلعا حينما فوجئت بيد خشنة تربت على ظهري. التفت لأرى إنسانا بملابس رثة ولحية بيضاء كثة يحمل عشبا جافا، وقليل من الثمر، وكلبه يتبعه كظله، يبصبص لي بذيله، ويلف حولي بجرمه الضئيل. نظر لي الشيخ باسما، ثم قبض على يدي لأتبعه قائلا:
_ من أي البلاد أنت؟ ولما جئت إلى هذه البلاد الجافة الجلفة؟!
ذهب عني الروع فأجبته بأني من بلاد الله، وجئت لأعرف سره في الكون.
ذكر لي أنه أيضا غريب عن البلاد، وقد جاء هنا رغبة في الزهد والاعتكاف عن الناس، ودعاني لكهفه، وكلبه الصغير لا يفارقه. ضحكت صائحا: إنسان كهف في القرن الحادي والعشرين!
ثم سألته بعد أن لمست فيه رقة صافية رغم خشونة العيش:
_ ما شأن هؤلاء الأقزام الذين كادوا أن يلتهمونني هذا الصباح؟!
دعاني للجلوس على حصير يبدو أنه صنعه من خوص المستنقعات، وقص على من أمرهم عجبا، حيث قال:
_ إنهم يقدسون أجدادهم القدامى، ويتخذونهم آلهة، ويتزلفون إليهم في هذا الوقت الجدب للاستسقاء وإحياء أرضهم الموات... والأعجب أنهم ما أن ينتهوا من مراسمهم حتى تبرق السماء وترعد، وينهمر النطر غزيرا كالسيل العرم...
استوقفت الزاهد متسائلا في وجوم:
_ هل تعتقد أن هناك ثمة علاقة بين عبثهم الماجن وسقوط المطر أيها الناسك؟! إنهم قطيع من الهمج يأكلون لحوم البشر.
إن تضرع الحمر المستنفرة أجدى عند الله من لهوهم هذا.
عبس الشيخ قليلا، ثم عادت طبيعته المشرقة سريعا، فقال متداركا سوء فهمي:
_ وما بال كبيرهم القزم؟ لماذا لم يدعهم يفتكون بك؟ إنهم قوم يسالمون من يسالمهم، وأحيا بينهم في سلام.
وكل يتخذ إلى ذي العرش سبيلا يا بني.
الكل حر فيما يعتقد ما دام لا يسيء للغير، ولا يسخر منهم...
عاشرت الزاهد مدة، تعلمت خلالها الكثير؛ لكنني ضقت من تقشفه، وتحريمه على نفسه ما أحل الله من زينة الأرض، والطيبات من الرزق.
ومع ذلك أعجبني ورعه وتقواه، وقدرته الفائقة على العمل رغم شيخوخته وبؤسه.
استأذته للرحيل، فدعا لي أن أعرف سر الكون، ووعدته أن أبثه إياه حينما أتوصل إليه. ودعته وكلبه بجواره قد نما وترعرع في كنف سيده المتقشف.
انطلقت في سبيلي، وقطرات المطر الأخيرة توشوشني، ونسمة باردة تدغدغني في لذة محببة.
استرعى انتباهي وجود خيمة أنيقة ومحصنة بطراز فريد على الطريق. أدركت أنها تتبع أحد العلماء الاجانب الذين يأتون إلى هذه البلاد للبحث والدراسة. وصدق حدثي إذ رأيت شخصا ذا وجه أوروبي يرتدي معطفا جلديا خفيفا يقيه المطر، وتقبع على أرنبة أنفه نظارة سميكة، وأمامه منضدة يعلوها الكثير من القوارير وأنابيب الاختبار، ومواد وسوائل أخرى لا علم لي بها.
اقتربت منه محييا بإكبار جم؛ فما كان منه إلا أن صوب على ببندقية إلية أتوماتيكية، كدت أن يغشي على، لكنه سرعان ما وضعها جانبا، وراح يتفحص أدواته كأنما يقوم بتجربة علمية. رد تحيتي باقتضاب شديد، ثم انغمس في أدواته وتفاعلاتها.
قلت له باسما: بعد المطر الجو جميل.
رد بتلقائية جامدة:
_ إنها حقيقة مؤكدة. المطر تسبقه عدة عوامل طبيعية تستلزم سقوطه.
سالته مباغتا: ألا تعتقد في قوة خفية وراء نزول المطر؟!
قهقه العالم ساخرا، حتى كاد أن يستلقي على قفاه، ثم قال متحمسا:
_ هذا اعتقاد ذوو التفكير البدائي الذين يؤمنون بوجود إله يدير هذا الكون العبثي. وهذا ليس رأي العلم.
جالت عيناى في المكان.. كان يوجد قرد سجين في عربة كبيرة ذات أسلاك مقسمة، يفصله عن قزم قابع في قسم أخر. وكان هناك مجموعة من العلماء يحملون حقائب، ويدونون على حواسيبهم معلومات وأفكار وخرائط ورسومات بيانية...إلخ.
حينما أدرك العالم صدمتي الحضارية قال باسما: نحن ندرس المنطقة ومن عليها وأسفل منها ووو...
نظرت إلى السماء التي لاحت في أفقها البعيد سحابة سوداء كثيفة تجتاح الغابة، وخيم الظلام من جديد، ولى العالم مدبرا ليلحق برفاقه الذين يستعدون لدراسة الظاهرة المحدقة. تشققت السماء بالغمام والدخان المبين يغشى الناس.
قال العالم ضائقا:
_ هذا يوم عسير. أين السبيل أين السبيل؟! هل هذا عارض ممطرنا أم عذاب أليم؟!
عدت أدراجي إلى الكهف حيث يعتصم الزاهد يتعبد، وكلبه باسط ذراعيه بالوصيد. راح يحرك ذنبه حينما رآني، أحس بي الشيخ، رحب بي وأوينا إلى الكهف حتى تنقشع السحابة السوداء، ندعو الإله أن يهبنا طوق النجاة...
وغير بعيد جاءتنا أصوات الطبول الصاخبة تدوي في أرجاء الغابة تستثير الإنس والوحوش، وريح تقتلع خيام العلماء الجهلاء كريح عاد الأولى.
••••••••••••••••••••••••••••••••
( تمت بحمد الله)
تاريخ كتابة القصة 3/1/2000
قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏لحية‏‏ و‏منظر داخلي‏‏

عيناك الشاعر الحزين / حسن عبد المنعم رفاعي


 عيناك

--------------------
عيناك آه من عينياك
زرقاء بلون أمواج البحر الصافى
شفتاك آه من شفتيك
أشتاق لارتشف الرحيق من شفتيك
كما يشتاق الليل للفجر الجديد
كسفينة تصارع الموج الهائج
لتعود لمرساها
كلهفة طفل لحضن امه
حب جميل سكن فؤادى
عشق كبير ملأ حياتى
حلما ملأ كل كيانى
صورتك دائما فى خيالى
كلما دعوتك للحب
تنكرين حبك لى
وتلعنين عشق الهوى
أهرول لك بقلب مشتاق
أدعوك للعشق والهيام
وتردين بالصد و الهجر
لماذا ...!!!
خوفا من حبى لك
أم من حبك لى
تفرين ...
بقلبك بعيدا
نداء الفراق
أستفيق من حلم جميل
على غدر الزمان بى
يعلو نفير الهجر والرحيل
أسقط فى ذهول
لا أعرف هدى ولا سبيل
لا أدرى ماذا أفعل
كيف سأعيش وحيد ا
ماذا كتب علينا
الوداع ثم اللقاء مجددا
أم الفراق الى الأبد
فماذا ابق الزمن لى
من بعد رحيلك
لا أدرى لذلك سبيل
******** *********
الشاعر الحزين / حسن عبد المنعم رفاعي

- ما القصة ؟ وما جدواها – بقلم / ناجح صالح

 


- ما القصة ؟ وما جدواها –

القصة فن من فنون الأدب الرفيع ، لها مقوماتها وخصائصها وميزاتها .. تبدأ بفكرة ثم بحدث من نسيج الخيال أو من أرض الواقع .
الأسلوب الذي ترتكز عليه القصة هو ما يجذب القارئ اليها ليستسيغها ويحس طعمها لتكون له منارا وهديا .
أتراها مجرد متعة من غير جدوى وراء ذلك ! أم أن لها هدف يسمو بها الى الأعالي !
الحق أن القصة الهادفة قد تصور مشهدا يفعل في النفس فعله لما له من تأثير يخلب الألباب ، قد يكون هذا المشهد عاطفيا أو اجتماعيا أو انسانيا ، لكنه لا يخلو من اثارة تدغدغ المشاعر وتثير الأحاسيس لدى المتلقي .
انه فن القصة هو من يحرك الساكن ليتفاعل معه التفاعل السحري الذي لا مناص منه .
ومع ذلك تبقى القصة طارئة دخيلة ان فقدت أحد عناصرها سواء كانت فكرة أو حدثا أو أسلوبا .
ذلك لأن الفكرة هي المحور الذي تبدأ به القصة ، أما الحدث فهو شعلة القصة ونارها المستعرة ، وأما الأسلوب فهو نبضها وروحها ، ومن دونه تفقد القصة بريقها وتألقها .
هذه قصة يوسف في القرآن بأسلوبها الرباني كيف وقع كلماتها على القارئ لتبهر عقله وقلبه .. كيف هي من قصة فريدة تترك أثرها قويا حادا في النفس .
وهذه قصص الأدباء الكبار كيف تهز الضمير والوجدان باسلوبها الرشيق وفكرتها المتدفقة .
ألم يكن ( موبسان ) رائد القصة القصيرة بما حمله قلمه من تأثير شديد يترك صداه في نفوسنا .. وكذا الحال في قصص مارك توين الذي أجاد وأبدع في وصفه للحدث باسلوبه المتألق .
وهذا نجيب محفوظ الذي جعل من القصة العربية فنا رفيعا يسمو الى الأعالي بحبكته وجماله وروعته .
انها القصة الهادفة تنفل لنا الصورة بصدق سواء بحزنها أو سرورها ، بألمها أو بهجتها ، فيخفق لها القلب خفقانا ينم عن مدى التفاعل بين الكاتب والقارئ .
هذه قصة تنقلك الى أجواء رومانسية تحت ظلال طبيعة ساحرة ، يتصاعد فيها الحوار بين عاشقين ، يتحدثان حديث الحب ولواعجه ، لتطبع هذه القصة بصمتها على جزء من كيانك .
وهذه قصة أخرى تنقلك الى الصراع الخفي الذي يدور في أعماق امرأة خانها زوجها وأساء الها الاساءة التي لا تغتفر .
وها أنت يثور بركان في أعماقك .. تتألم وتتحسر لهذا الموقف الرهيب الذي فيه رائحة الغدر والخيانة .. وتلك قصة تنقل لك معاناة من هجروا وطنهم فرارا من القتل ليعيشوا تحت أجواء الغربة في كل عذاباتها النفسية .
وقصة رابعة ترسم لوحة من لوحات العقوق لأبناء لم يكونوا أهلا لرد الاعتبار أو الوفاء لآبائهم ، فكيف يكون رد فعلك ازاء هذا الموقف وأنت تقرأ سطور هذه القصة وتفاصيلها ؟
ترتكز أكثر القصص القصيرة على شخصية واحدة وعلى حدث واحد بخلاف الرواية التي تتعدد فيها الشخصيات والأحداث .
في القصة يتخللها أحيانا حوار داخلي حيث تكون المناجاة مع النفس والصراع الدائر في أعماقها ، وهذا ما يزيدها نجاحا وديمومة ، كما أن عنصر المفاجأة في القصة على غير توقع من المتلقي يعطيها بعدا آخر من المحاسن .
والناقد الحق هو من يفصل كلمته فيما اذا كانت القصة قد أوفت بشروطها اللازمة أو أن ثمة خلل في حبكتها ، هو من له عين مبصرة في الحكم عليها ان كانت قد نجحت في رسم أهدافها أم أنها خابت في تحقيق تلك الأهداف .
ناجح صالح

ذَات قِصَّةً قَصِيرَةً جِدًّا بقلم / عبد المجيد أحمد الخولي


قِصَّةً قَصِيرَةً جِدًّا
ذَات
سَأَلَتْهُ هَلْ بِإمْكَانِهِ أنْ يُسَاعِدُهَا فِي اخْتِيَارِ قِنَاع مُنَاسِبٌ لَهَا؛ نَظَرَ لَهَا بتمعن... أَعْطَاهَا قناعين، أَحَدُهُمَا بَرِيءٌ وَالْآخَر مُخَادِع. حَقَّقْت رَغْبَتُهَا الاعمق فِي الْحَيَاةِ بِالثَّانِي.

 

الدينونة قصة_قصيرة بقلم / خالد العجماوي



 #الدينونة

تحذير هام
صاحب هذا التطبيق مجرم يستحق العقاب، وهو وإن كان عبقريا شديد الذكاء، فإنه قد ارتكب أكبر الخطايا وأحط الآثام؛ إذ أنشأ تطبيقا يجعل من فيه يسافر عبر المكان والزمن، على ألا يعرف في أي مكان يكون وإلى أي زمن سيذهب، فكان بذلك قد نصّب نفسه إلها صانعا للقضاء والقدر، وجعل من نفسه الملجأ والمصير، والبداية والنهاية.
وعليه، وحتى الوصول إلى مالك ذلك التطبيق وعقابه، فإننا نحذر من الدخول على مثل تلك التطبيقات أو المشاركة فيها، حتى ولو كان من جانب المغامرة والفضول، وإلا أصبحت مشاركا في الجريمة وتضع نفسك تحت المساءلة القانونية.
********
المحطة مزدحمة كثيرا، والوجوه وإن علاها الكثير من التوتر، إلا أن البسمة وجدت طريقها عبر شفاههم. تفرست في الوجوه باحثة عن وجهه فلم تر إلا وجوها بعيون ضيقة، ولون يميل إلى الصفرة. مرت على أسماء المحال فعرفت أنه اختار لها بلدا آسيويا. ماذا عساها تفعل في محطة القطار هذه، وكيف تعرف البلد والزمن؟ ولماذا لم يظهر "هو" حتى الآن؟ زفرت زفرة حادة وتمتمت:
- لماذا تأخر؟
وجدت أحدهم أخيرا يجلس هادئا، وفي يده تذكرة. عرفته من تلك العلامة التي وضعها التطبيق على جبهته..سألته:
- أين نحن؟
- اليابان.
تهللت أساريرها. وصفقت في فرح. سألها:
- هل حجزت تذكرة للمغادرة؟
قالت في عفوية:
- لا..
بدا متوترا فجأة، وقال في عصبية:
- نحن في هيروشيما يا آنسة. نحن في السادس من أغسطس والعام هو الخامس والأربعون. لم يبق إلا ساعة أو أقل!
كاد قلبها أن ينخلع. الشائعات صحيحة إذن والتحذيرات حقيقة. ماذا عساها أن تفعل؟ لماذا لم يذهب بها التطبيق إلى الأندلس، أو المصريين القدامى، أو حتى إلى سويسرا حيث الأبقار والأنهار. وهل كان يعلم "هو" بالأمر، فخدعها ولم يحضر؟ الحقير!
نظر إلى ساعته، وهرع نحو شباك التذاكر:
- سأشتري واحدة.
نظرت إلى الساعة فوجدتها السابعة والنصف. سألته:
- متى سيكون؟
- بعد خمس وأربعين دقيقة.
- متى يذهب القطار؟
- بعد خمس دقائق.
- اذهب أنت إذن.
- لن أتركك.
- شكرا لشهامتك يا سيد ولكن لا وقت لها. علي الانتظار.
من كان يتصور أن تكون نهاية المرء قبل أن يولد حتى؟!
اندس وسط الزحام، والناس تنظر إليه في غضب. ورجع إليها مسرعا وفي يده تذكرتها. أمسك بمعصمها، وجرها نحو القطار، قبل أن يطلق صفارته وينطلق.
- هل تظن أننا سننجو؟
- لست أدري. ولكنها محاولة.
- لم لا نحذر الناس؟ نخبرهم بالحقيقة!
- تريدين أن تبشريهم بالفناء! لن ينالك إلا التكذيب.
نظرت من شباك القطار. بدا أنه قد ابتعد مسافة الكيلو مترين..خطر لها خاطر فسألته في انكسار:
- هل نصلّي؟
نظر من شباك القطار فلمح طائرة. أشار إليها وهو يهمس:
- حضر العقاب.
اختنقت الكلمات في حلقها، وهي تنظر نحو الطائرة في رعب. بدت كحمامة بيضاء أو فضية تشق عباب السماء، والناس في القطار ينظرون إلى فوق عبر شباك القطار وعلى وجوههم ابتسامة إعجاب.
- هل نستحق أن نموت أشلاء؟
سألته والدموع تترقرق في مقلتيها. قال في هدوء من استسلم:
- يبدو أن التطبيق يعرف عنا كل شيء.
- لا أراني أستحق هذا العقاب!
- كذلك الشيطان لا يرى نفسه مذنبا!
- ترانا نستحق هذه الميتة؟
تنهد وهو يرقب الطائرة وقد دارت دورة كاملة، أخرج من معطفه صورة امرأة تحمل طفلا يشبهه..
- كذبت عليها بالأمس. قلت إني لا أريد أن أراها مجددا..وأني أستطيع الحياة دونها.
- أنت قاس!
- أستحق العقاب إذن!
- ولكن أنا! أنا لم أفعل شيئا يستوجب أن أموت هنا.
نظر إليها طويلا، ثم سألها:
- ألم تكذبي ولو مرة؟
قالت وهي ترمق الطائرة في رعب:
- لا أذكر..
كانت يراها ترتعشان، ودبلة زواجها تصطك مع مسند الكرسي المعدني محدثة أزيزا مريرا..
نظر إلى عينيها بقوة هزت كيانها. أشار نحو الطائرة فإذا بشيء يهبط من أسفلها. قال في هدوء:
- نلفظ أفعالا ونحن لا نبالي تماما مثل هذه الطائرة. نفعلها ونحن لا نعلم مدى الدمار الذي سوف تلحقه.
تسمرت في رعب. سألته بصوت مبحوح:
- حان الوقت!
دوى صوت انفجار كاد أن يصم الأذن. صرخ:
- الله في كل مكان..
لم يعد ثمة شيء إلا بياض هائل، ثم لاشيء.
قد تكون صورة لـ ‏نص مفاده '‏الدينونة قصة خالد العجماوي‏'‏

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة